اتخذ اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية المصري، قرارًا فى منتصف تموز/يوليو بعودة عسكري الدرك فى محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والأقصر وأسوان. وبذلك تعود إلى الشارع المصري شخصية اختفت منذ عقود ولم يعد يعرفها المصريون سوى من الأفلام القديمة عندما كان الحارس يذرع الشوارع المظلمة صارخا: “مين هناك؟!”.

اتخذ اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية المصري، قرارًا فى منتصف تموز/يوليو بعودة عسكري الدرك فى محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والأقصر وأسوان. وبذلك تعود إلى الشارع المصري شخصية اختفت منذ عقود ولم يعد يعرفها المصريون سوى من الأفلام القديمة عندما كان الحارس يذرع الشوارع المظلمة صارخا: “مين هناك؟!”.

هذه الشخصية هي عسكري الدرك. إذ تشير الدكتورة أسماء نصار، الباحثة فى الشؤون الأمنية بجامعة دبلن بأيرلندا، إلى أن نظام عسكري الدرك كان مفعلا فى كل الميادين والشوارع حتى قيام ثورة يوليو 1952، حين ألغي هذا النظام لأنه كان مرتبطا بنظام البوليس السياسي سئ السمعة، وأرادت الثورة أن تغير الأنظمة القمعية لأشكال أمنية أفضل.

مهام رجل الدرك تتلخص فى الأساس بالقيام بنوبات حراسة فى منطقة معينة، وليس مسموحًا له مفارقة مكان حراسته إلا بعد انتهاء فترة خدمته، وذلك على خلاف رجل الشرطة العادي الذي يقوم بأعمال إدارية أو شرطية غير الحراسة من بينها تحرير المحاضر في “النبطشيات” (الورديات) بالأقسام أو القيام بمهام على الأرض من بينها تنفيذ الحملات الشرطية على البؤر الإجرامية المختلفة سواء على تجار الأسلحة أو المخدرات أو غيرهم.

تدخل فوري لمنع الجرائم

تطبيق قرار عودة عسكري الدرك جاء على خلفية ارتفاع معدل الجريمة، وخاصة جرائم العنف والخطف والسرقة بالإكراه والتحرش، وغيرها من الجرائم التى تتطلب تدخلا فوريا لمنع وقوعها أو إلقاء القبض على مرتكبيها فى الحال، كما يرى الأمين محمد مصطفى، عضو ائتلاف أفراد وأمناء الشرطة بأسيوط، مضيفا “بالنسبة لتطبيق هذا الأمر فى أسوان والأقصر، فأعتقد أن الأمر مرتبط بالسياحة، ومنح السائحين شعورا بالأمان، حتى ينقلوا صورة جيدة عن مصر إلى الخارج”.

وقد أوضح اللواء على الدمرداش، مدير أمن القاهرة، طريقة عمل الدرك الجديدة قائلا في تصريحات صحفية في 17 تموز/يوليو قائلا إن العسكري سيعمل فى ثلاث ورديات يتم تغيرها كل 8 ساعات، ويحمل عصا وقيد حديدي. ويتكون الدرك من ثلاثة أفراد بحث ونظام، مسلحين تسليحا شخصيا وبحوزتهم جهاز لاسلكي، ويتم توزيعهم على المناطق السكنية والمنشآت العامة والشرطية، وذلك نقلا عن موقع “مصراوي”.

في العاصمة فقط حتى الآن

لدى الحديث معه، بدا متحمسًا للفكرة، وكأنها هي التى ستعيد الأمن المفقود. جمعة عبدالحفيظ، الذي يعمل أمين شرطة بمديرية أمن أسوان أكد على عدم تطبيق القرار حتى الآن بمحافظة أسوان، وقال: “القرار تم تفعيله فى بعض أحياء القاهرة كالزمالك بدءا من الشهر الماضي، ونحن فى انتظار تطبيقه فى أسوان”.

وأرجع جمعة التباطؤ في تنفيذ القرار في أسوان إلى عدم جهوزية الشرطة بعد قائلا: “قبل تفعيل القرار لابد من توفير الأدوات اللازمة لعسكري الدرك للقيام بواجبه، حتي  يكون مجهزا لأداء مهمته، وأن يتم تسليحه بسلاح حديث، وألا يكون فى خدمات ثابتة وإنما متحركة، وأن يكون هناك اتصال بينه وبين شرطة النجدة والتدخل السريع، لأنه قد يتعرض لمخاطر كبيرة أثناء تأدية عمله من بينها التهجم عليه من قبل اللصوص أو قاطعي الطرق أو المجرمين، ومن ثم يجب أن تراعى وزارة الداخلية كل ماسبق قبل تطبيق القرار”.

لايصلح فى القرى

فكرة عسكري الدرك نشأت إذن بسبب عدم استقرار الأحوال الأمنية في المدن، فهل تصلح أيضا في القرى البعيدة عن المراكز الحضرية كما هو الحال في محافظة أسوان؟

عقيل إسماعيل عقيل، ابن مركز البداري، يرى أن فكرة عسكري الدرك يصعب تطبيقها فى القرى، وقد تواجه مشكلة كبيرة، خاصة فى ظل انتشار الخصومات الثأرية، إذ قد يكون العسكري المكلف بحراسة مكان معين داخل نطاق العائلة التي تربطه بها وعائلته خصومة ثأرية، ومن ثم يكون هدفا سهلاً للأخد بالثأر، كما أن السلاح الموجود مع الأهالي بالقرى أحدث بكثير من تسليح عسكري الدرك.

ويقول عقيل “نحن بحاجة إلى منظومة تعتمد على عمل كمائن ثابتة ومتحركة على الطرق، ومداهمة البؤر الإجرامية، والقبض على الخارجين عن القانون، وتفعيل لجان الصلح فى القرى لإنهاء الخصومات الثأرية بين العائلات، ومن ثم جمع السلاح الذي بين أيديهم”.

أما الحاج عبدالعال علي عبدالعال، ابن مركز أبوتيج، فيعود بالزمن إلى الوراء متذكرًا مهمة خفير الدرك فى السابق قائلا: “كان هناك خفير يحرس الوحدة المحلية والمنشآت الحكومية بقريتنا “الزرابي”، وكان ذلك يحد من معدل الجريمة التى كانت أشهرها سرقة المواشي والزروع حينذاك، ولكن الوضع اختلف الآن، حيث انتشر السلاح فى يد المواطنين، وبالتالى هذا يشكل عبء على مهمة هذا الشخص، وسيكون هناك صعوبة فى تطبيق هذا القرار”.

ويتابع “لكننا لا نغفل أن وجود عسكري الدرك سيحد من وقوع الجريمة، ويمنح المواطنين إحساس بالأمان، وخلق نوع من اللحُمة بين المواطنين وأفراد الأمن من جديد، ولكن يجب أن يتم اختيار عناصر منتقاة للقيام بهذه المهمة حتي لا تفشل التجربة فى بدايتها”.

أداة قمع جديدة؟

ورغم اتفاق الكثيرين على الحاجة إلى تكثيف جهود الشرطة من أجل استعادة الأمن، إلا أن قرار إعادة العمل بالنظام الدركي يلقى بعض الانتقادات. إذ تبدى د. إيمان عباس، أستاذ علم اجتماع بجامعة أسيوط، تخوفها من عودة عسكري الدرك، باعتباره قد يكون أداة قمع جديدة في يد وزارة الداخلية.

وتؤكد عباس على اشتراطات يجب توافرها فى هذا الشخص من بينها أن يكون إنسان “عاقل وواعٍ، وحسن السيرة والسمعة، حتي لا يحدث نوع من إهدار قيمة القانون مرة أخرى، لأنه بعد ثورة 25 يناير حدث تغير ملحوظ فى الشخصية المصرية أهمها المواجهة، والجرأة، واختفاء ثقافة الخوف التى عانى منها المصريون طوال عقود كثيرة”.

وتضيف عباس قائلة: “اللجان الشعبية بعد 25 يناير كانت تحرس المنازل والبيوت، ولم يكن يحدث أي نوع من السرقات أوالبلطجة، وبالتالى هذا سيسهل مهمة عسكري الدرك، ولكن يجب إظهار حسن نيته للمواطنين، وأن يعاملهم “كبني آدمين”، ومن ثم سيتم فتح قنوات اتصال وتعاون فيما بين المواطنين والشرطة، لإعادة الأمن والاستقرار مرة أخرى إلى الشارع المصري”.

إعادة هيكلة الداخلية أولا

بينما يذهب ممدوح مكرم، أمين عام حركة الديمقراطية الشعبية المصرية بأسيوط، بعيدا عن فكرة  تطبيق نظام عسكري الدرك إلى المشكلة المتعلقة بالبنية الأمنية فى الجهاز الشرطي التى لازالت تعمل بشكل تقليدي، فضلا عن الفساد المستشرى داخلها، مشيرا إلى أن تحقيق الأمن مرهون بتحقيق الحد الأدنى من العدالة، “وهو مالم يتحقق حتى هذه اللحظة”.

ويقول: “نحن لا نعول كثيرا على إعادة عسكري الدرك ما دامت الأوضاع كما هي  بل تزداد سوءا، و لم نعرف قديما أو نسمع أن الدرك نجح فى حفظ الأمن، وبالمناسبة فى تراثنا الشعبي المصري، الدرك سيئوا السمعة لأنهم كانوا أداة قمع وقهر للفقراء”.

ويختم مكرم حديثه بالتأكيد أن “المشكلة كما قلنا تكمن فى هيكلة الداخلية، وتطبيق العدالة الناجزة، والقانون على الجميع، وتصفية كل البؤر الإجرامية: إرهابا كانت أو تهريبا أو عصابات حتى لو تم إعدامها فى الميادين العامة”. وقبل تحقيق ذلك، لن يكون بمقدور الدركي لوحده إعادة الأمن المفقود، يؤكد مكرم.