كيف يمكن أن يستمر سوق سلعة معينة في الانتعاش في ظل إنخفاض المبيعات بنسبة ما بين 50% إلى 70% عن النسبة المسجلة قبل ستة أشهر؟ يمكن القول أن هذا السؤال يواجه العاملين في سوف الكومبيوتر والمحمول في مصر منذ قرار تحرير سعر العملة – المعروف إعلاميا بتعويم الجنيه- بالتأكيد أختلفت قدرة المشترين فاتجهوا لماركات أقل جودة، وانتشرت الهواتف الصينية في الأسواق، وزادت معدلات بيع أجهزة الكمبيوتر المستعملة على حساب الجديدة،، ومن ناحية أخرى لم يستطيع الكثيرين الصمود فأغلقت بعض الشركات أبوابها، وغيّرت أنشطتها.

تراجع المبيعات

صلاح حجازي، شاب ثلاثيني، أسس شركته في تجارة الكمبيوتر عام 2004، وتعد من أقدم الشركات بمدينة أسيوط في هذا المجال، ويقول إن قرار تعويم الجنيه رفع أسعار أجهزة الكمبيوتر بنسبة 150% تقريبًا، وقلت الأرباح بنسبة 50%، نظرا لضعف المبيعات التي تراجعت بنحو 75% بعد 6 شهور من التعويم، حيث وصل سعر جهاز الكومبيوتر المحمول “اللاب توب” المتوسط الامكانيات إلي 6000 جنيه تقريبا في الوقت الذي كان سعره لا يتجاوز 2500 جنيه، فنحن هنا نتحدث عن معدل زيادة غير طبيعي، والمواطنون بدأوا يفكرون فعليا في بدائل لأجهزة الكمبيوتر واللاب توب الجديدة، إما بشراء أجهزة مستعملة، أو هواتف محمولة وأجهزة لوحية “تاب” لتأدية أغراضهم.

لم يكن حال باقي الشركات أفضل حالا من شركة حجازي للكمبيوتر، فقد حققت شركة أخرى خسائر بمقدار 15% عن السنة الماضية، نظرًا لارتباطها بتعاقدات حكومية بقيمة 250 ألف جنيه، فبعد أن جرى التعويم، ارتفعت الأسعار للضعف، واضطرت الشركة الوفاء بالتزاماتها للحفاظ على سمعتها، وفقا لعبدالناصر محمود، مسؤول المبيعات بالشركة، الذي قال بدلا من تحقيق أرباح بنحو 10%، خسرنا الربح، مضافا إليه 15% من رأس المال، بسبب ارتفاع سعر الدولار، ومن الصعب أن يعوض أي تاجر خسارته خلال الشهور المقبلة، في ظل انخفاض المبيعات بنسبة تصل إلي 50%، وزيادة أسعار الأجهزة.

أجهزة مستعملة

توقع صلاح حجازي أن يكون الوضع أسوء في القادم بسبب عدم تحسن الجنيه في مقابل الدولار، مشيرا إلي أن سوق الكمبيوتر أصبح يعتمد على الأجهزة المستعملة أكثر من الجديدة، وهذه ظاهرة ارتبطت بضعف الدخول، ولجأ المواطنون لشراء المستعمل، بما يتناسب مع حالاتهم المادية.

وهذا ما أكده عمرو حميدة، رئيس شعبة الحاسبات والمعلومات بالغرفة التجارية بأسيوط، الذي أوضح أن القوة الشرائية لشركات الكمبيوتر انحدرت بنسبة 90% تقريبا، وهناك شركات ومحال صغيرة أغلقت، وأخرى غيرت نشاطها إلي ملابس ومواد غذائية، أما الهواتف المحمولة، فالقوة الشرائية لها انخفضت بمقدار 50%، والناس بدأوا يتجهون إلي شراء الأجهزة المستعملة أو ذات المواصفات الأقل والأرخص، والإقبال زاد عليها بنسبة 60 إلى 70% تقريبا.

يشار إلى أن عدد مشتركي التليفون المحمول بمصر وصل إلى 95.45 مليون مشترك بنهاية النصف الأول لعام 2016، مقارنة بـ 96.03 مليون مشترك خلال نفس الفترة من العام الماضي، وذلك وفقا لأحدث إحصائية صادرة عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

تغيير النشاط

“الناس أصبحت تهرب من العمل في مجال التكنولوجيا”.. بهذه الكلمات عاد صلاح حجازي ليشرح أوضاع العاملين بتجارة الكمبيوتر، وقال وصلنا إلي مرحلة أننا نموت فعليا، فشركات الكمبيوتر في أسيوط منذ 3 سنوات كانت 140 شركة تقريبا، ولكن تقلص هذا الرقم الآن إلي أقل من 40 شركة، حتى وصل الأمر إلى أن هناك شركات كبيرة ومشهورة صفت بضاعتها، وأفكر جديا في الإغلاق، في ظل ضعف المبيعات، وزيادة المصروفات والالتزامات، وبدأت فعليا في العمل بالتسويق العقاري، لتعويض جزء من خسائري في تجارة الأجهزة الإلكترونية.

يبدو أن حجازي لم يكن وحده الذي يفكر في ترك تجارة الكمبيوتر، وإنما امتد الأمر إلى عدد غير قليل من أصحاب شركات الكمبيوتر والمحمول، وبرر رئيس شعبة الحاسبات والمعلومات بالغرفة التجارية بأسيوط عمرو حميدة، ذلك بقوله إن التجار بدأوا يخسرون من رأس المال، ويقومون بحرق الأسعار والبيع بخسارة، بسبب شدة المنافسة، لأجل تصريف بضاعتهم، وإدخال أموال لخزينتهم، تفي بالتزاماتهم.

أما محمد المهدي، الرئيس الشرفي لنقابة الاتصالات، فأشار إلى أن هناك 20% من العاملين بتجارة الهواتف المحمولة، لديهم مشاكل، ومهددين بتصفية نشاطهم، نظرا للركود الذي أصاب السوق بنسبة 70% تقريبا، وجعل بعضهم غير قادر على الوفاء بالتزاماته، وتدخلت النقابة وأقرضت نحو 30 من أعضائها قروضا حسنة، لتسديد ديونهم، بسبب الظروف المادية الصعبة التي يمرون بها.

انتشار الصيني

بطبيعة الحال لم يسلم المحمول أيضا من آثار التعويم التي لحقت بالجنيه المصري، ويصف أسامة زكريا، بائع بمحل هواتف محمولة، الأمر بقوله: “الحال واقف من ساعة تعويم الجنيه والناس بدأت تتجه للهواتف الرخيصة، وزاد الطلب على الأجهزة الصينية لأن سعرها في متناول اليد”.

وقد حدث ركود في المبيعات بنسبة لا تقل عن 50% بالنسبة للأجهزة الجديدة، الأمر الذي اضطرنا للعمل في بيع “اكسسوارات” المحمول، وترك سوق الأجهزة، علما بأنها زادت أيضا بنسبة 40% تقريبا، حيث ارتفع سعر الشاحن إلي 35 جنيها بزيادة 10 جنيهات عن السابق، والسماعة إلى 30 جنيها بزيادة 5 جنيهات.

يبدو أن الأمر لم يقتصر فقط على أسعار الأجهزة والاكسسوارات المرتبطة بها، وإنما أصابت حُمى التعويم أيضا أسعار برامج “السوفت وير” بنسبة لا تقل عن 150% تقريبا، وفقا لإبراهيم سعيد، فني “سوفت وير” بأحد محال المحمول، والذي أكد أن ارتفاع الدولار أثر بشكل كبير على رسوم الاشتراك التي يدفعها قيمة للبرامج التي يستخدمها في عمله، ليس هذا فحسب بل تعدى الأمر إلى صيانة المحمول، وأفاد محمود الشاذلي، فني صيانة “هارد وير” قائلا إن “شاشة الموبايل العادي كنا بنركبها بـ250 جنيه، لكن دلوقتي بنركبها بـ450 جنيه، يعني هناك زيادة 90% تقريبا في سعرها، وقس على هذا الأمر جميع السلع المستوردة المرتبطة بالدولار”.

ويضيف: أوقفت صيانة الـ”آي سي” بشكل عام، بسبب ارتفاع سعره إلى 350 جنيها، وبالتالي بدأ الناس يبحثون عن الأجهزة القديمة في منازلهم، ويقومون بتصليحها، أو يقتنون هواتف رخيصة الثمن، بسبب جحيم الأسعار.

ضعف الاقتصاد

قرر البنك المركزي المصري، في الثالث من نوفمبر الماضي، تحرير سعر صرف الدولار، ليصل في البنوك إلى 13 جنيها كسعر استرشادي، مقابل 8.88 جنيه، بنسبة انخفاض تعادل نحو 46% من قيمته، مع إطلاق الحرية للبنوك العاملة في مصر في تسعير النقد الأجنبي من خلال آلية سوق ما بين البنوك “الإنتربنك”، بالإضافة إلى إلغاء القيود على إيداع وسحب العملات الأجنبية للأفراد والشركات، مع الإبقاء على حدود السحب والإيداع السابقة للشركات العاملة في استيراد السلع والمنتجات غير الأساسية، الأمر الذي أدى إلى اقتراب الدولار من حاجز الـ18 جنيه تقريبا.

وفي هذا الإطار يقول وليد رمضان، نائب رئيس شعبة مستوردي المحمول والأقمار الصناعية، كان يجب أن تخطر الحكومة المتعاملين بالدولار قبل إقرار التعويم بمهلة كافية، لتوفيق أوضاعهم، خاصة وأنها لا توفر العملة الصعبة لتجارة الأجهزة الإلكترونية، علما بأنني ضد قرار التعويم، وكان من الأولى توفير الدولار بسعر مناسب لاستيراد السلع الاستيراتيجية والضرورية، كالمواد الغذائية والدواء، ورفع سعره بمقدار أكبر للسلع المستوردة الأخرى.

في حين يشرح عمرو حميدة، رئيس شعبة الحاسبات والمعلومات بالغرفة التجارية بأسيوط، أسباب الأزمة بقوله إن ضعف الاقتصاد المصري، وعدم وجود صناعة قوية، وتصدير، وتراجع معدلات السياحة، أدى إلي عدم توافر العملة الصعبة، الأمر الذي أدى في النهاية بالحكومة إلي قرار تعويم الجنيه المصري، وما ترتب عليه من آثار سلبية على هذه التجارة التي تفتح بيوت آلاف المواطنين، وما زاد الأمر صعوبة هو تحميل العاملين في هذه التجارة أعباء ضريبية كبيرة، من بينها زيادة الرسوم الجمركية، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13%، ولحل هذه المعضلة يجب أن تقلل الدولة الجمارك على هذه التجارة، وكذلك الاتفاق مع الوكلاء أو المنتجين بضرورة تقليل هامش الربح -كما يحدث في بعض الدول- للحفاظ على اقتصادها وعدم انهيار هذه التجارة، لأن الأوضاع لو استمرت على هذه الحالة فالخسائر قادمة.

بينما يرى صلاح حجازي أن الجمارك ليست هي السبب الرئيسي في ارتفاع الأسعار بهذا الشكل، وإنما ضعف الاقتصاد المصري، الذي جعلنا نستورد معظم سلعاتنا، نظرا لعدم وجود صناعات قوية لدينا.

 

تصوير: إسلام رضوان