كانت أنامله المراهقة، تعبث دائمًا فى أوراقه المبعثرة على منضدته لتنثر عليها بعضا من أبيات الشعر، فى الغالب كانت تصف مواقف من حياته خلال دراسته الثانوية، ولكنها من دون شك كانت تفتقر إلى الجودة والصنعة.. كتابة الشعر بالطبع كان يتطلب قراءات شعرية عديدة، عمد إليها فيما بعد، حتى تكّون لديه معجم لغوي لا بأس به.

كانت أنامله المراهقة، تعبث دائمًا فى أوراقه المبعثرة على منضدته لتنثر عليها بعضا من أبيات الشعر، فى الغالب كانت تصف مواقف من حياته خلال دراسته الثانوية، ولكنها من دون شك كانت تفتقر إلى الجودة والصنعة.. كتابة الشعر بالطبع كان يتطلب قراءات شعرية عديدة، عمد إليها فيما بعد، حتى تكّون لديه معجم لغوي لا بأس به.

فى عامه الأول بكلية الحقوق (2002) استثمر (إ.ر) ما اكتسبه من قراءته للأدب والشعر، والتحق بالنشاط الثقافي بالكلية – التي دخلها إذعانًا لرغبة الأهل – حيث كان يود الالتحاق بكلية الآداب قسم صحافة، لأنه يحب صاحبة الجلالة، التي يعمل بها عمه مراسلا لإحدى الصحف القومية.

سنة أولى صحافة

بدايته مع الصحافة كانت فى السنة الثالثة من الكلية حينما قرر الالتحاق بإحدى الصحف المحلية “شباب الصعيد”، أي منذ 12 عامًا تقريبًا، حيث تتلمذ على يد أستاذ بكلية الآداب – قسم إعلام، يدين له بالعرفان حتى الآن.

وفى عام 2006 ومع دخوله السنة النهاية بالكلية أصبح مراسلا لصحيفة روزاليوسف القومية، ولكن عمله بها لم يستمر أكثر من شهر، ورحل إلى صحيفة المسائية – أصبحت الأخبار المسائي حاليا – التي عمل بها لمدة عام، وكان وقتها أصغر مراسلاً صحفيًا لصحيفة يومية فى الصعيد.

نظام مبارك

عمل (إ.ر) فى أكثر من 15 صحيفة من بينها صحيفة البديل، التي أغلقت بسبب ضغوط نظام مبارك على ملاكها فى عام 2009، وتبدد حلمه فى الالتحاق بنقابة الصحفيين، حتى استقر به الحال فى 2010 فى أعرق مؤسسة صحفية مملوكة للدولة، وبرغم أنه التحق بها منذ 6 أعوام تقريبًا، إلا أنه لم يحظ بقرار تعيينه وزملائه فى الأقاليم حتى الآن، علمًا بأنه تم تعيين عشرات بالمؤسسة ممن هم أحدث منهم التحاقا بالعمل، وأقل منهم إنتاجًا، فقط لأنهم موجودون بالعاصمة.

الصحافة المحلية

فى خضم كل هذا لم يتخل هذا الصحفي عن عمله فى الصحافة المحلية، حيث لم يترك مكانه فى جريدة “شباب الصعيد” التي كانت لها الفضل فى تعليمه أصول مهنة الصحافة، حتى أصبح مدير تحريرًا لها فى 2008، ولكن كما تنتهي كل الأشياء الجميلة فى حياة الإنسان، بسبب قلة المال، تعثرت الجريدة فى الصدور، وحاول وفريق العمل بها، أن يجدوا تمويلا لها، ولكن محاولتهم باءت بالفشل، ولكنه أبى أن يتخلى عن حلمه فى تأسيس صحيفة محلية مهنية، بعيدًا عما تفعله الصحف العائلية أو التي تقوم لأجل جلب الإعلانات.. كان يريدها صحافة حقيقة، لتكن صوتا للبسطاء.

فى نفس عام 2010 الذي التحق فيه بالمؤسسة العريقة، بدأ تأسيس جريدة محلية شهرية تحمل اسم “أخبار طما” مع عمه وصديق لعمه يعمل بإحدى الصحف القومية فى شهر نوفمبر تحديدًا، وضع كل طاقته فى هذه الجريدة، حتى استطاع أن يكون فريق عمل انتشر فى جميع أنحاء المركز، وأخذ اسم الجريدة يتردد على لسان العامة، بفضل صحافة محلية نقلت ورصدت ودققت الخبر وتابعته من مصادره، وصنعت تقارير وتحقيقات وحوارات محلية، غابت عن صحافتنا التي تصدر من العاصمة، ولكن دوام الحال من المحال، وبسبب ما تعانيه الصحافة المحلية من غياب للإدارة والتخطيط وضعف الموارد المادية، انتهت التجربة، التي كانت معتمدة بشكل أساسي على الإعلانات المحلية عند العدد 15 فى أواخر عام 2011، رغم أنها كانت توزع أكثر من 80% من الأعداد (طباعة 2000 عدد)، ولم يتبق منها سوى أرشيف صحفي يعبث فيه بين الحين والآخر متذكرًا تجربته التي لم يكتب لها الاستمرار.

الوساطة والمحسوبية

بالعودة إلى وضعه كمراسل لأحد إصدارات المؤسسة القومية، لم يجد (إ.ر) مبررًا لعدم تعيينه فى مؤسسته، إلا بقوله: “البعيد عن العين بعيد عن القلب”، علمًا بأنه وزملائه من المؤسسين للمكان الذي يعملون فيه، إلا أن المجاملة والمحسوبية لعبت دورها فى التعيينات، سواء من قبل رؤساء تحرير الإصدار السابقين أو رؤساء مجالس الإدارة، الذين تولوا زمام الأمور بالمؤسسة.

بعد إلحاحه وزملائه طلبًا للتعيين قام ثلاث رؤساء تحرير برفع مذكرات لتعيينهم، إلا أن رؤساء مجالس الإدارة، لم يبتوا فى الأمر، وتجاهلوه تمامًا، فى الوقت الذي تم فيه تعيين أقارب لهم، وزملاء آخرين فى إصدارات المؤسسة.

ثورة يناير

مع قيام ثورة يناير 2011 سادت الصحافة المحلية حالة من الركود، والضعف المادي، بسبب اختفاء أباطرة الإعلانات، الذين كانوا يمجدون قيادات الحزب الوطني والنظام عبرها، خوفا من التنكيل بهم على يد أنصار الثورة، وتواروا عن الأنظار، وتخلوا عن دعمهم الإعلاني للصحف المحلية، حتى لاحت فى الأفق مؤسسة “ولاد البلد” مع بداية عام 2012، التي أخذت على عاتقها إصدار صحف محلية فى الأقاليم، انتهز الفرصة لتحقيق حلمه فى صناعة صحافة محلية هدفها أن تكون صوت البسطاء، تأخر حلمه حتى قيام ثورة 30 يونيو، لأن المؤسسة فى بدايتها أصدرت 4 صحف فى المنصورة ودشنا ونجع حمادي بقنا والإسكندرية فقط، ولكنه أصر أن يكون أحد أعضاء فريق العمل بالمؤسسة، وفى عام 2013 قدم مشروعًا للمؤسسة لتأسيس صحيفة محلية بمحافظة أسيوط، التي اختلفت تجربتها عن التجارب السابقة فى أنها تنتمي لمؤسسة قادرة على الإدارة والتخطيط بشكل كان يفتقده فى التجارب السابقة.

تمييز غير مبرر

وسط كل هذا لم يكل (إ.ر) أو يمل من المطالبة بحقه المهدر منذ 2012 فى تعيينه بمؤسسته العريقة، راجيًا الاستقرار الوظيفي، فبرغم أنه كان أكثر أبناء الإصدار ضخًا للموضوعات، إلا أن شعوره بعدم العدالة، جعله يفقد حماسته للعمل، خاصة فى ظل تمتع زملائه الذين هم أحدث منه فى العمل، بميزات كان يرى أنه أجدر بالحصول عليها فى حالة تطبيق العدالة الاجتماعية ومعايير العدل والمساواة على الجميع فى التعيين بالمؤسسة، وبدأ يشعر بالضيق الشديد، واصفا ما يحدث معه وزملائه بأنه تمييزًا غير مبرر يشبه العنصرية، لأنه لا يرى أن هناك ذنبًا قد اقترفه فى بلاط صاحبة الجلالة، يحرمه من حقوقه، سوى أنه ولد وترعرع فى إحدى محافظات مصر بعيدًا عن العاصمة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا.. هل يأتي اليوم الذي يحصل فيه أبناء الأقاليم على حقوقهم مقارنة بأبناء العاصمة؟