يحدثني صديق فلسطيني عن موقف مصر ويصفه بالمخجل، لكنه سرعان ما يقول إنه موقف السلطة، وأن هناك بالتأكيد فرق بين الموقفين الرسمي والشعبي.

لكن بعد مشاهدته لبعض مقاطع الفيديو الخاصة بالتعليقات المصرية حول الحرب، يغيّر كلامه  تماما، حيث كانت هناك آراء مؤيدة للحرب على غزة، وترى أنها أمر جيد وفرصة للخلاص من وجع الدماغ الذي تسببه حماس، بل تطوّع البعض بالقول إن الجيش المصري عليه أن يشارك للقضاء على الإسلاميين في غزة من أجل حماية حدودنا الشرقية.

كيف حدث هذا، وما الذي تغير؟ ومتى أصبح المواطن المصري معزولا وغارقا في عالمه الضيق، وتفاصيل أحداثه الصغيرة؟

يحدثني صديق فلسطيني عن موقف مصر ويصفه بالمخجل، لكنه سرعان ما يقول إنه موقف السلطة، وأن هناك بالتأكيد فرق بين الموقفين الرسمي والشعبي.

لكن بعد مشاهدته لبعض مقاطع الفيديو الخاصة بالتعليقات المصرية حول الحرب، يغيّر كلامه  تماما، حيث كانت هناك آراء مؤيدة للحرب على غزة، وترى أنها أمر جيد وفرصة للخلاص من وجع الدماغ الذي تسببه حماس، بل تطوّع البعض بالقول إن الجيش المصري عليه أن يشارك للقضاء على الإسلاميين في غزة من أجل حماية حدودنا الشرقية.

كيف حدث هذا، وما الذي تغير؟ ومتى أصبح المواطن المصري معزولا وغارقا في عالمه الضيق، وتفاصيل أحداثه الصغيرة؟

حكاية السيارة داخل النفق

منذ فترة ليست بالقصيرة يسمع المواطن المصري كلاما عن الأنفاق كمنفذ لجميع الشرور التي تعيث فسادا في مصر، ومعبر رفح، وحماس كشيطان، وإن كان هذا الكلام قد تزايد خلال عام مرسي، وتمّ التوسع في خلق الأسطورة ليصبح القطاع الفلسطيني المحاصر منذ 2007 هو سبب كل المشاكل من يونيو/حزيران  2012 حتى الآن.

مشاكل تبدأ من أزمة قلة الوقود، لأن ما كان يقال لتفسير هذه الأزمة أن الوقود يتمّ  تهريبه إلى غزة، أو حينما تتعرض سيارة للسرقة سيخبرْ بأن أحدهم يقودها الآن بطرق القطاع المرصوفة بالبلاط. كذلك عند حدوث انقطاع التيار الكهربائي، الذي صار فعلا يومياً، سيعلق المواطن أن هناك كهرباء في غزة، وربما يكون سبب فشل إدارة مرسي أنها كانت مشغولة بغزة أكثر من مصر.

هكذا صاغ الإعلام المصري هذا السيناريو الشيطاني، كما تم دمغ القطاع ليكون مجرد مكان لتواجد حركة حماس فقط، والأخيرة تمّ اتهامها بإقتحام السجون خلال فترة الثورة، وبعد ذلك كانت مهمتها الدفاع عن مرسي وحكمه.

منذ فترة بثّت شبكة “أون تي في” فيديو لا تتجاوز مدته الثلاث دقائق، يعرض لقطات لجرافة تسير وسط رمال داخل سرداب واسع، وتسحب هذه الجرافة خلفها سيارة. علقت المذيعة بلهجة واثقة بأن هذه عملية تهريب متكاملة  وتمثل خطورة على الأمن القومي، لكنها لم تنتبه أن هذه هي الوسيلة الوحيدة الممكنة للحصول على سيارات داخل القطاع المحاصر، وأن هناك احتياج حقيقي لكافة البضائع في الناحية الأخرى من هذه الأنفاق، وكذلك أن التهريب لا يحدث من طرف واحد، وبالتأكيد أن هناك مصريون يشاركون فيه، لكن الرغبة في شيطنة الآخر على الناحية الأخرى من الأنفاق كانت قوية!

الإعلام لا يزال داخل النفق

عندما بدأت الحرب لم يتغير النهج، فقد كان التعامل قاصرا، لم يكن هناك اهتمام بذكر أسباب حرب غزة/إسرائيل، أو نقد وتحليل للحكاية الغامضة للثلاث شبان الإسرائيليين، الذين تمّ العثور على جثثهم جنوب الخليل في الضفة الغربية، وكذلك عملية حرق المقدسي القاصر محمد أبو خضير كخطوة للرد عليها، وتحميل إسرائيل المسؤولية لحماس وإعادة أسرها للفلسطينين المفرج عنهم في صفقة الإفراج عن جلعاد شاليط. هكذا لم يكن هناك اهتمام بالأسباب وتعقيدات الموقف، وتأثيره على حكومة المصالحة الفلسطينية، التي تمّ الإعلان عنها في يونيو/حزيران، وأثر ذلك على خيار الدولتين كحل للصراع الأقدم في الشرق الأوسط.

كما تصاعد الهجوم بعد رفض مبادرة مصر لوقف إطلاق النار، من جانب الفصائل الفلسطينية وتحديدا الجهاد وحماس حيث تصدرت العمومية المشهد، مرة أخرى، فكانت التعليقات الإعلامية متاهفتة، لم تزد عن كونها إشارة لقبول الجانب الفلطسيني في غزة بالتهدئة حينما طلبها محمد مرسي، 2012، ورفض وقف إطلاق النار حينما دعا له عبد الفتاح السيسي، 2014، دون بحث تغيرات عديدة بين الموقفين، مثل استحداث مطالب كوقف الحصار المفروض على القطاع، أو توجه جميع الفصائل بما فيها فتح لملاحقة جرائم الحرب الإسرائيلية في تغير جديد على مسار تطور القضية الفلسطينية. 

استشراق مصري!

عادة ما ينتقد أهل الشرق الاستشراق لأسباب عديدة أبرزها أن التعامل مع جماعة بشرية كما لو أنها تسكن متحفاً ليس أمرا مستحبا، وأن الرؤية الاستشراقية عادة ما تتجاهل كافة الأبعاد التاريخية والحياتية، ليكون وجود أهل الشرق في الشرق سببا كافيا لتفسير كل ما يتعلق بهم. والموقف المصري الحالي كان أقرب لهذا حيث تم توظيف وجود غزة على حدودنا الشرقية وحكايات الأنفاق والعمليات الإرهابية في سيناء كمبررات للموقف الرسمي والشعبي كذلك. ولولا وصول قافلة شعبية للإغاثة إلى غزة والسماح بعلاج بعض المصابين لقلنا إن مصر كانت أسيرة لخرافات برعت في ترويجها لنفسها. هكذا وجدت نسبة ليست بالقليلة من الإعلاميين المصريين أن الحرب يمكن تبسيطها، لتكون مجرد حرب تخوضها إسرائيل للقضاء على حماس. كأنها حملة أمنية للهجوم على بيت تاجر مخدرات.

التبسيط تجاهل أن هناك فصائل أخرى غير حماس تحارب، وأن عملية “الجرف الصامد” ككل لا علاقة لها بخلاف الإدارة المصرية مع حماس وعلاقة الأخيرة بالإخوان، وأن الحصار المستمر للقطاع ليس وضعاً مقبولا، وهو كذلك ليس وضعا طبيعيا، وأن غلق المعابر سواء الإسرائيلية أو المعبر الوحيد المصري أمر يجب إعادة النظر فيه، وأن الضحايا لا يمكن اعتبارهم “خسائر مقبولة” لخرافات يتمّ الترويح لها في مصر منذ 2011 حول أفعال حماس.

لكن مع الأسف وجد هؤلاء أن التسبيط ليس مخلا، أن التبسيط أمر عادي، وأن حكايتنا مع الإخوان تصلح لأن تكون مؤشرا لفهم العالم وتحديد المواقف في أي صراع ممكن..وهذا غير صحيح.