“قد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة..نصرف إلى نفسه أكثر مما ينصرف إلى أمته، ويلهو ويعبث وهو هادئ النفس مرتاح الضمير. وقد ينشأ في أمة جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرها، واستبد بشؤونها خصمها فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب، والتراث المغصوب ، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، والمثل العالية.

“قد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة..نصرف إلى نفسه أكثر مما ينصرف إلى أمته، ويلهو ويعبث وهو هادئ النفس مرتاح الضمير. وقد ينشأ في أمة جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرها، واستبد بشؤونها خصمها فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب، والتراث المغصوب ، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، والمثل العالية. وحينئذ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب أن ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه…ولعل من حسن حظنا أن كنت من الفريق الثاني..استعدوا يا رجال فما أقرب النصر للمؤمنين وما أعظم النجاح للعاملين الدائبين.” هكذا كتب حسن البنا في “رسالة إلى الشباب”، كاشفا عن مفهوم جماعة الإخوان المسلمين لموقع الفرد داخل الجماعة. فعلى عاتق الأول تقع مسؤولية الأخيرة، وواجبه أن يحمل هذه المسؤولية لا أن ينصرف إلى حياته الشخصية. غير أن شباب الجماعة باتوا يصطدمون بهذا المفهوم منذ انطلاق الثورة، وأدى ذلك إلى قرار بعضهم ترك الجماعة.   

حذيفة..بين رومانسية الدين وبراجماتية الجماعة

في الطريق إلى بيت “حذيفة” بحي مصر الجديدة، بدت الشوارع محتقنة ضد الإخوان، اللافتات التي تجرّم المرشد وجماعته تتجاور ولافتات المحلات، الغضب ثقيل في الهواء رغم الأجواء الكرنفالية بعد شهور من عزل مرسي. بالقرب من ميدان روكسي توقفنا، البيت الكلاسيكي يشي بعائلة تنتمي لبقايا برجوازية تنقرض. يطلّ حذيفة بلحيته المهذبة ووجهه المبتسم. المهندس الشاب عمره 30 سنة منهم 11 سنة منضم إلى جماعة الإخوان، ويبادر بالمزاح “ربنا موجود في كل مكان مش في التنظيم بس”.

دخل حذيفة كلية الهندسة عام 2000 وكان عمره في التنظيم عامين، أبوه يعمل بالسعودية منذ نهاية السبعينات وأمه أستاذة جامعية بجامعة عين شمس ولا ينتميان للإخوان المسلمين، لذلك يقول “الميزة اللي عندي إني مش جاي من بيت إخواني أو حتى إسلامي، اسمي اللي “عامل لي شبهة” من وأنا صغير فبابا سماني على اسم واحد عراقي اتعرف عليه لما كان طالب وعجبه الاسم!” لاحقه سؤال إسلاميته منذ أيامه الأولى بالمدرسة “أنا فاكر أول يوم في أولى إعدادي  مستر العربي بيسألني انت ساكن فين؟ قلت له مصر الجديدة قالي انت ليك حد من جماعتك إرهابي؟ الفصل ضحك وأنا قلت له لا والله يامستر حسب ماأعرف، لكن رجعت البيت يومها وبدأت أفكر في موضوع إرهابي ده، في نفس الوقت بدأت شرايط عمر عبد الكافي ووجدي غنيم تدخل أوضتي، اشتريت الشرايط من على الأرض من بياع ملتحي، بدأت أصلي بانتظام في الجامع اللي جنب البيت من أولى إعدادي لحد تانية ثانوي لما جالي شاب لطيف وقالي أنا معجم بهمتك في الصلاة بس انت بتفوتك صلاة الفجر كتير، بس وبقيت عضو في جماعة الإخوان”.

تحفّظ حذيفة في أن يذكر تفاصيل أخرى في مسألة انضمامه للجماعة، وبادر بالقول “حصلت لي مشاكل كتير في البيت وبره البيت بسبب انضمامي للجماعة، يلا الحمد لله”. انتقل حذيفة –كأنه يرفض البوح- إلى الحديث عن تركه للجماعة وقد تم بعد الثورة “أنا سبت الجماعة لأنها أمرتني بالتصويت لمرسي، أنا طول الوقت شايف خطايا –مش مجرد أخطاء- وعندي أمل في التصحيح أنا ومجموعة من الشباب عندهم وع يحقيقي بمشكلة الجماعة ومؤمنين إن المشروع الإسلامي مش هيتم إلا عن طريقها، لكن مرسي ازاي؟ احنا كنا بنتريق عليه! ده تافه! طوال سنة وأنا بتنازعني رغبتين بين ترك الجماعة والاستمرار للإصلاح، لكن بدا لي وقتها إنه مفيش فايدة”.

حذيفة مازال مؤمنا بالمشورع الإسلامي لكنه غير مقتنع بأي من الأحزاب والكيانات الإسلامية الموجودة الآن “كلهم عاوزين مكاسب وماحدش بيبتغي وجه الله”

محمد..المشاغب لا يستوعبه تنظيم

الدهشة من انضمامه للجماعة كانت أكبر من خروجه منها! محمد المصور الفوتوغرافي المشاغب، هاوي التغطيات الصحفية الخطيرة كان انضمامه للجماعة مثار دهشة للجميع، رغم انتمائه لبيت إخواني إلا أن تركيبته النفسية أبعد ما تكون عن ميكانيزمات الجماعة في ترويض الشباب حسب وصايا حسن البنا، يبرر محمد انضمامه بقوله “طبيعي إن وجودي في بيت إخواني أثر على قراري، لكن طموحي في كيان سياسي قوي كانت الجماعة هي المعبر الوحيد عنه، أو كنت فاهم كده!”

محمد ترك الجماعة عمليت منذ 2007 لكنه تركها “رسميا” منذ 2011، “كان لازم أسيبهم رسميا علشان أحسم المسألة في البيت وبشكل معلن، علشان مايدعوش إني لسه منتمي ليهم، مع إني من 2007 وأنا مابحضرش أي اجتماعات إلا في حدود تغطيتها بالصورة بس” وعن أسباب تركه للجماعة يضحك ويقول “الجماعة بتمارس نوع من الوصاية على تفاصيل البني آدم أكتر من قدرتي على الاحتمال ده غير انحطاطهم السياسي”.

أسامة درة..القنبلة!

في 18/3/2011 أي بعد شهر من تنحي مبارك كتب أسامة درة القيادي الإخواني الشاب استقالته على حسابه الخاص على الفيسبوك :”هذا قرارٌ صعب، أن أقطع علاقتي بتنظيم الإخوان الآن .. أنا ابن التيار الإسلامي..لكني اتساقاً مع مبادئي و احتراماً لنفسي و لقارئي أعتزل هذا الكيان إدارتَه و قراراتِه و توجهَه”. زلزلت استقالته واستقالات ثمانية آلاف شاب الجماعة رغم اغترارها بالسلطة، لكن القنبلة المدوية التي ألقاها أسامة بشجاعة ما كتبه بعدها بأشهر قليلة على مدونته وحسابه على الفيسبوك “قررت أن أعطّل العمل بالإسلام في حياتي كدين، لأن “التنافر المعرفي” بين بعض تفاصيله و بين ما أظنه الرشاد والعدالة والمنطق وصل عندي حداً لا أستوعبه…قد هز الربيع العربي ثقتنا بما كنا عليه قبل الثورات، وغدا واضحاً أن الافتراضات الأساسية التي قامت عليها حياتنا لم تكن سليمةً كلها” مثل أسامة كثيرين ممن صار لهم مشروع فكري في نقد الإخوان معرفيا وتاريخيا وثقافيا.

الوعي الفردي كبديل وجودي

شباب الإخوان على خط النار، هم واجهة الجماعة وعامل قوتهم واغترارهم الرئيسي، منذ أيام البنا ومحاولة ترويضهم وإدماجهم في الوعي الجمعي للفكرة الإسلامية برؤية مؤسس الجماعة. ونجحت الجماعة بخطاب المقهور وادعاء وقوفها ضد السلطة أن تستقطب شبابا من هؤلاء الغاضبين الذين احتاجوا “كيانا” يعتمدون عليه في مواجهة السلطة. ولما كانت الثورة وأصبحت السلطة في يد الجماعة وانهار خطاب المقهور وحل محله خطاب السيد/المتعالي الأيديولوجي، فكانت الأسئلة في صفوف شبابه أكثر حدة، من سؤال التنظيم إلى سؤال المنظومة الدينية ككل، كان الحل لهؤلاء المنشقين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار المقاومة بوعيهم الفردي واختياراتهم الشخصية المبنية على قناعات خاصة –وإن توافقت مع الجمعي- لكنها الطاقة التي لا تحدها تنظيم.