بدأت معركة الدستور المصري الجديد وسط مخاوف البعض من إعادة إنتاج مقومات عصر استبدادي ثار المصريون ضده في 25 يناير 2011، واتهامات من قبل الإسلاميين بتعمد إقصائهم من المشهد السياسي، وتمسكهم بالمواد التي تؤكد الهوية الإسلامية للدولة، وخاصة المادة 219 المثيرة للجدل. وتتباين التحفظات على مشروع التعديلات التي أعدتها لجنة من الخبراء، تمهيدا لدراستها وتنقيحها، أو استبدالها بواسطة “لجنة الخمسين” التي بدأت أعمالها يوم 8 سبتمبر الجاري، والتي ستقدم الشكل النهائي للدستور خلال 60 يوما من انعقادها، ليطرح للاستفتاء الشعبي في موعد لم يحدد بعد.

بدأت معركة الدستور المصري الجديد وسط مخاوف البعض من إعادة إنتاج مقومات عصر استبدادي ثار المصريون ضده في 25 يناير 2011، واتهامات من قبل الإسلاميين بتعمد إقصائهم من المشهد السياسي، وتمسكهم بالمواد التي تؤكد الهوية الإسلامية للدولة، وخاصة المادة 219 المثيرة للجدل. وتتباين التحفظات على مشروع التعديلات التي أعدتها لجنة من الخبراء، تمهيدا لدراستها وتنقيحها، أو استبدالها بواسطة “لجنة الخمسين” التي بدأت أعمالها يوم 8 سبتمبر الجاري، والتي ستقدم الشكل النهائي للدستور خلال 60 يوما من انعقادها، ليطرح للاستفتاء الشعبي في موعد لم يحدد بعد.

“سعيدة بالتعديلات”

وبينما يكتفي البعض بالنقاش والجدل، اتخذ مركز ابن خلدون خطوة عملية بتشكيل لجنة موازية لـ”لجنة الخمسين”، تهدف إلي تقديم مقترحات “لتحسين جودة الدستور”، وترى داليا زيادة، المديرة التنفيذية للمركز أن التعديلات التي قدمتها لجنة الخبراء (على دستور 2012) “في معظمها جيدة خصوصا في باب الأحكام الانتقالية، لكن في الأبواب الأخرى هناك ردة واضحة لدستور 1971 (المعمول به قبل 25 يناير) خصوصاً فيما يتعلق بوضع المرأة، وعودة المادة 11 مثلا (التي تنص على أن الدولة تكفل المساواة بين الرجل والمرأة في كافة الميادين، بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية)، التي كانت تُنتقد في دستور 71 هو أمر مزعج” على حد وصفها.

وتعبر زيادة عن سعادتها بغياب المادة 219 (التي وضعت في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي)، واستبعدتها لجنة الخبراء من مسودتها، وتنص على: “مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السنة والجماعة”، وتقول الناشطة السياسية البارزة: “أنا سعيدة أن المادة 219 تم إلغاؤها لما فيها من تعبيرات فضفاضة بشأن الشريعة وتفسيرها حسب منطق أهل السنة والجماعة، أتمنى ألا تعود هذه المادة أبدا إلى النص الدستوري الجديد”.

حزب النور متمسك بالمادة 219

لكن مصدرا بحزب النور رفض ذكر اسمه درءا للخلافات داخل الحزب، أكد أن الحزب يضع حدا أدنى لقبول الدستور الجديد، مشيرا إلى أن جميع الخيارات مفتوحة أمام الحزب للتعامل مع ما سيطرأ مستقبلا لو تم التلاعب، أو حذف مواد ما اسماه بـ”مواد حزب النور” أو المواد المتعلقة بهوية الدولة، لافتا إلى أن هذه المواد هي: 2، 4، 81، 219 إضافة إلى المادة 3.

وأكد المصدر أن الحزب يقدم المشاركة على المقاطعة، ومصلحة الدولة على مصلحته السياسية، وقال: “إن هذا سيجعلنا نعمل دائما بمرونة مع “لجنة الخمسين” على الرغم من أن هناك “إقصاء متعمدا للإسلاميين”، حيث تم اختيار ممثل واحد فقط عن الأحزاب الإسلامية، وهو الدكتور بسام الزرقا (نائب رئيس حزب النور)، والممثل الثاني هو الدكتور كمال الهلباوي الذي لا ينتمي إلى أي حزب إسلامي، فيما يحتل التيار اليساري مساحة كبيرة في التمثيل تحت تصنيفات مختلفة”.

وأضاف: “سنعمل على تمرير الدستور حتى لو تعارض بقدر ما مع تطلعاتنا، لكن إذا تم المساس بالمواد السالف ذكرها، فربما يتراوح الأمر بين الاعتراض علنا على ما تم، لتسجيل موقفنا السياسي بصورة واضحة للجميع، وقد يصل إلي حد الحشد لمقاطعة الاستفتاء أو التصويت بـ”لا” لرفض الدستور”.

“التعديلات المقدمة لا تكفي”

ويقول المستشار الدكتور خالد القاضي، رئيس المركز العربي للوعي بالقانون: “إن تعديلات لجنة الخبراء تحقق فقط الحد الأدنى من تطلعات المصريين بعد الثورة. لافتا إلى أن مصر بحاجة إلى دستور جديد، يحق التوازن بين السلطات، ليس نصا فقط، ولكن على أن يكون النص قابلا للتطبيق عمليا، كما هو الحال في دساتير دول مثل: أمريكا، وفرنسا، والبرازيل، والهند، التعديلات المقدمة حاليا لا تحقق هذا التوازن”. معروف أن لجنة الخمسين ستقوم بتعديل الدستور الحالي، وليس بكتابة دستور جديد.

وأعرب المستشار القاضي عن أمله في أن تتدارك “لجنة الخمسين” الأمر وتعمل على تعديل صميم اختصاصات رئيس الجمهورية، وتحقيق نظرية الفصل بين السلطات، ونظرية العقد الاجتماعي، في صياغة الدستور الجديد.

ويري الخبير القانوني أن التشبث ببقاء المادة 219 في الدستور يعد إقحاما لتفاصيل يمكن أن تذكر لاحقا في قوانين منفصلة، موضحا أن الدستور يفضل أن يكون مختصر الصياغة (به 40 مادة على سبيل المثال)، ومفهوم الهدف، كما أبدى اعترضه على خلط تفصيلات الدين بالسياسة.

عدم توازن في التمثيل

من وجهة نظر الكاتب الصحفي عامر عبدالمنعم، المقرب من التيارات الإسلامية والذي شارك في اعتصامي النهضة ورابعة، فأن المعركة الآن ليست معركة الدستور، فهو يعتقد أن الجميع منشغل بمن سيحكم مصر، متوقعا أن تكون هناك مقاطعة واسعة للاستفتاء على الدستور الجديد.

وتوقع الكاتب الصحفي أن ينسحب ممثل حزب النور من لجنة صياغة الدستور، لافتا إلى أن الحزب له عضو واحد فقط من بين 50 عضوا في اللجنة، بينما كان يشارك في اللجنة السابقة التي تضم 100 عضو بـ17 عضوا، مضيفا أن المنتمين للتيار الإسلامي يشعرون بحالة عدائية ضدهم، مرجحا أن يتجهوا لمقاطعة الاستفتاء على الدستور المرتقب ويقومون بالحشد لذلك.

الأبواب مفتوحة لتقديم مقترحات

وتفتح “لجنة الخمسين” الأبواب لتلقي اقتراحات المصريين، لتوسيع دائرة المشاركة، وقد بادرت عدة جهات بإرسال مقترحاتها، وطرح رؤاها لصياغة دستور يمثل كافة فئات المجتمع، ودشن المجلس القومي للمرأة صفحة على موقعه الالكتروني لاستقبال اقتراحات المواطنين تمهيدا لتقديمها للجنة الخمسين.

وقال عمرو موسى رئيس اللجنة في حوار تليفزيوني له على قناة CBC إن اللجنة لن تكرر أخطاء دستور 2012 (الذي صدر فى عهد مرسي)، مشيدا بمرونة حزب النور السلفي، معتبرا أنها ستساهم في تحقيق مصلحة الوطن.

وبينما يبدو المشهد كمعركة جديدة ساخنة تثير مخاوف البعض، تظهر في الأفق ملامح اهتمام كبير لدى المصريين بالمشاركة في صناعة القرار، وفي رسم مستقبل بلدهم الذي سقط آلاف الشهداء والمصابين خلال السنوات الثلاث الماضية من أجل تمهيد طريق أفضل له، وخلال تلقي الدروس الأولى في الديمقراطية بعد عقود متتالية من القمع السياسي والأمني، يخطئ البعض ويصيب البعض الآخر، ويتعلم الجميع كيف يعيشون معا باختلافاتهم التي هي سنة كونية راسخة لن تتغير.