سجّل يوم 30 حزيران/ يونيو موعدا لإنهاء شراكة إسلامية – إسلامية لم تدم طويلا بين حزب النور السلفي الخارج من رحم الدعوة السلفية، وجماعة الأخوان المسلمين التي حكمت البلاد لمدة سنة.

إعلان المجلس العسكري في الثالث من تموز/يوليو عن عزل الرئيس محمد مرسي وتسليم السلطات إلى رئيس مؤقت، بمباركة حزب النور السلفي ومعه قوى سياسية ليبرالية وقومية، وبحضور رئاستي الأزهر والكنسية، رفعت من حظوظ السلفيين للعب دور سياسي في المرحلة المقبلة، قد يفوق حجمهم الحقيقي في الشارع المصري.

سجّل يوم 30 حزيران/ يونيو موعدا لإنهاء شراكة إسلامية – إسلامية لم تدم طويلا بين حزب النور السلفي الخارج من رحم الدعوة السلفية، وجماعة الأخوان المسلمين التي حكمت البلاد لمدة سنة.

إعلان المجلس العسكري في الثالث من تموز/يوليو عن عزل الرئيس محمد مرسي وتسليم السلطات إلى رئيس مؤقت، بمباركة حزب النور السلفي ومعه قوى سياسية ليبرالية وقومية، وبحضور رئاستي الأزهر والكنسية، رفعت من حظوظ السلفيين للعب دور سياسي في المرحلة المقبلة، قد يفوق حجمهم الحقيقي في الشارع المصري.

وما عزز تلك التوقعات، رفض  السلفيين المشاركة في اعتصامات رابعة العدوية والنهضة المطالبة بعودة مرسي للحكم، وتنديدهم “بأعمال العنف والتخريب” المنسوبة لجماعة الإخوان والجماعة الإسلامية بعد قرار فض الاعتصامين.

وفي حين يعتبر محللون أن التيار السلفي يمثل البديل الإسلامي الوحيد على الساحة السياسية في الوقت الراهن في أي شراكة حكومية مقبلة، يرى آخرون أن الحزب ما هو إلى تنويعة أخرى على تيار الإسلام السياسي الصاعد منذ بدايات “الربيع العربي”، لن تقود العلاقة معه إلى نتائج أفضل بكثير من تلك التي مع الأخوان.

ليس حبّا بمرسي

كان السلفيون أبرز القوى السياسية التي وقفت مع الرئيس مرسي أثناء حملته الانتخابية وفترة رئاسته، إلا أن هذا الموقف سرعان ما تغير مع إعلان الجيش قرار عزله.

لكن مصطفى غلاب، مسؤول الدعوة السلفية بمركز الفتح، والقيادي في حزب النور السلفي بأسيوط، يؤكد أنه وكثير من أعضاء الحزب لم يكونوا مؤيدين للإخوان منذ البداية، على الرغم من انتخابهم الرئيس محمد مرسي. ويقول “أنا شخصيا اخترت الرئيس مرسي ليس حبا في شخصه، ولا باعتباره مرشحاً إسلاميًا، وإنما لأنه كان مرشحاً أمام أحمد شفيق – المحسوب على النظام السابق”.

ويعزو القيادي السلفي أسباب الانفصال السياسي عن الإخوان لأخطاء كثيرة ارتكبتها الجماعة والدكتور مرسي، “بداية من الإعلان الدستوري المكمل وتمسكه بحكومة الدكتور قنديل وإقصائه جميع الفصائل السياسية، ومعاداته للقضاء والإعلام، وانتهاءً بتضييعه فرصة الاحتكام للديمقراطية من خلال إجراء استفتاء علي بقائه في الحكم”.

ويضيف أن حزب النور ومن ورائه تيار الدعوة السلفية رأوا أنه “إذا اتخذنا مواقف مشتركة مع الإخوان سوف نضيع معهم، ولذا أعلنا عن موقفنا مبكرا ورفضنا المشاركة في المظاهرات والمسيرات المؤيدة للرئيس المعزول والتي تطالب بعودته مرة أخرى للحكم”.

سلفية ضد العنف

غلاب الذي كثيرا ما كان لتياره مواقف وصفت بالـ “متشددة” ضد الأقليات غير المسلمة في مصر، خصوصا الشيعة، والذي يشارك شخصيا في حملة “الشيعة هم العدوّ فاحذرهم”، يؤكد أن التيار السلفي لا يحرض على العنف، وأن مواقف التيار “لم تتعد حدود الإسلام وكانت تندد بما يفعله الشيعة من اعتداء غاشم على الصحابة وأم المؤمنين عائشة فقط، دون أن تتطرق إلى التحريض على العنف أو القتل”.  

في حين يرى أن أعمال العنف التي وقعت من قبل الإخوان والجماعة الإسلامية مؤخرا أثرت بشكل كبير على سمعة جميع التيارات الإسلامية بما فيها الدعوة السلفية، و”كثير من الناس بات لا يفرق اليوم بين السلفيين والإخوان”.

مصالحة وطنية

وحول أولويات حزب النور السلفي في الفترة المقبلة يقول غلاب إن الحزب يسير الآن باتجاه المشاركة في لجنة الخمسين، وهي لجنة شكلتها الرئاسة المصرية الجديدة في 8 تموز/ يوليو عقب الإطاحة بحكم الرئيس مرسي، تتألف من خمسين عضوا يمثلون كافة فئات المجتمع وطوائفه وتنوعاته السكانية بغرض إجراء تعديلات على الدستور المقر إبان حكم الرئيس مرسي.

ويحرص السلفيون من خلال مشاركتهم في هذه اللجنة، على الإبقاء على  المادتين 4 و219 من الدستور المعطل اللتان تؤكدان على الهوية الإسلامية للدولة المصرية، والإبقاء على مواد أخرى تسمح بتشكيل أحزاب سياسية ذات مرجعية دينية.

ويقول غلاب في هذا الصدد: “نريد بلورة هذه المواد بما لا يتعارض مع النظام السياسي القائم، بحيث يقتصر المنع على الأحزاب القائمة على التمييز بين المواطنين وليست القائمة على أساس مرجعية الشريعة الإسلامية”.

وعلى الرغم من الخصومة السياسية القائمة مع حزب الرئيس مرسي، يكشف مسؤول الدعوة السلفية بمركز الفتح، أن حزب النور “ماضٍ بالسير في مبادرة المصالحة الوطنية بين التيارات السياسية المختلفة”، خصوصا مع قواعد الإخوان والجماعة الإسلامية، ويزيد أن “هناك استجابة من البعض لتهدئة الأمور، خاصة بعد أن أدركت هذه القواعد خطأ قياداتها، وسلامة موقف حزب النور”.

“مثلهم مثل بعض”

على الرغم من مساعي السلفيين لتظهير انفسهم كفريق سياسي معتدل ومندمج في العملية السياسية ما بعد عزل مرسي، يرى الدكتور محمد إبراهيم منصور، رئيس مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط، أن هذا التيار “انكشف” في الفترة السابقة، وأن خلافه مع الإخوان لم يكن خلافا سياسيا أو أيدلوجيا بقدر ما كان خلافا مبنيا على المصالح والمغانم، “ولذا لا نستطيع أن نقول أن السلفيين أفضل من الإخوان في شيء، وقد كانوا يحاربون فقط على مصالحهم الشخصية لا المصالح العامة للدولة”.

ويضيف منصور في هذا الإطار أن جميع التيارات الإسلامية “مثلها مثل بعضها”، وإن كانت تختلف فقط في درجة العنف، “ويجب علينا أن نحملهم على ترك هذا العنف، والعودة إلى الإسلام الحنيف، وألا يتم خلط الدين بالسياسة، لأننا لسنا ملزمين أن يكون هناك تيارا متشددا في المجتمع خلال الفترة المقبلة”.

ولا يرى منصور مستقبلا للأحزاب الدينية في الفترة القادمة، قائلا إن “عملية فرز وتجنيب داخل المجتمع المصري للتيارات الإسلامية بشكل عام تجري حاليا، خاصة بعد أعمال العنف التي ارتكبها الإخوان والجماعة الإسلامية، وتنصل منها السلفيون”.

تجّار قضية

يتفق مع الرأي السابق عقيل إسماعيل عقيل، المتحدث باسم اتحاد شباب الثورة بأسيوط. ويرى أن انحياز حزب النور السلفي إلى مشهد الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي يتعارض مع الفرضية الرئيسية التي تحكم السلوك السياسي للإسلاميين في مصر، “والتي تقوم على التنافس في وقت الرخاء، والاصطفاف في وقت الشدة”.

ويزيد أن توجهات ومواقف تيار الدعوة السلفية، تكشف عن أن “جزءا من استراتيجيته غير المعلنة كانت تدور حول منافسة الإخوان قدر المستطاع والعمل على إزاحتهم مستقبلا ووراثة سوقهم الانتخابي في مصر”.

ويواجه حزب النور الذي خرج من رحم الدعوة السلفية ضغوطا قد تضر بموقعه الانتخابي بحسب مراقبين، نتيجة مواقفه مع خارطة الطريق.

فالاتهامات تتوالى من الداخل والخارج بدءا بوصف حلفاء إسلاميين له بأنه “تاجر قضية”، وقول عاصم عبد الماجد وهو من الحلفاء المتشددين لجماعة الإخوان أمام حشود من مؤيدي مرسي إن القياديين في حزب النور “يجب أن يتوبوا إلى الله” لما وصفه بالخيانة من جانبهم.

استراتيجة السلفيين

أما محمود نفادي، أحد شباب لجنة حزب الوفد بأسيوط، فيرى أن السلفيين كانوا يرون في حزب الحرية والعدالة الأخواني مجرد منافس انتخابي شأنه شأن أحزاب أخرى غير إسلامية وليبرالية ويسارية.

ويضيف أن استراتيجتهم تتلخص كمرحلة أولى في التحالف مع الأحزاب غير الإسلامية، لإضعاف الإخوان منافسهم الرئيسي، ومن ثم بعد ذلك ينفضون أيديهم من تحالفهم مع “العلمانيين” الأقل خطرا عليهم من الناحية التنافسية.

ويعتبر الناشط السياسي أن خلاف السلفيين مع الإخوان لم يكن سياسيا بقدر ما كان “وجوديا”، فحينما حانت اللحظة المناسبة للإطاحة بجماعة الإخوان، متمثلة في الدكتور مرسي، في مشهد 30 حزيران/يونيو، لم تجد قيادات حزب النور السياسية والروحية حرجا من الوقوف جنبا إلى جانب مع من يعتبرونهم “علمانيين”، بل ومسلمين غير جادين من وجهة نظرهم، لمجرد الإطاحة بمنافسهم الأبرز وإخراجه من حلبة المنافسة.

ربع أصوات الناخبين

“التحليل يسوقنا إلى أن حزب النور سوف يكون الواجهة الإسلامية أمام الشعب بديلا عن الإخوان”، يقول الدكتور علي عبد الرحيم، أمين حزب الوسط بالقوصية.

ويضيف أن السلفيين سيحاولون قدر استطاعتهم الحفاظ علي التيار الإسلامي في المعادلة السياسية، بل وإرسال رسائل طمأنة بين الحين والآخر تفيد بأنهم ابتعدوا عن الإخوان.

أما مالك يعقوب، وهو محامي قبطي، وعضو الهيئة العليا لحزب المصريين الأحرار، فلا يستبعد أن يلعب حزب النور علي وتر الدين – مثلما فعل الإخوان – “وربما سيكون السلفيون هم الجبهة الأقوى في مواجهة التيارات المدنية” على حد قوله.

ويتوقع يعقوب أن يحصل التيار السلفي على نسبة 20 إلى 25% من جملة مقاعد البرلمان، قريبا من النسبة التي حصل عليها في السابق. بل زاد بأن هذه النسبة قد تكون النسبة الأكبر التي يحصل عليها حزب سياسي في الانتخابات المقبلة، وهو ما اتفق معه أيضا مصطفي غلاب، مسؤول الدعوة السلفية، الذي أشار إلى أن حزبه يمتلك فرص تمثيل في البرلمان مقاربة للنسبة التي حصل عليها سابقا التي بلغت نحو ربع أصوات الناخبين. جدير بالذكر أن موعد الانتخابات البرلمانية لم يحدد بعد، لكن خريطة الطريق السارية منذ 3 يوليو/تموز تقضي باتمام الاستفتاء على الدستور وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال 9 أشهر.

براجماتية خاصّة

هلال عبدالحميد، عضو المكتب السياسي لحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، يشير إلى “براجماتية سياسية” خاصة يتمتع بها هذا التيار، وقدرة على المناورة فيما يتصل بالشأن العام، قد تضمن لهم الحلول مكان الإخوان في الشارع السياسي، لكن بنسبة لا يعتقد أنها تزيد عن 10 بالمئة من أصوات الناخبين.

ويوضح قائلا إن قيادات حزب النور “اجتمعت في فترة الانتخابات مع المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق لعلمهم بحظه في الفوز بمقعد الرئاسة، فأرادوا أن يحجزوا مقاعدهم عنده، كما أنهم استطاعوا أن يتعاملوا مع الإخوان بندية، وعندما لم يجدوا ما يطمحون إليه مالوا لجانب المعارضة وجلسوا مع جبهة الإنقاذ وطرحوا مبادرات تقترب من أفكار الإنقاذ، وأيدوا إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في الوقت الذي أيدوا فيه حق الناس في الخروج للتظاهر في 30 حزيران/ يونيو”، وكل هذه مواقف، بحسب عبد الحميد، تدل على “حنكة وبراجماتية سياسية”.

وفي الوقت الذي يبحث فيه السلفيون عن موقع لهم في البرلمان المقبل، قد تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن، ويحدث تعديل دستوري يقضي بإلغاء الأحزاب الدينية، وهو الأمر الذي قد يهدد وجود الحزب من الأساس، بحسب مراقبين.