البلاك بلوك هي جماعات شبابية ظهرت في الشهرين الأخيرين في كل مواقع الصدامات بين كتل الحشود التي توجهت للاعتراض على سياسات الرئيس محمد مرسي، سواء أمام قصر الاتحادية أو حول ميدان التحرير أو في ميادين المحافظات، حملتهم قوى الأمن مسئولية تصاعد العنف وحرق مقرات جماعة الإخوان في المحافظات، فيما أصدر النائب العام المصري قرارا بالقبض على أي شخص يرتدي قناعا أسود في أي مسيرة أو اعتصام، فتم القبض حتى على صحفيين يغطون الأحداث بتهمة الانتماء للبلاك بلوك.

البلاك بلوك هي جماعات شبابية ظهرت في الشهرين الأخيرين في كل مواقع الصدامات بين كتل الحشود التي توجهت للاعتراض على سياسات الرئيس محمد مرسي، سواء أمام قصر الاتحادية أو حول ميدان التحرير أو في ميادين المحافظات، حملتهم قوى الأمن مسئولية تصاعد العنف وحرق مقرات جماعة الإخوان في المحافظات، فيما أصدر النائب العام المصري قرارا بالقبض على أي شخص يرتدي قناعا أسود في أي مسيرة أو اعتصام، فتم القبض حتى على صحفيين يغطون الأحداث بتهمة الانتماء للبلاك بلوك.

غسلت كل القوى الرسمية يدها من المسئولية السياسية عنهم، ورفعت الغطاء السياسي بل وجرمت أنشطتهم، تاركة للأمن حرية توصيف التهمة وتكبيل المتهمين بالأغلال حتى لو لم ينتموا إلى تلك الجماعة التي يتحدث باسمها كثيرون عبر صفحات افتراضية ويجمعون على دفاعية تكنيكاتها، مراسلون التقت في أرض الصدامات أحد المتحدثين باسمها، لنسمع منهم لأول مرة بدل أن نترك للآخرين توصيفهم وتجريمهم.

عفن السياسة ودم الشهداء

رافضا الإفصاح عن اسمه أو التصوير، تحدث الشاب الذي لم يتجاوز العشرين من عمره من ميدان التحرير خلال استراحة قصيرة من الصدام مع قوى الأمن حول كورنيش النيل، قائلا: “لقد كفرنا بلعبة السياسة وقررنا نلعب ثورة، السياسة بوصفها لعبة تنازلات ومكاسب على حساب الدم المسفوك في كل شوارع مصر، كلنا كنا ننتمي إلى تيارات واحزاب سياسية، انضممنا إليها خلال الحراك الثوري في عامين، من اليسار إلى اليمين. لكننا مللنا إدمان الممكن والمتاح، وبما أن ملوك هذا التسويف السياسي هم الإسلاميون، فلن تجد بيننا من كان جزءا من تياراتهم”.

يستكمل الشاب شرح ما اسماه”تكنيك البلاك بلوك” قائلا: “لا تعني سلمية الثورة أن نحمل الزهور مبتسمين إلى قاتلينا، تكنيكنا هو الدفاع عن الحشود في مواجهة عنف الشرطة المفرط أو ميليشيا الجماعات الإسلامية، من حق الناس التظاهر بأمان، لا نستهدف أحدا، ندافع عن أنفسنا فقط وهو حق أصيل”.    

السياسيون وفقا للقيادي الشاب غير قادرين على ملاحقة الواقع السياسي، بعيدون عن نبض الثورة، وفيما تسعى تلك الأحزاب إلى مواءمات على حساب دماء الشهداء كان من الطبيعي أن يتصدى البلاك بلوك لوقف حمام الدماء.

البلاك بلوك جعجعة بلا طحين

يرمي البلاك بلوك الكرة في ملعب النخب السياسية فترميها الأخيرة في ملعب الأمن والإسلاميين كما يظهر في لقاءنا مع حامد جابر القيادي بجبهة الإنقاذ الوطني، مشيرا إلى أن التلويح بالعنف من قبل الإسلاميين وعنف المعالجة الأمنية هو مادفع من أسماهم بالشباب غير المسيس إلى تبني العنف، نافيا أن يكون البلاك بلوك قادمين من خلفية أي فيصل سياسي، معتبرا أنهم لا يملكون الوعي السياسي لمواجهة الفاشية الدينية.

لا يقف الأمر في اعتبارهم مجرد هواة جهلة للسياسة، فسقوط هيبة الدولة بعد حصار الاسلاميين لمؤسساتها في المحكمة الدستورية وسقوط قيمة القانون ممثلا في الدستور المعيب، أفقد الشباب-وفقا لقيادي جبهة الانقاذ- الثقة في النضال السياسي، خاصة عندما ينغلق الأفق تجاه أي سياسي توافقي، مما أدى لتراجع الشباب عموما عن المشاركة في بناء الأحزاب كما راج في العام الأول للثورة، منتقدا ميل الشباب بشكل عام إلى رفض سياسة القيادات دون أن يقدموا بديلا متماسكا لحراكهم، مما يحولهم إلى مجرد ضجيج بلا طحين.

لا حل في تحميل الأمن وحده المسئولية

الخبير الأمني ومدير أمن القاهرة السابق اللواء فؤاد علام، يرى أن المفهوم الضيق لمفهوم الأمن هو المسئول عن الصدام مع تلك الجماعات الشبابية، مضيفا أن أي معالجة لا تضع الظرف السياسي المتأزم والظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في ظل إدارة سياسية متخبطة في حسبانها ستؤدي إلى مزيد من العنف المنفلت العقال. ويرى اللواء السابق أن انسداد الأفق السياسي يعيد الأمن إلى الصدارة في ظل عجزه عن تقديم حلول نهائية.

أحمد ماهر المنسق العام لحركة شباب ٦ ابريل، إحدى أكثر حركات الضغط السياسي فاعلية، والتي تنصلت كثيرا من الصدامات الأخيرة على الرغم من القبض المستمر على أعضاءها في الصدامات، استمر على منواله في حواره معنا في تجريم تلك الممارسات، متهما البلاك بلوك بالحيد عن مسار الثورة السلمي، مشيرا إلى أن جماعته غالبا ما يجري تلويث سمعتها أمنيا بمثل هذه الممارسات رغم إعلانها الصريح عن عدم وجودها في كل مناطق الصدامات.

البلاك بلوك لحظة دراماتيكية على ما يبدو في مسار الثورة المصرية، فأيهما سينتصر، مسار الاختناق السياسي وتعفن العنف، أم أن الحركة بالفعل إعلان موت نهائي لسلمية الثورة؟ سؤال تجيب عنه الأيام القادمة.