على بعد عشرين كيلومترا من مدينة طلخا بمحافظة الدقهلية(100 كلم شمال القاهرة)  تقع قرية دميرة وهي من أكبر قرى مركز طلخا في المساحة وفي عدد السكان, حيث يبلغ عددهم عشرين ألف نسمة يعمل الكثير منهم في الزراعة والتجارة، كما يسافر العديد من شبابها للعمل خارج البلاد.

تشتهر القرية  بعدد الأضرحة الموجودة بها والتي يعتقد أن عددها تسعة وتسعون ضريحا. ولعل السبب في وجود كل هذا العدد من الأضرحة في القرية هو أن قرية دميرة هي أقدم  القرى في مركز طلخا فيعود بنائها – كما يقول أبناء القرية – إلى ما قبل الفتح الإسلامي فعايشت زمن الرومان وعهد الفتح الإسلامي مرورا بالدولة الفاطمية التي اشتهرت ببناء المقامات لأولياء الله الصالحين. كانت الساحات أمام هذه الأضرحة قديما تمتلئ بالزوار من كل القرى المحيطة لزيارة الأولياء والتبرك والاحتفال بالموالد، لكن معظم هذه الأضرحة اليوم أصبح أطلالا مهجورة لا تجد حتى من يعتني بها ويقوم على صيانتها.

على مدخل القرية يوجد مقام سيدي كاسب. يوما ما كانت تأتيه الزوار ممن يؤمنون بكراماته بحسب ما يقول محمد أبو سعادة الذي يعمل بجوار المقام، لكن المنازل الحديثة أحاطت بالمقام من كل اتجاه ولم تترك له إلا بابا صغيرا لا يكاد يُرى من خلاله. “لم يعد أحد يأتي إلى هنا منذ زمن بسبب ارتفاع المستوى التعليمي لسكان القرية، وانتشار الفكر السلفي فيها أيضا”، يقول محمد.

ضريح الشهداء

داخل القرية وفي “الحارة الكبيرة” يوجد ضريح الشهداء، وهو مبنى قديم تظهر عليه آثار الزمن وتناطح قبته ما حولها من منازل. اصطحبني الشيخ حسين أحد جيران الضريح في جولة حوله، ويؤمن أهل القرية أن مئة من الصحابة قتلوا في هذا المكان أثناء الفتح الإسلامي لمصر ودفنوا فيه. ويقول الشيخ حسين إنه عندما كان في شبابه كانت يرى  حلقات الذكر وقراءة القرآن الكريم تعقد داخل الضريح مرة كل أسبوع لكن هذا لم يعد يحدث الآن.

وعلى بعد 200 متر من ضريح الشهداء يقع مقام النابلسي، ويحكي الشيخ حسين أن هذا المقام مدفون فيه رجل صالح أتى إلى القرية من قديم الزمان من مدينة نابلس بفلسطين. بينما تقول الحاجة صفية التي تقطن بجوار المقام إن الكثير من الزوار كانوا يأتون لزيارة هذا المقام، وكانت النساء تأتي بأطفالها المرضى ويطلبون من “النابلسي” أن يساعدهم في شفائه، “أتذكر أن أبي كان يطلب مني أن أعد الطعام إلى زوار المقام” تقول الحاجة صفية.

وفي دميرة العديد والعديد من مقامات الأولياء منهم أولياء استشهدوا في القتال مع الرومان مثل الشيخ ناصر والشيخ الماير، وبعضهم كانوا رجالا عسكريين ورجال شرطة مثل الشيخ الصابر، وبعضهم يساعدون الفلاح في زراعته مثل الشيخ ابراهيم زرع النوى والشيخ محمد ابى حسن الخولى  و سيدي خليل وسيدي نقريش وسيدي يحيى وسيدي العمري وسيدي رداد، لكن أشهر مقامات دميرة على الإطلاق هو مقام “سيدي برهام الدميري” وهو أيضا أكثرهم قدرة على استقطاب الزائرين حتى الآن .

سيدي برهام

في الحارة التي سميت باسمه، يوجد مقام سيدي برهام الدميري أو سيد الأربعين، وهو أكبر مقام في القرية على الإطلاق، أمامه حديقة صغيرة يزرعها الجيران، وساحة كبيرة كانت تقام فيها المولد الخاص به كل عام في شهر أبريل .
يقول الشيخ حسين إن سيدي برهام كان وليا من الصالحين حمل على عاتقه دعوة الناس إلى الخير، وهو من الشخصيات المعروفة وكان يتبع الطريقة الرفاعية.  وعندما توفي أقيم له مقاما صغيرا، وظل هكذا إلى أن قام علي بك الفار – وهو أحد الأعيان الذي كان يعيش في القرية منذ حوالي ثمانين عاما – ببناء هذا المقام بشكله الحالي، وفي كل عام من شهر أبريل يقام له مولد ضخم تأتي إليه الزوار من العديد من القرى بل والمحافظات المجاورة للتبرك وتقديم النذور إلى القائمين على المقام.

السلفيون يعارضون المولد

ويحتوى مولد الشيخ برهام على كثير من مظاهر الاحتفال كالمراجيح والعديد من الألعاب التي يلتف حولها أطفال وشباب القرية، ويضيف الشيخ حسين: “كان هناك خمس عائلات تقوم على صيانة المقام وكانوا يستخرجون تصاريح المولد من وزارة الداخلية، وفي عهد مبارك ارتبط الحصول على تصاريح المولد بأعضاء الحزب الوطني في القرية، وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وتزايد نفوذ الإخوان المسلمين خاصة وأن آخر نائب برلماني من أبناء القرية في برلمان 2005 عن دائرة طلخا كان من جماعة الإخوان المسلمين وهو الأستاذ محمد عبد الباقي  قبل أن تتوسع الدائرة وتشمل بلقاس ونبروه أيضا وينوب عن الدائرة الكبيرة عضوان أحدهما من حزب النور والآخر من الإخوان وهما ليسا من أبناء القرية. وفي العام الماضي انقسمت القرية إلى قسمين، قسم يريد إقامة المولد وقسم يرفض تكرار عمل مثل هذه الموالد في القرية بدعوى أنها تشجع على الاختلاط و ممارسة بعض العادات السيئة، وفي النهاية اضطر الفريق الذي يريد إقامة المولد إلى نقله من الساحة الكبرى بجوار المقام إلى حارة ضيقة، وأقاموه أيضا بشكل مبسط”. ولا يعتقد الشيخ حسين أن المولد سوف يقام مرة أخرى بشكله القديم في القرية.

بينما يقول جلال الإمام  وهو مدرس لغة عربية بالأزهر الشريف وهو أحد السلفيين الذين يقطنون قريبا من المقام : ” مثل هذه البدع ليس لها علاقة بالشرع .. قديما كانوا يذبحون الذبائح أمام المقام، والذبح لغير الله لا يجوز .. كما أن المولد كانت تحدث فيه الكثير من الأمور السيئة والفواحش، لكننا لم نمنع إقامته بالقوة .. فالدولة هي اللي منعته منذ ثلاث أعوام بسبب إنفلونزا الطيور .. وبعدها اتفقنا نحن وبعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أن مثل هذا الموالد لا يجب أن تقام في القرية .. ونصحنا الطرف الآخر فقط بأن مثل هذه الأشياء مخالفه للشرع .. فأقاموه العام الماضي في مكان آخر ” .

“البحر لا يعكره الرمم”

واجهت محمد الشربيني وهو أحد المحبين لسيدي برهام بما قاله الأستاذ جلال عن الأمور السيئة التي كانت تحدث في المولد فأجاب قائلا   : “البحر لا يعكره الرمم .. وما دخلنا نحن بما قد يفعله البعض من بعض الأمور السيئة” .. وأضاف محمد الذي كان يعمل عاملا في أحد مساجد القرية : ” لقد كان سيدي برهام عالما جليلا وله شروحات كثيرة في الفقه الإسلامي وشهرته واسعة .. والناس كانت تأتي لزيارة قبره والدعاء له وقراءة القرآن والذكر ولكن ( الجماعة اللي بالك فيهم ) – على حد تعبيره – لا يريدون أن يفهمون ..كما أن تغيير الطبيعية السكانية للقرية وسفر الشباب إلى الخارج  كانت أحد الأسباب أيضا في انحسار الاحتفال بمولد سيدي برهام فالأجيال الجديدة لم تعد تهتم بهذه الأمور الروحانية”.