طوابير من السيارات في الشوارع وظلام دامس، أي حصار أجدى من ذلك ليتفاعل الناس مع دعوى “حملة تمرد” لاسقاط شرعية الرئيس مرسي؟ فلأول مرة تكون الأزمة الاقتصادية الطاحنة عنونا طاغيا علي فاعلية سياسية، بدأت رمزية وتحولت إلى هاجس فوضى الفراغ كما يسميها مناصرو الحكم الاسلامي، هذا ما رصدناه في تحقيق “مراسلون” من مدينة المنصورة شمال دلتا مصر.

[ibimage==7265==Small_Image==none==self==null]

طابور طويل أمام محطة البنزين

“لا مثلجات ولا أمن ولا عمل”

طوابير من السيارات في الشوارع وظلام دامس، أي حصار أجدى من ذلك ليتفاعل الناس مع دعوى “حملة تمرد” لاسقاط شرعية الرئيس مرسي؟ فلأول مرة تكون الأزمة الاقتصادية الطاحنة عنونا طاغيا علي فاعلية سياسية، بدأت رمزية وتحولت إلى هاجس فوضى الفراغ كما يسميها مناصرو الحكم الاسلامي، هذا ما رصدناه في تحقيق “مراسلون” من مدينة المنصورة شمال دلتا مصر.

[ibimage==7265==Small_Image==none==self==null]

طابور طويل أمام محطة البنزين

“لا مثلجات ولا أمن ولا عمل”

في بقالته التي تقع في إحدى الشوارع الرئيسية في مدينة طلخا، ينتظر حسن زكي – 34 عاما – بتوجس انقطاع التيار الكهربائي، الظاهرة التي باتت تتكرر بشكل يومي مما يؤثر على صلاحية بعض المنتجات لديه.

يقول حسن “لم أشارك في أي استحقاق سياسي من قبل، ولم أشارك في أية مظاهرات من قبل، ولكنني أعاني من انقطاع التيار الكهربائي، وقد زاد الأمر عن حده، هل ستشتري مني هذه المثلجات وهي ساخنة؟ بالتأكيد لا، لم أعد أعرف ماذا أفعل، ولا أرى حلا إلا أن يحدث شيء يوم 30-6”.

للأزمة أبعاد اجتماعية حين يتعلق الأمر بصيف ملتهب ومواسم لامتحانات الطلاب. ففي مركز للخدمات الجامعية أمام جامعة المنصورة يحاول محمد الغندور 25 عاما أن ينجز عمله بسرعة قبل أن ينقطع التيار الكهربائي ولا يستطيع أن يفعل أي شيئ، “نحن الآن في موسم الامتحانات، وهو  أفضل موسم عمل بالنسبة لي، حيث يقبل الطلبة على تصوير الأوراق. وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر يعطل عملي بشكل كبير، كما أن الأمر يتعدى أزمات الكهرباء والبنزين، فالطرق تقطع بشكل شبة يومي، والأمن ليس على ما يرام”، يقول محمد. ويضيف “لقد انتخبت محمد مرسي من أجل حلم الثورة وحلم التغيير وحلم النهضة، ولكننا لم نجد لا ثورة ولا تغيير ولا نهضة، والآن أنا أؤيد الضغط الشعبي يوم 30-6 من أجل أن تتم  انتخابات رئاسية مبكرة لعلنا نخرج من هذه الأزمات”.

حتّى الطبقة الوسطي لم تسلم من “النهضة”

وفي إحدى الطوابير التي تقف فيها عشرات السيارات، يجلس حمدي بركات 32 عاما – موظف في إحدى البنوك الحكومية منذ ساعات، وهو يأمل ألا ينفذ البنزين من المحطة قبل أن يأتي دوره.

“هل يعقل أن أذهب من المنصورة إلى مدينة أجا كل أسبوع في الثالثة فجرا من أجل أن أحصل على البنزين؟” يتساءل بركات، ويضيف”لم نكن نتوقع أن تصل الأزمة يوما ما إلى البنزين 92، والأزمات الحالية وصلت للطبقة المتوسطة ولم يعد تقتصر على محدودي الدخل، وفي الوقت الذي لا نجد فيه حتى من يقوم بتغيير الحكومة التي فشلت في حل هذه المشكلات، فلقد قررت المشاركة في التظاهرات القادمة لأول مرة في حياتي”.

ويقول د. أحمد مهنى– طبيب أسنان – في مجمع طبي بقرية منية سندوب التابعة لمركز المنصورة: “أعجز عن العمل لمدة ساعة متصلة يوميا نتيجة لانقطاع الكهرباء، كما أنه في أيام كثيرة لا أذهب إلى العمل من الأساس لأن انقطاع الكهرباء قد يستمر من السابعة مساء حتى الحادية عشرة، إنني سأشارك في هذه التظاهرات في القاهرة نفسها لأن الوضع أصبح لا يُطاق”.

شبح الحرب الاهلية وضعف البدائل

لكن بعض المواطنين يرون أن هذه الأزمات ليست مبررا للخروج عن الشرعية ولا لإسقاط الرئيس، يقول محمد البكري 26 عاما : “بالطبع هناك أزمات، لا أحد ينكر ذلك، وقد تكون مبررا للتظاهر ضد سياسيات الحكومة أو لإقالة الحكومة ، لكنها بالطبع ليست مبررا للمطالبة بإسقاط رئيس شرعي منتخب وصل إلى الحكم بانتخابات نزيهة”. ويضيف البكري: “محاولة إسقاط الرئيس الآن ستؤدي إلى مزيد من المشكلات ومزيد من العنف، وفي حالة إسقاطه لا يوجد طرف آخر منظم يستطيع السيطرة على الحكم إلا فلول النظام السابق وعندها سنعود للمربع صفر”.

الرأي الذي لا يختلف كثيرا عن رأي أحمد إبراهيم الذي يرى أن الوضع سيء لكن البديل سيكون أسوأ: “أنا لا أريد لهذا النظام أن يستمر فهو أساء إدارة كل شيء، لكن حينما أقارن بين الوضع الحالي وبين الحرب الأهلية التي من الممكن أن تحدث نتيجة المطالبة بإسقاط الرئيس، أرى أن الوضع الحالي أفضل منها بكثير وأدعو الله أن تتحسن الأمور خلال باقي فترة حكمه” يقول إبراهيم .

الاخوان: صبر غاندي

ويعلق د. أحمد والي – أحد كوادر الإخوان المسلمين بالدقهلية وأمين لجنة الشباب بحزب الحرية والعدالة – على هذا قائلا : “الوقت جزء من العلاج، فعندما استلم د.مرسي الرئاسة لم تكن شبكات الكهرباء بحالة جيدة ولم تتم لها عمليات صيانة منذ 8 أعوام، وقد تراخى بعض المسؤولين في تنفيذ عمليات الصيانة التي تم الاتفاق عليها مع الرئيس في بداية حكمه، فنحن ما زلنا نعاني من مشاكل الدولة العميقة حتى الآن، كما أن العديد من المباني غير المرخصة والتي تم بناؤها وقت الثورة تحصل على الكهرباء بشكل غير مرخص مما يزيد الأحمال، ولكن عمليات الصيانة قطعت شوط كبير و من المنتظر حل المشكلة بنسبة كبيرة بعد شهر من الآن حسبما أكد لي رئيس أحد قطاعات الكهرباء في المحافظة كما أن محطة كهرباء بنها من المفترض أن تبدأ عملها في شهر أكتوبر القادم”.

وبخصوص أزمة البنزين يضيف والي “لماذا تظهر أزمة البنزين كلما اقتربت الحكومة في تنفيذ فكرة الكروت الذكية؟ ولماذا تتفاقم الأزمة كلما اقترب تاريخ 30 يونيو؟ إلا إذا كانت هناك أيدي تريد أن تستفز المواطنين للنزول في المظاهرات، كما أن بعض دول الخليج لم تعد تمد مصر بالوقود بعد الثورة”. ويضيف والي: “أنا أعلم أن المواطن المصري ضاق ذرعا بالوضع الحالي، ولكن المظاهرات يوم 30 يونيو ليست هي الحل وقد تؤدي إلى مزيد من المشكلات، لماذا لا نصبر كما صبر الشعب الهندي  مع غاندي حتى ذهب عنهم الاحتلال؟”

تمرد: نظرية المؤامرة لا تفيد

بينما يؤكد محمد عصام منسق حملة تمرد في مركز شربين، وهي الحملة التي تهدف إلى جمع 15 مليون استمارة سحب ثقة من مرسي، يؤكد تأثير أزمات الطاقة على عدد الموقعين على استمارة سحب الثقة من الرئيس. ويقول “بالتأكيد زادت أعداد الموقعين على الاستمارة بعد تفاقم أزمات الكهرباء والبنزين، فبعدما كانت الكهرباء تنقطع لمدة ساعة يوميا أصبحت تنقطع في اليوم الواحد أكثر من مرة، وأصبح البنزين حلم بالنسبة للمواطنين”. ويضيف: “لا أعتقد أن هناك مؤامرة تحرك أزمات الكهرباء والبنزين، فهذه الأزمات كانت موجودة في عهد مبارك وفي عهد المجلس العسكري، لكن المشكلة هي في سوء إدارة النظام الحالي الذي جعل هذه المشاكل تتفاقم وتتطور  بشكل كبير. وحُجة “تركة الثلاثين عام” لم تعد مقنعة على الإطلاق”.  

تترقب كل الأطراف ما ستسفر عنه الاحتجاجات المزمع انطلاقها يوم الثلاثين من يونيو، فيما تحاول كل الأطراف السياسية أن تحقق مكاسب جراء هذه التظاهرات، يظل المواطن البسيط بين مطرقة أزمات الطاقة وسندان شبح الحرب الأهلية يدعو الله أن تمر الأمور بسلام.