كانت قصة البائع التونسي المتجول “بوعزيزي” حاضرة دائما في ذهنه وهو يفكر في حقوق البائعين الجائلين، ثم ترجم أفكاره سريعا إلي تحركات قادته في نهاية المطاف إلى إشهار جمعية “لحماية الباعة الجائلين”. إنه عبد الرازق رحومة، شيخ الباعة الجائلين – كما يطلقون عليه – بعد الثورتين التونسية والمصرية، صاحب فكرة إنشاء الجمعية التي نجح في إشهارها مؤخرا في أسيوط للدفاع عن أبناء مهنته من بطش شرطة المرافق، ولإيقاف حالة الكر والفر التي استمرت لسنوات طويلة فيما بينهم. موقع “مراسلون” التقى شيخ الباعة المتجولين بأسيوط للتعرف على مزيد من قصة إشهار الجمعية وأهدافها، وماذا يمكن أن تقدم لأصحاب هذه المهنة، وكيف تتعامل معهم شرطة المرافق بعد الثورة.

مراسلون: بداية ماذا تحمل السيرة الذاتية لشيخ الباعة المتجولين في أسيوط؟

عبد الرازق رحومة

عبد الرازق رحومة: أنا اسمي عبد الرازق رحومة عبد العال، وأعمل بائعا للبوظة والتمر لدى كوبري السادات بحي غرب مدينة أسيوط. وبدأت حياتي العملية وأنا في سن الثانية عشر، ولم أكمل دراستي، حيث لم أحصل إلا علي الإبتدائية، بسبب ظروفي المادية والاجتماعية. وبالرغم من ذلك ثقفت نفسي بنفسي، ومارست عملي في بيع البوظة والتمر، ثم اشتغلت بعد ذلك لمدة 10 سنوات كسائق في جميعة نقل الركاب. وكونت خلالها خبرة كبيرة حول كيفية عمل الجمعيات، ثم ما لبثت أن عدت مرة أخرى إلى مهنتي الأصلية التي أعيش عليها الآن، حتى واتتني في يوم من الأيام بعد قيام الثورة المصرية فكرة إنشاء جمعية تدافع عن حقوق الباعة المتجولين، خاصة في ظل الانتهاكات التي نتعرض لها يوميا على يد شرطة المرافق، وكانت وقتها قصة “بوعزيزي تونس” حاضرة في ذهني، واقترح عليّ مقيم شعائر بمسجد الهلالي إنشاء نقابة للباعة الجائلين تحميهم من بطش شرطة المرافق وتدافع عنهم ومن هنا بدأت الفكرة

س: ماهي الإجراءات التي اتبعتها لإشهار الجمعية، وهل واجهتك صعوبات في ذلك؟

ج: تقدمت في البداية بطلب إلى القوي العاملة لإنشاء نقابة تدافع عن الباعة الجائلين وأسرهم، بعد أن أجريت دراسة ميدانية لمدة 8 شهور، حصلت خلالها على موافقة نحو 75% من الباعة المتجولين والمقدر عددهم بنحو 750 بائعا متجولا بمدينة أسيوط. ولكن وكيل الوزارة أخبرني وقتها أنه لابد من إشهار جمعية أولا، فتوجهت إلى وكيل وزارة التضامن الاجتماعي، وعندما أخبرته بالفكرة رحب بها. وسرت في إجراءات الإشهار حتى يكون للباعة الجائلين مظلة قانونية يحتمون بها، ثم بعد ذلك بدأت الجمعية خطواتها الأولي لتفعيل أهدافها وأهمها إنشاء سوق للباعة الجائلين. وتوجهت وقتها إلي الغرفة التجارية التي قامت بالمساعدة في الأمر من خلال توفير تصميمات المشروع لعرضها على المحافظ لتنفيذ سوق لتسكين الباعة به، وأحب أن أقول أنه لم تقابلني أية صعوبات خلال فترة إشهار الجمعية، وكل المسؤولين كانوا متحمسين للفكرة باعتبار أنها الأولى من نوعها في مصر، ولكني أطالب المحافظ الجديد بضرورة الإسراع في اتخاذ قرار لاستكمال مشروع السوق لخدمة الباعة الجائلين، والذي من المنتظر أن يتم على أربعة مراحل لإنشاء 600 كشك تقريبا لتسكين الباعة فيها ممن يبيعون الخضروات والفاكهة والخردوات وغيرها.

 

س: وماذا عن بائعي المأكولات والمشروبات من الباعة المتجولين؟ هل لديك فكرة خاصة بهم؟

ج: نعم فإذا سمحت لي الدولة سوف أقوم بتطبيق النموذج التركي عليهم، من خلال تخصيص “فاترينة ألمونيتال” بترخيص من الحي والإدارة الهندسية التي يتبعها البائع، يتم السماح له بوضعها وتثبيتها على ناصية شارع أو حارة، على أن يتم تحصيل رسوم منه مقابل ذلك، فضلا عن التأمين على حياته وعلى صحته، ومن هنا نضمن نظافة المنتج المقدم منه، بالإضافة إلى الحفاظ على صحته.

س: ما هي الأهداف الأخرى التي تم إشهار الجمعية من أجلها؟

ج: بالطبع توفير الحماية القانونية لأعضاء الجمعية من خلال مستشار قانوني يدافع عن الأعضاء في القضايا التي تقع عليهم من قبل الشرطة أو غيرها، فضلا عن أهداف أخرى تنموية مثل إنشاء مشغل للفتيات يعمل فيه بنات الباعة الجائلين، وتقديم مساعدات مادية وعينية للأعضاء، وقروض ميسرة للمتعسرين، ومنح دورات حاسب آلي لأبناء الباعة الجائلين، وتنظيم دوريات رياضية، وإنشاء مكتب لتحفيظ القرآن الكريم، وفصول محو أمية، وكفالة أيتام وغيرها من الأهداف التي تخدم صالح أعضاء الجمعية.

س: كم وصل عدد أعضاء الجمعية؟

ج: وصل أعضاء الجمعية نحو 310 عضوا، من إجمالي 750 بائعا متجولا بمدينة أسيوط، وبالمناسبة العضوية لدينا في زيادة مستمرة، فكلما يسمع بائع عن الجمعية وأنشطتها يطلب الانضمام إلينا فورا.

س: كيف كانت تتعامل شرطة المرافق اليوم مع الباعة الجائلين؟

ج: تعامل الشرطة مع الباعة لم يتغير بعد الثورة، ومن الممكن أن يخلق “بوعزيزي” في كل محافظة، بمعنى أن ضابط المرافق كان كل يوم يأتي، ويقوم بتغريم البائع المتجول 50 جنيها في الوقت الذي لم يكن فيه قد باع بـ50 قرشا، وهو لازال يحدث الآن، غير أن الغرامة زادت إلى 1200 جنيه.

س: كيف يتم حل مشكلات الباعة المتجولين في أسيوط ومصر؟

ج: هناك عدة سبل لحل مشكلات الباعة الجائلين أهمهما توفير أسواق آدمية تليق بهم كما سيتم في أسيوط بشارع التحكم المركزي بحي شرق أسيوط، حيث من المنتظر إنشاء سوق “القيصرية الجديدة” بإشراف من الغرفة التجارية لتوفير عدد كبير من الأكشاك لصالح الباعة المتجولين بالمحافظة، فضلا عن إعادة العقوبة المقررة على الباعة الجائلين في القانون رقم 11من القانون 33 لسنة 1975، والتي كانت مقدرة بمبلغ 50 جنيها وشهر سجن مع إيقاف التنفيذ، لا بعد تغليظها مؤخرا، حتي وصلت إلى 1200 جنيه و3 شهور سجن نافذة، علاوة على ذلك تحسين المعاملة من قبل ضباط المرافق مع الباعة المتجولين.

س: ما رأيك في فكرة سوق اليوم الواحد الذي تريد المحافظة إنشاءه؟ وهل تعتقد أنه سوف يحل مشكلة الباعة الجائلين؟

ج: السوق سوف يفشل مثلما فشل السوق القديم بمنطقة الحمراء بحي شرق أسيوط، ولابد من دراسة أسباب فشل السوق القديم والتعلم منها، حيث أن سبب فشل السوق القديم كونه أنه في منطقة نائية لا بيع فيها ولا شراء مما يعرض البائع للخسائر، ويتسبب في هروبهم ونزولهم إلى الشارع مرة أخرى. هذا السوق لن يحل مشكلات الباعة الجائلين بل سوف يزيدها، لأنه سوف يعمل على ركود كميات كبيرة من الخضروات والفاكهة لديهم، ولا يستطيعون التصرف فيها مع انتهاء السوق في نفس اليوم، مما يتسبب لهم في خسائر فادحة، فضلا عن توقفهم عن العمل باقي الأسبوع.

س: ما هي الرسالة التي تريد توجيهها للمسئولين في النهاية؟

ج: أوجه رسالة إلي الدكتور يحيي كشك محافظ أسيوط، استعجله فيها بإصدار قرار تنفيذ سوق الباعة الجائلين، مساعدة منه في إنهاء مشكلات الباعة، فضلا عن إنجاح خطة المائة يوم للرئيس مرسي التي تقضي بالقضاء على أزمة المرور والعشوائيات، وبالطبع فإن الباعة يمثلون عائقا لشرطة المرور والمرافق، بسبب تواجدهم في الشوارع، وعليه أقول له “نحن نريد مساعدتك فنرجو أن تساعدنا لتحقيق مطالبنا”.