تمتد مزارع الطماطم في منطقة الواحات جالو وأوجلة (370 كلم جنوب غرب بنغازي ) بين حقول النفط والغاز على مساحة تصل إلى 6000 هكتار، وتنتج سنويا 500 ألف طن من محصول الطماطم، الذي يبدأ موسمه في شهر سبتمبر ويستمر إلى شهر مارس،فيما يعرف بـ”العروة الشتوية”.
ويقوم المزارعون بتصدير محاصيلهم إلى مناطق الشريط الساحلي الليبي بدءاً من طبرق شرقاً حتى الزاوية غرباً، مروراً بسرت ومصراتة وطرابلس، حيث تتسبب كميات الأمطار هناك في فساد محاصيل “الزراعة المفتوحة” لذا لا تنجح زراعتها إلا في مناطق محددة من ضمنها منطقة الواحات.
لكن الخطر الذي يهدد دوران عجلة الاقتصاد من خلال زراعة الطماطم في المنطقة هو الآفات الزراعية التي تهاجم الجزء الخضري وساق النبات وثماره وبخاصة فراشة (التوتا أبسلوتا)، إلى جانب أمراض فطرية أخرى تفتك بأوراق النبتة وأغصانها، ما يسبب الإضرار بالثمار فتصبح مجوفة وشبيهة بالإسفنج وغالبا ما تكون مكمنا لنمو الحشرات والفطريات، وهنا ينبغي استخدام المبيدات!.
لا يبدو الأمر بهذه السهولة ، فالمزارعون يخشون استخدام المبيدات مجهولة المصدر لأنها “قد تتسبب في الأمراض السرطانية”، بالرغم من حرصهم “على انتهاء المدة الزمنية اللازمة قبل جني المحصول” بل يعطون مدة إضافية من “باب الاحتياط”!.
يشرح مفتاح ماقيق (مهندس زراعي) لـ”مراسلون” جانبا من المشاكل التي تعيق زراعة الطماطم في المنطقة: “هناك آفات حشرية تصيب الجزء الخضري والإنتاج مثل الدودة الخضراء وفراشة التوتا أبسلوتا التي تصيب الثمار والأوراق، و دودة النيماتودا التي تسبب انتفاخ الجذور وهناك أيضاً الذبابة البيضاء”.
يواصل ماقيق “هناك آفات اخرى فطرية مثل الندوة المبكرة والمتأخرة وهناك التقزم ومرض الذبول وهي تصيب الجزء الخضري من النبات، هذا إلى جانب الأمراض الفيروسية التي تسبب تجعد الأوراق”.
لا يمكن الاستهانة بهذه الآفات فمزرعة مساحتها 50 هكتاراً تنتج الطماطم يمكن أن تنتهي بالكامل خلال أسبوع واحد ، وهو خطر حقيقي يقضّ مضاجع المزارعين.
يضيف المزارع سالم بوقبول (53 عاما) أحد المتضررين من هذه الآفات “تصل نسبة الخسارة في محصول الطماطم المصاب بالتوتا أبسلوتا إلى 90%، وخسرت مزرعتي الموسم الماضي ما قيمته 90 ألف دينار وهناك مزارع خسرت 275 ألف دينار بسبب الآفات”
سبب هذه الخسائر يقول بوقبول هو عدم رغبة التجار في شراء الطماطم المصابة رغم أنها صالحة للاستهلاك، ولكن التاجر يعلل أن الزبائن يهربون من شراء الثمرات المصابة عند رؤيتها.
لا يمكن الجزم بنجاح المبيدات إن توفرت في القضاء على الآفات بشكل تام ، وهذا بدوره أسهم في نقص الإنتاج مؤخراً، لدرجة أن الثمار المصابة أو صغيرة الحجم الخالية من البذور يمكن مشاهدتها وهي تباع في الأسواق اليوم.
كان المزارعون يتصدون لهذه الأمراض والآفات، قبل أحداث فبراير 2011، باستخدام المبيدات والأدوية الفرنسية والأمريكية مضمونة المصدر، بحيث يرشّ المحصول مرة واحدة كل 15 يوماً، لكنهم اليوم يحصلون على المبيدات من شركات صينية وهندية لا يضمنون مصادرها بشكل دقيق “لعدم وجود جهات مختصة بالكشف والاختبار وضمان الجودة”.
يقول سالم “حاليا نستخدم معالجات “الاينو والبروسلي” وهي من مصادر جيدة إلى حد ما، لكن هناك أدوية لا تؤثر في بيض الحشرات والديدان، ونحن لا نملك خياراً غير الاستمرار في مواجهة تلك الآفات بهذه الطريقة وإلا هلك المحصول بكامله.
“حالياً تشترى المبيدات من السوق السوداء وهناك مبيدات ممنوعة عالمياً لأنها تسبب أضراراً في حال استخدامها دون ضوابط صارمة تتعلق بالزمن، ولا توجد جهات رقابية تستورد المبيدات المضمونة ولا جهات تختبر ما يدخل البلاد من مبيدات” يضيف المهندس ماقيق.
يقترح المهندس مفتاح ماقيق أن “ينشأ مصنع لتعليب الطماطم بحيث يستفاد من الطماطم المصاب جزئياً، وخاصة لو كانت الإصابة عبارة عن نقص عنصر أو تشوه الثمار خارجياً فقط ولا يوجد داخلها حشرات.
لكنه يستدرك مضيفاً “طالبنا بإنشاء مصنع منذ عام 2002 ووافقت أمانة الزراعة حينها، لكن لم يتم التجاوب بشكل فعلي، والآن الظروف أصعب من السابق من حيث ثبات القطاع وجاهزية الدولة لمثل هذه المشاريع “وهذا أمر محبط”.
أما من حيث الطلب فيؤكد المزارع بوقبول أن “الطلب على المحصول في ازدياد ونكاد نعجز عن تغطية متطلبات السوق، لكننا نتوجس من الآفات وطرق مكافحتها المتاحة لنا، والأمر يحتاج دراسات دقيقة”.
حتى لو لم تتمكن الدولة من إنشاء مصانع للاستفادة من محصول الطماطم المصاب، يبقى وضع لجان مختصة لمراقبة المبيدات هو وسيلة الإنعاش الأسرع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من محصول الطماطم الواقع بين فكي كماشة.