صدر أول قانون لإنشاء التعليم الجامعي محلياً في العام 1955 لتكون ليبيا خامس قطر عربي به تعليم جامعي وطني وتأسست بموجبه الجامعة الليبية في بنغازي، غير أن التشريعات التي توالت في الصدور لتنظيم هيكليتها زادت من عدد الجامعات وفروعها.

ففي العام 1970 كانت في ليبيا جامعة واحدة عامة أساسية وأربعة معاهد بالاضافة للجامعة المفتوحة، ووصلت في العام 1980 لـ 11 جامعة والجامعة المفتوحة و15 معهد ومركز خاص، وعام 1995 كان عدد الجامعات 11 و54 معهد ومركز خاص بالاضافة للجامعة المفتوحة، وفي عام 2010 تراجع عددها ليصبح 7 جامعات، بعشرين جامعة أقسام (فروع في بلدات صغيرة)، وبعد الثورة وحتى عام 2017 أصبح بليبيا 24 جامعة حكومية.

اعتبارات ديمغرافية وجغرافية

ناقشت إحدى الورقات المقدمة في “المؤتمر العربي حول التعليم العالي وسوق العمل” في العام 2010 أوضاع الجامعات الليبية بين الانتشار الأفقي ومتطلبات الجودة وسوق العمل وبحسب الورقة التي قدمها إثنان من المختصين “حسين مجاهد وخالد غومة” والتي أيدت التوسع الأفقي للجامعات مبينة أن نجاح التعليم العالي مرتبط بعدد وتوزيع الجامعـات، مع المحافظة على توازن بين الانتـشار الأفقـي المتـضمن للاعتبارات الجغرافية والديموغرافية من جهة، والعدد المثالي للجامعات من جهة أخرى، وذكرت الدراسة أنه في أحيان كثيرة يطغى أحـد الاعتبـارات على الآخر، بسبب المساحة الشاسعة لليبيا وعدم تجـانس الكثافـة البشرية وتباين احتياجات المناطق المختلفة من مخرجات الجامعات كماً ونوعاً، لذا توجب إعادة ترتيب توزيع الجامعات على اعتبارات الجغرافيا والديموغرافيا والاقتصاد والاجتمـاع.

وتنفيذا لقرار وزارة التعليم رقم 308 لـسنة 2005م بشأن تنظيم زيادة عدد الجامعات تم اعتماد 16 جامعة مستقلة منها 6 ذوات طبيعة خاصة، واقتضت هذه الخطة أن أصبحت كل جامعة أقسام وفق النظام السابق فرعـاً للجامعـة الأساسية التي تتبعها بحيـث أصبحت جامعات الأقسام تتبع الجامعات الأساسية إدارياً ومالياً وأكاديمياً، وذلك حسب الموقع الجغرافي.

ويرى مجاهد وغومة أنه لانجاح هذه الخطة يجب أن يتم توزيع الكليات والأقسام العلمية بمراعاة أن لا يوجد قسمين علميين متماثلين في فرعين مختلفين من نفس الجامعة، وأن يُتبنى السياق التناوبي بين الأقسام العلمية في فروع الجامعـة الواحـدة، مع ترشيد إنشاء الكليات والأقسام المكلفة كالكليـات الطبيـة وبعـض الأقسام الهندسية والتي ترهق كاهل الخزانة العامة دونمـا مبـرر، إذ لا يفـصل بـين مجموعة من كليات الطب البشري سوى 100 كم في بعض الجامعات.

تشريعات عشوائية

كان عدد الجامعات الليبية في العام 2010 حسب قرار 149 لوزارة التعليم العالي بشأن إعادة هيكلة الجامعات سبع جامعات بمختلف مناطق ليبيا، ثم أصبحت تسع جامعات بعد فصل جامعة المرقب عن جامعة مصراته، وجامعة الجبل الغربي عن جامعة الزاوية، بالإضافة إلى ثلاث جامعات ذات طبيعة خاصة، وهى جامعة ناصر “سابقا” الزيتونة حالياً، والجامعة الأسمرية، والجامعة المفتوحة، مع حلول العام 2013 أصبح هناك 13 جامعة حكومية، و211 كلية.

خلال مرحلة ما بعد 2014  دخلت البلاد في حالة حرب، وأصبح هناك حكومتان، وهذا كان يعني بالضرورة وجود وزارتي تعليم، تتولي كل منها الإشراف على المؤسسات التعليمية الواقعة في نطاقها، سواء أكانت بالمنطقة الشرقية أو الغربية، فتم تأسيس حوالي 11 جامعة  حكومية، دون مراعاة لأية ضوابط أو معايير، وبمخالفة لقانون التعليم رقم 18 لسنة 2010 والذي يُلزم مجلس الوزراء، ووزارة التعليم عدم إصدار قرار تأسيس أي جامعة قبل قيام المركز الوطني لضمان الجودة بالتأكد من القدرة المؤسسية للجامعة على استيعاب الكليات واقسام العلمية الموجود بها.

مع حلول سنة 2017 أصبح هناك 24 جامعة حكومية غير ملتزمة بالشروط والمواصفات في المباني ومرافق الجامعية مما أدي إلى انتشار الكليات بشكل عشوائي وغير مدروس.

حاجة لتغيير شامل

خاطبت وزارة التّعليم العالي في العام 2012 رؤساء الجامعات لوضع استراتيجية للتّعليم العالي إلى غاية 2030 مشتملاً على خطّتها الخمسيّة الأولى إلى نهاية 2017م والتي توقف العمل بها بسبب الإنقسام السياسي، مراسلون إلتقى الأستاذ الجامعي موسى ارحومة رئيس لجنة التعليم العالي والذي صرح بأن المؤسسات الجامعية تعاني من تدن في أداء الجامعات وضعف في مستويات التحصيل الدراسي للطلاب، وكذلك أعضاء هيأة التدريس الذين لا تنطبق على نسبة كبيرة منهم أدنى المعايير.

وانتقد تقرير اللجنة عشوائية التنظيم الهيكلي للتعليم العالي، والاضطراب التشريعي والإداري، وضعف البنية التحتية ومتطلبات العملية التعليمية، “تزداد الأمور تفاقما في كليات الفروع التي تشكل عبئا إضافيا على التعليم العالي بانتشارها غير المدروس وتكدس الطلاب بأقسام علمية دون أخرى”  هكذا وصف ارحومة توسع الجامعات.

ورأت اللجنة ضرورة إعادة النظر في الانتشار غير المرشد للكليّات وفروع الكليات، وإذا كان لابد من الإبقاء على البعض منها، فيجب توفير المتطلبات الضرورية للتّعليم العالي، وفي مقدمتها المبنى التعليمي المناسب، والمختبرات العلمية المجهزة، والمكتبات الجيدة.

الأستاذ حسين سالم مرجين رئيس الجمعية الليبية للجودة والتميز يرى أن التوسع الأفقي للجامعات الليبية تسبب في تردي جودة التعليم في معظم الجامعات “هناك إذعان لدى الإدارة العليا للجامعات للمشاكل الاجتماعية، دون الاستناد إلى اُسس علمية، وزاد عدد الجامعات كجزء من الترضية السياسية لبعض المناطق والقبائل”، كما أرجع مرجين تدني التحصيل المعرفي، لضعف القدرات التحليلية والابتكارية، وعدم استخدام التقنيات الحديثة بقوله “لا يمكن إحداث تغيير عميق وشامل في المجتمع، ما لم تتوفر مخرجات مؤهلة أكاديميا وفنياً، مؤمنة بالتطوير والتغيير وقادرة على أدائه”.

تنوع مدني

حسام الثني أستاذ متعاون في فروع جامعة قاريونس أكد عدم استعداد البلدات الصغيرة تقنيا لاحتضان العملية التعليمية بسبب ضعف الامكانيات في المعامل والبنية التحتية للجامعة، ويرى أن سكان هذه البلدات شكلوا قوة ضاغطة على الدولة لإنشاء فروع بأكثر عدد من من الاقسام إجتماعيا لتجنيب أبنائهم وبناتهم على وجه الخصوص الذهاب للدراسة في مدن غير بلداتهم.

يعتقد الثني بأن الحل يكمن في التركيز على المعاهد التقنية في البلدات، وأن تكون الجامعات في المدن الكبرى مع إشتراط وجود مواصلات وسكن داخلي للطلاب، حيث أن تنقل الطلاب من أقصى الشرق لأقصى الغرب ومن الجنوب للشمال والعكس يساهم في خلط السكان ويحافظ على التنوع المدني، ”الاساتذة يرتاحون لعدد قليل من الطلاب وهذا ما نجده في عملنا في الفروع، لكننا نواجه فنيين غير مدربين في المعامل”،  ويخبرنا أن سكان القرى لا يقبلون وجود الغرباء وهذا ينعكس سلبا على الأدوار الأخرى للأستاذ كخبرته التربوية ومهاراته في إدارة المؤسسة التعليمية.

مدير إدارة شؤون الجامعات بوزارة التعليم الأستاذ جمال فردغ يبرر استحداث جامعات وكليات جديدة بسبب الظروف التي تعيشها البلاد من عدم استقرار وغياب الأمن، حيث أن كثير من الطلاب لا يمكنهم الوصول للجامعات التي يدرسون بها، وكذلك الموظفين وأعضاء هيئة التدريس يصعب عليهم الذهاب لمقرات أعمالهم، “اضطرت الوزارة استثنائيا للموافقة على استحداث بعض الجامعات والكليات، والتي  لا تستوفى الحد الأدني من شروط معايير الجودة ومعايير استحداث الكليات والاقسام”، وبحسب فردغ فإن الأمر يزداد سوء بسبب عدم صرف ميزانيات للجامعات منذ 3 سنوات، ما أثقل المؤسسات التعليمية بإلتزامات كبيرة تجاه الجامعات والاحتياجات التي تتطلبها الكليات ،والعملية التعليمية.