بدأت رحلة “مراسلون” للبحث عن إجابة لهذا السؤال بالذهاب لدار توجيه وتربية الأحداث الموجودة بمدينة سوسة (30 كيلومتر شرقي مدينة البيضاء)، والتي تفاجأنا بوجود عائلات تسكنها، وأنها لم تعد داراً للأحداث.

تعرضت دار سوسة للاقتحام من قبل عدد من المواطنين في بداية الثورة ومنذ ذلك الوقت يتم استغلالها في السكن من قبل بعض الأهالي، وتواجه النيابات الواقعة في الحدود الإدارية للدار من امساعد حتى المرج (شرق بنغازي) مشكلة عدم وجود دار للأحداث لحبسهم احتياطياً أو لتنفيذ عقوبات جنائية صادرة ضدهم، أو لتأمين حياتهم في حال ارتكابهم جنايات قتل.

غرفة في قرنادة

الأمر الذي اضطر نيابة البيضاء لتخصيص غرفة للأحداث – بلغ عدد قاطنيها أثناء كتابة التقرير 35 حدثاً –، يقيمون جميعهم بغرفة داخل سجن قرنادة الرسمي في نفس مبنى إيواء البالغين، أما النساء فلا يوجد مراكز إيواء لهن، “أصدرنا أكثر من مرة قرارات للإخلاء، إلا أنها لم تنفذ من الجهات الأمنية” هذا ما قاله بأسف رئيس نيابة البيضاء الابتدائية شعيب بوكزيطة، موضحاً أن القرار تم الطعن فيه ليتحول الإشكال إلى منازعة أمام القضاء الإداري.

وتلجأ النيابة للبدائل بمنح “مركز شرطة مختص” الإذن بحبس الجانحين الأحداث احتياطياً، إلى حين تمام التحقيق، وذلك لحمايتهم من الاختلاط بالمحبوسين من الكبار، وعلق رئيس النيابة قائلاً “نحن نعلم خطورة هذا الأمر على القصر، لكن هذا أقصى ما يمكننا فعله”.

وبحسب رئيس نيابة البيضاء فإنهم ليسوا وحدهم المسؤولين عن تأمين دار لإيواء الأحداث وحمايتهم، وهو ما يدفعه للسماح للمنظمات الحقوقية الليبية والأجنبية بزيارة الغرفة المخصصة للأحداث بسجن قرنادة، “لتحسيس الجهات المسؤولة بتقصيرها”، فيما يلقي بوكزيطة اللوم على وزارة الشؤون الاجتماعية بقوله “في إحدى المرات تمكنت النيابة من إخلاء دار سوسة، لكن الشؤون الاجتماعية تباطأت في استلام المبنى، الأمر الذي مكن المواطنين من احتلال الدار مجدداً”.

حل بديل

كما لجأ القضاء لبديل آخر في الجرائم البسيطة التي يرتكبها الأحداث بالإفراج عنهم، منعاً لما قد يتعرضون له من أضرار أثناء سجنهم بطريقة لا تلائم أعمارهم، “راسلت الجهات المسؤولة سواء في طرابلس أو هنا، والجهات الحقوقية ووزارة العدل، إلا أن الأمر تم أخذه بلامبالاة وإهمال، لا يوجد من هو مهتم بالأحداث، ولا أماكن إيوائهم، ولا كل ما يتعرضون له من أذى” بهذه الجملة أنهى رئيس نيابة البيضاء حديثه معنا.

المحامي العام بمحكمة استئناف البيضاء صالح بوشيبة وصلاحياته تمتد من درنة حتى المرج أخبرنا أن هناك مساعٍ لإنشاء دار لتربية وتوجيه الأحداث في منطقة جردس (إحدى ضواحي البيضاء)، “ولا يزال الأمر مجرد فكرة”، وأوضح أنهم يطبقون القوانين المتعلقة بالإجراءات الخاصة بالأحداث، وأنهم يحرصون على وضعهم في أماكن معزولة بما يضمن عدم اختلاطهم بالكبار، كما أنه لديهم باحثين اجتماعيين في النيابات، يقومون بتقديم تقاريرهم فيما يخص الأحداث بإجراء دراسة اجتماعية تقدم للمحكمة يتم مراعاتها عند تقدير العقاب.

نشأة دور الأحداث

في العاصمة طرابلس كانت أماكن احتجاز الأحداث تتبع سجون الكبار حتى عام 1997 حيث أنشئت دار منفصلة واحدة للذكور وأخرى للإناث، وحدودها الإدارية من رأس اجدير غرباً حتى سرت شرقاً وجبل نفوسة ونالوت وغدامس جنوباً، وفي بنغازي كانت إصلاحية الأحداث للذكور ملحقة بسجن بنغازي المركزي، وانتقلت لمقر منفصل عام 2000 أما دار الإناث فمقرها مجمع الرعاية الاجتماعية ببنغازي منذ عام1997 وقبل هذا التاريخ كانت الأنثى المحكومة تنقل إلى طرابلس، وحدود دار بنغازي الإدارية من اجدابيا غرباً حتى المرج شرقاً والكفرة جنوباً، وفي مدينة سوسة دار تربية وتوجيه الأحداث تستقبل الأحداث ذكوراً وإناثا معاً، وهي موجودة بمقر المؤسسات الاجتماعية بسوسة منذ سنة 1996 وحدودها الإدارية من المرج غرباً حتى امساعد شرقاً.

حقائق صادمة

في عام 2005 نشرت منظمة هيومن رايتس وواتش تقريراً صادماً عن دار أحداث الإناث في بنغازي الموجودة ضمن مجمع يؤوي مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة وأحداثاً ذكوراً مدانون بجرائم، وتؤوي هذه الدار فتيات دون سن 18، وعندما زارت المنظمة الدار كان فيها خمس فتيات جرى إجبار أربعة منهن على الخضوع لاختبار العذرية بواسطة طبيب ذكر، فيما قالت ثلاثةٌ من الفتيات إنهن وقعن ضحية الاغتصاب أو محاولة الاغتصاب، وقد جرى إحضارهن إلى الدار من قبل عائلاتهن اللاتي لم يعدن يرغبن في إيوائهن.

ووفق التقرير فإن الفتيات في الدار “تعاملن معاملة البهائم، ويحتجزن ولا يغادرنها إلا بموافقة الأهل، ولا يقدم لهن أي تعليم باستثناء الإرشاد الديني، وقد اشتكت الفتيات من تعرضهن للضرب والعزل الانفرادي وتقييد أيديهن أحياناً أثناء العزل”.

دراسة ليبية

الدراسة التي قدمتها ليبيا عام 2008 بخصوص عدالة الأحداث لمكتب الأمم المتحدة المعني، خلصت لضرورة إصلاح أنظمة عدالة الأحداث بما يتلاءم مع المعاهدات، باعتبار ليبيا منضمة بشكل رسمي لاتفاقية حقوق الطفل منذ عام 1993، وانتهت الدراسة بوضع مشروع قانون للأحداث لم يُعتمد حتى الآن.

وقيمت الدراسة أوضاع دور توجيه الأحداث والإجراءات المتبعة في معاملة الحدث منذ بداية القبض عليه، حتى إحالته إلى النيابة العامة وتنفيذ العقوبة، وأكد التقرير أن المؤسسات تفتقر إلى سياسة متكاملة لعدالة الأحداث، بسبب قلة الإحصائيات الدقيقة، وعدم وجود جهة مرجعية لعدالة الأحداث للتعامل معهم.

وبينت الدراسة عدم وجود جهاز شرطة متخصص لمكافحة وضبط جرائم الأحداث وفق المواثيق الدولية فيما يتعلق بالمراقبة والتحري والاستيقاف والضبط والتفتيش وسماع الأقوال والإحالة إلى النيابة العامة، وأوصت بوجوب إنشاء نيابة خاصة بالأحداث بكل محكمة.

وذكر التقرير أن دور تربية وتوجيه الأحداث ليست قريبة من المحاكم المختصة، باستثناء الدار الموجودة بطرابلس، كما لا توجد مقار ملائمة في المناطق البعيدة والنائية لإيواء الأحداث، وانتقدت خلط نزلاء دار حماية المرأة بدار تربية وتوجيه الأحداث الإناث وما ينتج عنه من اختلاط بين الأحداث والبالغين، كما أن الدور لا تقدم الرعاية الصحية للنزلاء ولا تتابعهم بعد خروجهم من الدار.

تعديلات لم تنفذ

ووفقاً للتقرير الذي قدمته ليبيا إلى لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة في عام 2010، فقد أصبحت أحكام اتفاقية حقوق الطفل في ليبيا إلزامية، غير أن شبكة معلومات حقوق الطفل في تقريرها الصادر 2010 انتقدت الأمر بقولها “تمت مناقشة مسودة قانون عقوبات جديد عام 2007 حسب علمنا، إلا أنه لم يتم اعتمادها حتى الآن”.

ويعد الإعلان الدستوري المؤقت الصادر إثر سقوط نظام القذافي القانون الأعلى في ليبيا، وتنص المادة 7 منه على التزام ليبيا بالانضمام إلى المواثيق الدولية التي تحمي حقوق الإنسان، وتنتقد شبكة معلومات حقوق الطفل الأمر في تقرير أصدرته عام 2015 بالقول “لا توجد إشارة صريحة في الدستور المؤقت لطبيعة الالتزام وحالة الاتفاقيات الدولية مقارنة بالقانون الوطني أو الدستور، ولا أي توضيح كيف ستضمن هذا في حالة نشوب نزاع”.

كما جاء في التقرير أن لجان الشبكة لاحظوا أثناء متابعتهم لقوانين القصر في ليبيا أن العقوبات غير المتوافقة مع المواثيق الدولية وتلك المتعلقة بقانون القصاص والدية مثلاً، لا تطبق، إلا أن منظمات حقوق الطفل شددت على وجوب إلغاء تلك القوانين.