أُودع فتحي شاهين (49 عامًا) السجن بتهمة تهريب المخدرات، بعد أن تم القبض عليه صحبة مهربين آخرين في الصحراء الليبية على يد الدوريات الأمنية الصحراوية وأُحيل إلى النيابة العامة، لكن سيارة الدفع الرباعي التي كان يقودها لم يكن على متنها أية مواد ممنوعة، لأنه كان دليل الرحلة ويتقدم سيارات المهربين، مكث بالسجن ثلاثة أشهر على ذمة التحقيقات ثم أُفرج عنه لعدم وجود ما يثبت تورطه في التهمة المنسوبة إليه.
مبالغ باهظة
يقول شاهين الذي يسكن بضواحي مدينة طبرق (شرق ليبيا)، هوايتي صيد الصقور ومن خلالها تعرفت على الصحراء وأسرارها وتعلقت بها، وبتُ أفهم لغتها وطقسها ودروبها، كنت أمارس هوايتي موسمياً، حتى تعرفت على شخص ليبي عرض عليّ العمل بمكسب باهظ وسريع، وهو فقط أن أرافق سيارات تحمل بضائع، وأعبر بها كـ”دليل” حتى إيصالها خارج الحدود الليبية، واشترط عليّ عدم السؤال عن نوع الحمولة.
واستمر الحال على هذا المنوال وكنت أتقاضى مبلغاً يتراوح بين عشرة آلاف إلى خمسين ألف دينار ليبي في الليلة الواحدة، ويتفاوت المبلغ على اعتبار التوقيت وخط السير، حسب شاهين.
وعن خطر الوقوع في قبضة العدالة يقول لـ”مراسلون” إن قضايا المخدرات يختص فيها محامون ماهرون، صحيح أن أتعابهم باهظة، لكنهم يجيدون التلاعب بالثغرات، و يخرجونك منها “كالشعرة من العجين”.
حرفة خطيرة
التعامل مع تجار المخدرات “مهمة خطِرة قد تكلفك عمرك” يقول شاهين الذي يزعم أنه ترك هذه الحرفة، كون تاجر المخدرات يعتقد دائماً أن “الدليل” لا يمكن اصطياده، و لا يقع في شرك الدوريات الصحراوية، و أي تورط في يد الدوريات بالبضائع خيانة من الدليل – في نظر التاجر – خاصة إذا تم الإفراج عنه سريعاً، وهنا يصبح دمه مهدوراً، والأخطر من ذلك صعوبة التخلي عن هذه المهنة لأن تجار المخدرات يعتبرونك مُطلعاً على أسرارهم، و يجب القضاء عليك ليموت معك سرهم، لهذا فدليل المهربين “يحمل كفنه معه”.
ولم يكن فتحي شاهين الوحيد الذي امتهن هذه المهنة، لكنه ربما كان الأكثر حظاً في اتخاذا قرار العدول عنها، فالعشرات من الشباب تم جرهم من هواية الصيد في الصحراء إلى العمل في تهريب المخدرات، مثل خليل سليمان (45) عاماً الذي لقي حتفه في عملية قصف للطيران المصري على سيارته في الصحراء بالقرب من الحدود الليبية المصرية، وهو الآخر كان دليلاً، حسب محمود صالح صديقه المقرب الذي تحدث لـ”مراسلون”.
يقول صالح “لطالما قلت خليل إن عليه ترك هذه الحرفة كي لا يبقى هدفاً لرصاص الدوريات الأمنية، أو رهينة لدى العصابات التشادية أو السودانية التي تنشط في الصحراء، أو ضحية لقصف الطيران المصري الذي يحلق من وقت لآخر في الصحراء، ناهيك عن كونها تعد خيانة للوطن، لكن قدره كان المــوت في الصحراء”.
غياب الإرادة
“مكافحة التهريب ليست بالأمر المستحيل، لكنه صعب” حسب احمد الفرجاني رئيس العلاقات العامة والناطق الرسمي باسم مديرية أمن امساعد الحدودية، الذي قال لـ”مراسلون” إنه لا توجد إرادة حقيقية لدى الدولة للحد من هذه التجارة، “ربما من الصعب القضاء على التهريب بالكامل، لكن من الممكن الحد منه”.
وأكد الفرجاني أن الممرات والفتحات التي يستخدمها المهربون ازداد عددها بعد الثورة من 10 ممرات تقريباً لتصل الآن إلى حوالي 70 ممراً، كما أن الأساليب تغيرت، موضحاً أن مهام مكتب مكافحة المخدرات تتمثل في التحري والقبض والتحقيق والإحالة إلى النيابة العامة، وكثيراً ما يقع المحقق في أخطاء يستغلها المحامون كثغرات لصالح المهرب و تفشل القضية.
ويأسف الفرجاني من كون العمل في مكافحة تهريب المخدرات بشكل خاص والتهريب عامة “أصبح عشوائياً ويغيب عنه التنظيم”، ففي السابق كانت المنطقة الحدودية موزعة على مكاتب مكافحة التهريب مناطقياً حسب الفرجاني، فالمنطقة الممتدة من الحدود المشتركة مع السودان و مصر تحديداً عند جبل العوينات كانت من مهام مكتب المكافحة بمنطقة الكفرة وتصل حتى الحدود الإدارية الجنوبية لمنطقة الجغبوب، ومنها حتى الحدود الشمالية للجغبوب كانت من مهام مكتب مكافحة التهريب بالبحث الجنائي الجغبوب، ومنها حتى طبرق يختص بها مكتب طبرق.
هذا التوزيع المناطقي يقول رئيس العلاقات العامة “غائب حالياً، والدوريات تعمل عشوائياً، وبشكل ارتجالي، في محاولة للحد من تهريب المخدرات بقدر الإمكان ووفق الامكانيات”. موضحاً أن المهربين تتوفر لديهم إمكانات عالية وسيارات دفع رباعي حديثة، و هواتف ثُريا، بالإضافة للأدلاء المحترفين، وهذه تفوق إمكانات الأجهزة الأمنية.
كما إنه ثمة تحالفات بين تجار المخدرات والمهربين تعمل بشبكات نقل عالمية، تنشط بأساليب تختلف بعض الشيء بين مختلف البلدان، حسب اعتبارات الأوضاع الأمنية والجغرافية لكل بلد، وفقاً لكلام الفرجاني.
من المؤبد للإعدام
يقول وكيل النيابة إبراهيم سالم في حديثه لـ”مراسلون” إن عقوبة الاتجار وجلب المخدرات في القانون الليبي تصل إلى الإعدام، وتفصيل ذلك في القانون رقم (7) لسنة 1990 بشأن مكافحة المخدرات وهو قانون خاص، و يحيلنا إلى القانون العام في مادته 169، التي تنص على العقاب بالسجن و غرامات متفاوتة إذا وقعت في زمن السلم، والسجن المؤبد إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب، وإذا وقع الضرر بالفعل تكون العقوبة الإعدام.
ويؤكد سعيد أن النيابة العامة لا تتعامل إلا مع القضايا التي تأتي من جهات لديها صفة مأمور الضبط القضائي.
المخدرات التي تجد سوقاً رائجاً في المشرق العربي يصعب منعها، أو الحد منها في الصحراء الليبية إذا ما تدفقت من المغرب العربي المعروف بإنتاجها، وتبقى الأموال الباهظة التي يجنيها المهربون هي التي تحكم الصحراء، و تبسط قوتها على سلطة الدولة.
وفي هذه الأجواء التي لا لغة مسموعة فيها إلا لغة المال والسلاح، يبقى الحلم بالكسب السريع طعماً يبتلعه معظم هواة الصحراء، متوهمين أنهم يعيشون على هامش الجريمة غير مشاركين فيها.