“بعد أن تلاشت كل فرص الزواج أمامي، رضيت أن أخوض تجربة زواج مختلط رغم التحذيرات، إلا أن زوجي اختفى فجأة بعد ثمان سنوات من الزواج دون أن يخبرني بمكانه أو سبب رحيله” بهذه الكلمات بدأت مبروكة حسين (42 عاماً) حديثها لـ”مراسلون”.

اختفى فجأة!

مبروكة أم لثلاثة أطفال من زوجها المصري الذي كان يعمل في البناء، وكانت تحلم بالعيش معه في كنف أسرة تضمن لها المستقبل، تزوجت عام 2009 عندما بلغت 35 عاماً من فريد الذي يكبرها بعشرة أعوام، “أنا من اللواتي تخوفن فعلاً من شبح العنوسة عند تقدمي في العمر”.

بمعرفة عمها تقدم إليها فريد الذي لم يعرفوا عنوان سكنه في مصر ولا أية معلومات شخصية عنه إلا ما حدثهم به، “مرت كل ظروف الخطبة والزواج بسرعة البرق ولا تسألني كيف تم كل ذلك”، وتتابع الأربعينية وهي تحبس دموعها “نعم  كنا أسرة، وأصبح الآن أطفالي بدون أب”.

لا تعرف مبروكة اليوم كيف تصنف وضعها، تقول “هل أنا مطلقة؟ أم أرملة؟ أم ماذا؟!” فهي تحتاج هذا التصنيف كي تحصل على معاشها الأساسي من صندوق الضمان الاجتماعي، ولكن المشكلة الأكثر تعقيداً هي وضع أطفالها غير المسجلين حتى هذه اللحظة، فزوجها لم يتم إجراءات تسجيلهم ولم يترك لها عندما هجرها أية أوراق ثبوتية تحفظ على الأقل نسب أطفالها البالغ عمر أكبرهم 7 أعوام.

“أتحمّل النتائج”

على خلاف مبروكة وما تعانيه من إحباط، التقى “مراسلون” بأمل (40 عامًا) ــ وهو اسم مستعار اختارته لنفسها ــ، والتي تبحث بإصرار وتحدٍ عن أي مخرج قانوني ينصفها وأبناءها بعد رحيل زوجها قبل ثلاث سنوات من الآن.

تقول لــ “مراسلون” إنها تزوجت في الخامسة والعشرين من عمرها عام 2002، من شاب جزائري يُدعى حمادي،  كان يعمل في مخبز في وسط المدينة بطبرق، تعرفت عليه من خلال قريب لها واتفقا على الزواج، واشترطت عليه إتمام كافة الإجراءات والحصول على الإقامة، وبالفعل أتم كل إجراءاته القانونية “وأتممنا الزفاف”.

استمرت حياة الزوجين بشيء من الاستقرار وأنجبا طفلين حسب كلام أمل، ولكن تعثر تسجيلهما بسبب عدم المصادقة على عقد الزواج في سفارة بلاده، ومن هنا بدأت معاناة الزوجة.

تقول أمل إنها تقدمت إلى مكتب الأجانب بمصلحة السجل المدني بالمدينة، وتحصلت على شهادات ميلاد لأطفالها، وعند بلوغهما سن المدرسة ألحقتهما بمدرسة خاصة، وتدّرجا فيها إلى مرحلة الشهادة الابتدائية، لكن العثرة كانت في عدم حصولها على “الرقم الوطني” – وهو رقم يعطى لكل ليبي لإثبات جنسيته الليبية –، الأمر الذي بات عثرة في طريق تعليم أطفالها، حيث تشترط إجراءات الشهادة الابتدائية تقديم الرقم الوطني للأم حين يكون الزوج أجنبياً.

وبعد إلحاح كبير من أمل وأهلها لإتمام الإجراءات القانونية هرب حمادي ولم يعد، تاركاً زوجته و طفليها وكل ما يربطه بهم، وحتى هذه اللحظة لا تعرف أمل مكان زوجها، “ولكني أتحمل هذه النتائج، فالزواج كان قراري”.

إجراءات ناقصة

حالات مثل أمل ومبروكة منتشرة في ليبيا حسب كلام مدير مكتب شؤون العائدين والأجانب غانم عبد العالي عيسى لـ”مراسلون”، فحسب قوله إن عدد الليبيات المتزوجات من أجانب وفق سجلات مصلحة السجل المدني في طبرق بلغ (1381) امرأة، 6 ٪ تقريباً من هذا العدد يعانين من مشكلة اختفاء الزوج.

معظم هؤلاء النساء يعجزن عن تسجيل أبنائهن بشكل رسمي لأن أغلب الأجانب المقيمين في ليبيا لا يملكون وضعاً قانونياً سليماً، ودائماً هناك مشكلة في الإقامة أو تأشيرة الدخول أو عدم وجود جواز سفر ساري المفعول لدى الزوج، وبسبب عدم إتمام إجراءات الزوج يعجزان عن إصدار ورقة عائلة وبالتالي حصول الزوجة على رقم وطني يضمن لها حقوقها.

إضافة إلى ما ذكره عيسى تؤكد كريمة موسى وكيل نيابة النقض بالمحكمة العليا أن القانون الليبي إلى الآن لم يسن أية قوانين تنظّم زواج الليبيات من غير الليبيين، فالزواج في مثل هذه الحالات يتم عن طريق موافقة قاضي الأمور الوقتية، بعد تقديم بحث اجتماعي من الضمان الاجتماعي، وبالتالي فإن الأبناء يكونون في نظر القانون أجانب، ويتم تسجيلهم في سجلات الأجانب بمصلحة السجل المدني.

وحسب كلام وكيلة النيابة فإن القانون الليبي يسعى إلى “التقليل من حالات الزواج من أجانب عن طريق فرض ضرورة الحصول على الموافقة من المحكمة بعد تقرير الضمان الاجتماعي”.

هوّة ثقافية

اجتماعياً ترى أستاذة علم الاجتماع وقضايا المجتمع بجامعة طبرق سالمة عبدالله أن هناك أسباباً عديدة تؤدي إلى اختفاء الزوج الأجنبي، منها نظرة المجتمع لأبناء الأجنبي داخل نطاق أسرة الزوجة، بالإضافة إلى اضطهاد الزوج و شعوره بالدونية من قبل المحيط الذي يعيش فيه مع زوجته.

وتضيف عبد الله أن موافقة الأسرة على زواج ابنتها من أجنبي تأتي “خوفاً من وقوع الفتاة في براثن الانحراف، وخاصة المطلقة، وغالباً ما لا يتم فيه التحقق من هوية الزوج”، مؤكدة أن سجلات وزارة الشؤون الاجتماعية تعج بالكثير من ضحايا الاختفاء المفاجئ الزوج.

ويعزز السلوك الاجتماعي الرافض للزوج الأجنبي القصور القانوني في التعامل مع هذه الحالات، حيث لا زال الرفض ومحاولة المنع والتشفي من النتائج هو الشعور السائد عند الحديث أو التعامل مع الزوجات اللاتي اخترن الزواج من جنسية أخرى.

مغتربات في الوطن

المشاكل الكثيرة الناتجة من زواج الليبيات من الأجانب، جعلت الزوجات يسارعن للتسجيل في جمعية “مغتربات في الوطن”، وهي جمعية أسستها أرملة ليبية لزوج مصري عام 2013، ويقتصر نشاطها على مساعدة هذه الشريحة من النساء، وتحاول تذليل الصعاب أمامهن وحمايتهن من التعنيف، والمطالبة بحقوقهن مستفيدة من تجربة رئيستها الشخصية التي عاشتها بعد وفاة زوجها.

تقول جيهان محمود رئيسة الجمعية إن المسجلات بالجمعية حتى الآن وصل عددهن إلى 1350 زوجة، منهن الأرامل والمطلقات، ومن بينهن من اختفى عنها زوجها، بالإضافة إلى من يعشن حياة طبيعية، وهو رقم قريب من الذي ذكره مدير مكتب شؤون العائدين.

الجمعية التي تتخذ من مدرسة بمدينة طبرق مقراً لها  تشمل خدماتها المقدمة بحسب جيهان “استشارات قانونية و نفسية، إلى جانب لقاءات دورية لتشجيعهن على التعبير عن مطالبهن بشكل يليق بحجم القضية”.

وتختتم جيهان حديثها مع “مراسلون” بقولها “لا يجب أن يكون الدافع للزواج مصلحة وقتية، ينهار بمجرد قضائها، فالمرأة إنسان قبل أن تصنف وفق الجنسية”.

يظل تخبط الدولة في تشريع قوانين صريحة وواضحة لزواج الليبيات من أجانب و ما لهن وما لأبنائهن من حقوق مثاراً للجدل، لا يمنع القانون هذا الزواج، ولا يكفل له الحقوق، لهذا تتحول أمثال مبروكة وأمل إلى مغتربات في وطنهن فقدن أبسط حقوقهن لمجرد قرارهن إكمال حياتهن بشكل طبيعي دون عقد.