في الأزقة الملتوية والضيقة التي تشق المدينة العتيقة بقلب العاصمة التونسية تسكن عائلات بيوتا قديمة لا تكشف حاليا حالتها المتردية عن قيمتها التاريخية.
تعاني تلك البيوت من التصدع نتيجة الإهمال حتى أن بعضا منها تهاوت أجزاءه فبات يشكل خطرا على ساكنيه المتمسكين بالبقاء فيها لأنها جزء من ذاكرتهم.
بين هؤلاء الساكنين التونسي حمادي الذي ورث منزلا قديما عن والده في “نهج الباشا” أحد أشهر الأماكن الذي مكث فيه الكثير من الأعلام السياسية والثقافية.
ذاكرة مهددة
يقول حمادي لـ”مراسلون” إنه لا يستطيع إخلاء منزله رغم أن إحدى الغرف تهاوى سقفها الخشبي منذ فترة وأصبحت تنذر بوقوع كارثة لاسيما مع هطول الأمطار.
تعم رطوبة شديدة أرجاء المنزل ذو الأرضية المزركشة التي تلاشت ألوانها وأشكالها الجميلة بفعل الإهمال وعدم قدرة مالكها على الإنفاق على ترميم مسكنه.
ورث حمادي هذا المنزل العتيق عن والده وتقاسمه مع شقيقه المقيم بالجزء العلوي الذي لا تختلف حالته كثيرا عن حالة الجزء السفلي.
لا يقدر حمادي ككثير من الأسر على ترميم منزله رغم أن السلطات تقول إنها تمنح مساعدات لمن يرغب بذلك حفاظا على رمزية المدينة العتيقة.
بمقربة من منزل حمادي تسكن الحاجة لطيفة وحيدة بمنزل تروي جدرانه المتهاوية الكثير من الذكريات البعيدة حيث انتظمت السهرات والحفلات والأعراس.
أما اليوم فقد أصبح منزلها القديم فاقدا للحياة بسبب ألوان جدرانه ونوافذه وأبوابه الباهتة، فلا شيء يوحي بأن هناك من يقطن غرفة التي تمزق الشقوق جدرانها.
وفي فصل الشتاء تقول لطيفة إنها كثيرا ما تضطر للمبيت بمنزل جارتها خوفا من أن يسقط السقف عليها وهي نائمة.
بيوت تاريخية
وتضم المدينة العتيقة العديد من المعالم التاريخية الهامة والتي تعتبر شاهدا على أكثر من حقبة في تاريخ تونس.
وداخل أزقتها الضيقة عاش الكثير من السياسيين والأدباء والفنانين الذين تركوا بصماتهم في تاريخ الحركة الوطنية والثقافية.
من بين تلك المنازل هناك منزل أمير شعراء تونس “الشاذلي خزندار” بضاحية الكرم، ومنزل مفتي الديار التونسية “علي بلخوجة” ومنزل الفنان “صالح الخنيسي” بنهج سيدي بنعيم بالمدينة العتيقة ومنزل الفنان “علي الرياحي” بصلامبو إلى جانب “قصر البايات” بضاحية حمام الأنف والذي تقيم فيه عائلات فقيرة.
لكن هذه البيوت ورغم قيمتها التاريخية تهدمت بسبب الإهمال وبسبب المشاكل العائلية لتفقد معها تونس مخزونا تراثيا هاما.
حول هذا يقول الباحث التونسي عبد الستار عمامو لـ”مراسلون” إن هناك الكثير المباني الهامة التي ضاعت بسبب الإهمال.
بدوره يقول زبير موحلي رئيس جمعية صيانة مدينة تونس إن عدد المباني التاريخية الهامة أصبحت مهددة بالسقوط.
ناقوس خطر
ويضيف أن عددا من المباني القديمة مغلق ومهدد بالانهيار بينما يقطن البعض من ضعاف الحال مبان أخرى على ملك أجانب وضعيتها رثة.
ومن بين أسباب هذا التدهور هو تجميد معاليم الكراء بالنسبة للمساكن القديمة ما جال دون قدرة المالكين الأصليين على التدخل بغية الصيانة والإصلاح.
من جهة أخرى يؤكد مدير قسم المعالم والمواقع الإسلامية بالمعهد الوطني للتراث عدنان بن جمعة لـ”مراسلون” أن عددا من معالم المدينة العتيقة في حاجة للتدخل العاجل.
وحذر من أن عدم الإسراع في ترميم تلك البنايات التاريخية سيجعلها عرضة للاندثار على غرار على غرار “المدرسة الحسينية” و”دار جلول” و”جامع الصباغين” وغيرهم.
ولا يملك المعهد الوطني للتراث سلطة تنفيذية وهو فقط يشرف على أعمال الصيانة والترميم حتى تكون متماشية والطابع المعماري للمدينة.
ويرى المتحدث أن غياب أعمال الترميم والصيانة المستمرة أدى إلى تردي حالة الكثير من البنايات بالمدينة العتيقة التي أغلقها وارثوها تاركينها عرضة للخراب.
أما الحكومة فتقول إنها حددت برنامجا يشمل التدخل في عشر مدن عتيقة موزعة على كامل البلاد إضافة إلى اقتراح مشروع قانون يهدف إلى التدخل على مستوى البنايات المتداعية للسقوط.