اعتاد مكرم أن يكون أول الواصلين إلى مركز عمله بمحل لإصلاح الهواتف الذكية وبيع لوازمه بمجمع “Gallery 7” في شارع باريس وسط العاصمة تونس، وهو المركز الذي اشتهر لدى عموم التونسيين بتوفيره كل ما له علاقة بالبرمجيات والفيديوهات والأفلام والهواتف الجوالة بأسعار زهيدة جدا.

بعد شرب القهوة يفتح مكرم باب المحل ثم يشغل شريط القرآن ويضع بعض البخور. “تلك هي العادة التي دأب عليها آباؤنا لجلب الرزق” يقول مكرم.

في هذا المحل الضيق الذي لا تتجاوز مساحته 20 مترا مربعا يصل سعر الايجار الشهري إلى أكثر من 1500 دولار أمريكي.

يعمل مكرم أجيرا رفقة أربعة أشخاص آخرين. لكل منهم اختصاصه، فهناك من هو مكلف بإصلاح أعطاب الهواتف والكمبيوترات ومن هو مشرف عن بيع الهواتف المحمولة وفك جميع شيفراتها وهناك من هو مختص في بيع البرمجيات وشحنها عبر الانترنت عن طريق القرصنة أو بطريقة عادية.

يتقاضى العاملون في هذا المحل الصغير راتبهم بشكل يومي كما يقول مكرم لمراسلون. ويختلف هذا الراتب باختلاف نوعية العمل الذي يقومون به وبحسب سنوات خبرتهم وأقدميتهم بالمكان. فهناك من يحصل فقط على عشرة دنانير (8 دولار) في اليوم وهناك من يحصل على أكثر من ذلك.

لكن مكرم الذي يعيل عائلته المتكونة من زوجته وثلاث أبنائه يؤكد لمراسلون بأنه مهما اختلفت الرواتب فإنها لا تعكس حجم التعب اليومي الذي يعيشه العاملون في ذلك الفضاء الذي يبقى مصدرا لرزقهم رغم أنه بالكاد يسد حاجيات الكثير منهم.

بضاعة ثمينة

منذ أكثر من عشر سنوات حملت الصدفة مكرم إلى هذا الفضاء التجاري وهناك تعلم أصول المهنة وأصبح خبيرا في عالم التكنولوجيات الحديثة دون أن يكون قد تلقى تكوينا مختصا في ذلك وهي الصدفة ذاتها التي قادت زميله كريم (والد 4 أطفال) إلى نفس المحل قبل ثماني سنوات.

داخل رفوف المحل الصغير الذي يعملان به تتكدس سلع كثيرة قيمة على صغر حجمها وأغلب السلع التي تعرض بهذه المحلات هي سلع مقلدة تم جلبها من الصين.

لم يختر كريم العامل المكلف بتنزيل ونسخ البرمجيات والألعاب والأفلام هذه المهنة في البداية لكن شغفه بالتكنولوجيا والأنترنت جعلته يحفظ أسرارها ويتقن التعامل مع كل صيحاتها الجديدة. وهو يعلم بأنه ينشط في قطاع مخالف للقانون لكنه لا يملك خيارا آخر سوى العمل لتوفير قوته اليومي.

ونظريا يمنع القانون التونسي لأي شخص أن ينقل أو ينشر أو يستنسخ مصنّفا لمؤلف في أي شكل أو صيغة أو طريقة فيها انتهاك للحقوق المادية والمعنوية للمؤلف.

لكن كريم يسهر يوميا –رغم متاعبه على مستوى العينين بسبب الجلوس المطول أمام شاشة الحاسوب- على امتداد ساعات طويلة على تنزيل ونسخ العشرات من الأقراص المضغوطة يوميا دون أن يشغل باله بأن ذلك أمر غير قانوني وأنه قد يعرضه للمساءلة.

وتعتبر الانترنت المصدر الأول -كما يوضح كريم- للحصول على البرمجيات والأفلام والألعاب والأغاني. وتتطلّب عملية التنزيل من الشبكة وقتا طويلا وهناك من يقوم بهذه المهمة يوميا وخاصة عندما يكون هناك منتوج جديد.
أسعار بخسة
عادة لا يتجاوز سعر قرص مدمج لأحد البرمجيات دولارا واحدا غير أن هذه المحلات تعرض أيضا نسخ أصلية للبرمجيات بأسعارها الحقيقية المرتفعة حسب كريم الذي يضيف بأنه “قلّما يطلب الحرفاء مثل هذه النسخ لغلائها”.

بسؤال أحد أصحاب المحلات عن هذا الفضاء الذي يمثل قبلة رئيسية للباحثين عن فك شيفرات الهواتف المسروقة وشراء البرمجيات المقرصنة بأسعار زهيدة، يقول كمال (44 سنة) صاحب محل إن فضاء “Gallery 7” بجانب فندق “ماجستيك” بالعاصمة هو عبارة عن “مغارة علي بابا”.

“هنا يمكنك أن تعثر على آخر صيحات التكنولوجيا بأبخس الأسعار” يشرح المتحدث لمراسلون.

في هذا الفضاء المتكون من طابقين يفتح أكثر من خمسين محلا أبوابهم للعموم بشكل يومي دون انقطاع بما في ذلك يوم الأحد وأيام العطل من الساعة التاسعة صباحا إلى الساعة الثامنة ليلا.

يقول كمال إن المحلات في هذا توفر كل ما له علاقة بخدمات إصلاح الهواتف الذكية والألواح الرقمية سواء كانت مشفرة أو معطبة أصلية أو مقلّدة.

كما تعرض هذه المحلات للبيع كل أنواع برمجيات الكمبيوتر إضافة إلى آلاف النسخ المقرصنة لأحدث الأفلام والألعاب المتطورة بأسعار منخفضة جدا وأحيانا هواتف محمولة مجهولة المصدر إما تم اقتناؤها من عند حرفاء أو تم جلبها من خارج البلاد منها الأصلي منها المقلّد ومنها المشفر.

حركية كبيرة

رغم الحركية في أروقة هذا المركز فإن أصحاب المحلات يتذمرون كثيرا من تراجع عائداتهم مع أنهم لا يخضعون لأي نوع من المراقبة ولا يدفعون الضرائب كباقي المحلات التجارية.

وبسبب كثرة المحلات المنافسة لجأ بعض أصحاب المحلات هنا لمغادرة المكان بحثا عن فضاءات لا تكون فيها المنافسة كبيرة.

لكن الغرفة الوطنية النقابية لتجارة الهواتف المحمولة والتكنولوجيا الرقمية ترى عكس ذلك إذ تؤكد بأن هذا الفضاء أصبح محتكرا لسوق إصلاح الهواتف الذكية وبيع البرمجيات الغير الأصلية وغيره.

وتقول الغرفة إن هذه المحلات التي تعرض للبيع هواتف غير مرخص لها تكبد الدولة خسائر فى حدود 106 مليون دينار سنويا (45 مليون دولار).