يعاني محمد أبو الفتوح من وجود حصوات على الكلى، واضطر إلى إجراء عملية لاستئصال المرارة، بالإضافة إلى أن السكر ينخفض في جسمه بسهولة لو بذل أي مجهود.

الأثار السابقة كانت ناتجة عن خوض أبو الفتوح إضرابا عن الطعام داخل السجن استمر ل 150 يوما، بدأئها بعد رفض محكمة النقض الطعن الذي قدمه على الحكم بحبسه 15 سنة في القضية المعروفة إعلاميا ب قضية “أحداث الأزبكية” التي وقعت في السادس من أكتوبر 2013.

يتذكر أبو الفتوح – الذي أفرج عنه بعفو رئاسي في شهر يونيو الماضي، بعد أن قضى ثلاث سنوات وثمانية أشهر على ذمة القضية- أنه قام بكتابة ورقة إلى مأمور السجن أعلن فيها إضرابه عن الطعام، ورفض استلام الوجبات الخاصة به، لكن لم يهتم لأمره أحد حتى أصيب بالاغماء بعد 7 أيام من بداية إضرابه.

يتابع أبو الفتوح: “بعد ما أغمى عليا، ذهبوا بي إلى مستشفى السجن وكان الضغط والسكر منخفضًا، والدكتور ابلغني بأنه لابد من تعليق محاليل لان حياتي في خطر ولكنٍ رفضت”.

ساعتها هدده مأمور السجن كما يروي أبو الفتوح :”قالي هنحبسك انفرادي لغاية ما تموت، وألفك في بطانية ونرميك لأهلك، احنا مش بيتلوي دراعنا”.

ويتذكر في يوم آخر وصل معدل السكر بجسده إلى 50 ودخل في إغماء.. “لما صحيت لقتهم معلقين ليا محاليل، شلتها ورمتها في الأرض”.

وفي يوم آخر ذهب له لواء من مصلحة السجون سأله عن دوافعه للإضراب، جاوبه بإنه يريد الخروج من السجن وتحرير محضر للنيابة بإضرابه عن الطعام ولكنه رفض وقال له: “خروجك من هنا مش بإيدينا، في يد أمن الدولة”. لكن أشار ابو الفتوح إلى أن المعاملة داخل السجن اختلفت وتحسنت كثيرًا بعد إضرابه عن الطعام.

واثناء فترة إضرابه، قال إن لجنة طيبة جاءت له داخل السجن وحاولت إطعامه غصبًا ولكنه رفض، وقام رئيس مباحث السجن بوضعه داخل غرفة التأديب وقال له: “مش هتطلع غير لما تأكل قدامي”. اضطر ابو الفتوح في النهاية لفك إضرابه عن الطعام بعد عدة فحوصات أكدت تأثر وظايف الكلى والكبد.

***

الإضراب عن الطعام هو الوسيلة الأخيرة في يد السجين” هكذا يصف هيثم محمدين المحامي ب”الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” الإضراب داخل السجن ويتابع: “الإضراب هو سلاح المعتقل المجرد من حقوقه، وهو أداة مقاومة لكل من يقبع داخل السجن ولا يستطيعون الوصول للمسئولين، ولا يملكون مساحة للتظاهر وكذلك الاحتجاج، لا يملكون سوى اجسادهم”.

من ناحيته يوضح محمد زارع، رئيس “المنظمة العربية للإصلاح الجنائي” أن الإضراب عن الطعام له عدة إجراءات يجب أن يتخذها السجين، فضلًا عن أنه لا يوجد في القانون المصري ما يجرمه ولكن لا يوجد أيضًا ما ينظمه، ويوضح زراع أن إضراب السجين عن الطعام يبدأ برفضه للطعام الذي يقدم له من السجن، وبناء عليه تقوم إدارة السجن بمحاولة إقناع السجين بفك إضرابه وتلبية مطلبه إذا كان في نطاق صلاحياتها.

ولفت النظر إلى أنه في حال تعذر على إدارة السجن إقناع السجين بفك الإضراب فإنها تقوم بتحرير محضر بالواقعة، وفي حال استمرار الإضراب فإنها تخطر النيابة العامة التي تباشر التحقيق في الواقعة.

وأكد زارع على أنه يجب على إدارة السجن توفير رعاية صحية للسجناء المضربين عن الطعام، وفي حال تدهور حالتهم الصحية يجب إرسالهم للمستشفيات.

مشيرًا إلى أن مصلحة السجون لا تتبع الإجراءات القانونية في تسجيل وقائع إضراب السجناء عن الطعام، وإنها كثيرا ما تتأخر في تسجيل تاريخ بدء الإضراب.

فضلا عن الشكاوى التي تصل إليهم من سجناء مضربين عن الطعام تؤكد تعرضهم لضغوط وتهديدات من إدارات السجون لإجبارهم على إنهاء إضرابه، في حين انه لا يحق لإدارات السجون إجبار سجناء على فك إضرابهم.

***

ماهينور المصري، ناشطة ومحامية مصرية، تعرضت للإعتقال مرات عديدة، أضربت خلالهما عن الطعام مرتين، الأولى كانت عام 2014 ضمن حملة بعنوان “جبنا آخرنا” للإفراج عن المعتقلين وإسقاط قانون التظاهر، وكانت وقتها معتقلة بسجن “الأبعدية” بدمنهور في محافظة البحيرة، واستمر الإضراب ليوم واحد.

أما المرة الثانية لإضرابها عن الطعام كانت عام 2016 تضامنًا مع إحدى المعتقلات، مُنعت عنها الزيارات، تقول ماهينور: “كنّا عشرة اضربن عن الطعام، حملن من خلال اضرابنا رسالة إننا لن نتنازل عن حقوق أي منّا واستمر لمدة عشرة أيام”.

تتذكر ماهينور انها تعرضت لتهديدات مباشرة فور إبلاغها إدارة السجن بإنها مضربة عن الطعام، وتمثلت تلك التهديدات في الحبس الانفرادي، وامتد الأمر إلى تهديد إحدى السجينات اللاتي قررن التضامن مع ماهينور بأنها ستنقل إلى سجن المنيا.

التهديد بالحبس الانفرادي ليس وحده ما يتعرض له المضربون عن الطعام، ففي حالة ماهينور رفضت إدارة السجن تحرير محضر لها، ولذلك قررت تحرير محضر من خارج السجن عن طريق اسرتها، وكان رد فعل السجن بأنهم منعوا دخول محلول الجفاف رغم أن اضرابها كان كليا.

***

ولكن ماذا يحدث في جسد المضرب عن الطعام؟ بحسب تقرير لمركز “النديم لتأهيل ضحايا العنف” فأن المخ يستطيع التأقلم مع الحرمان من الطعام عن طريق استخدام أجسام الكيتون كمصدر بديل للطاقة، مما يتيح للإنسان البقاء محرومًا من الطعام لعدة أسابيع قد تمتد إلى عدة أشهر.

ويؤدي الإضراب عن الطعام إلى أضرار خطيرة بالجسم، تصل إلى تلف دائم فى بعض الأجهزة، ويعتمد ذلك على مدة الإضراب. وبعد مرور من 3 إلى 4 أسابيع يبدأ الإحساس بالراحة وصفاء الذهن ودرجة النشاط المعتادة في الانحسار، ويبدأ المضرب في الشعور بالإجهاد والضعف.

وجاء في التقرير أنه مع مرور من 45 إلى 75 يومًا من الإضراب تبدأ مخاطر حدوث وفاة ناتجة عن فشل القلب والشرايين أو حدوث اضطرابات في نبض البطين أو أحدهما، وأنه في حالات أكثر ندرة تتراكم السموم في الجسم مما يمكن أن ينتج عنه إلتهاب كامل بالجسم، أوتلوث في الدم، أو انسداد في الأمعاء الدقيقة، أو فشل في بعض أعضاء الجسم.

***

تشير ماهينور إلى أن الدستور والقانون المصري لا يتضمنان نصًا واضحًا يشير إلى كيفية التعامل مع حالات الإضراب في السجون وأماكن الاحتجاز.

وقالت: “نلجأ إلى المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر وتحفظ للمسجون حق حماية حياته وتوفير الرعاية الصحية له”.

ورغم أن القانون الدولي قد لا يكون ملزمًا للدول، إلا أن العرف الدولي يمنع بوضوح ممارسات مثل الإطعام القسري، وهو ما نصت عليه الجمعية الطبية الدولية في إعلان مالطا عن الإضراب عن الطعام 1991، وقبله إعلان طوكيو 1975، وبيانات الأمم المتحدة التي تصف الإطعام القسري بأنه نوع من أنواع التعذيب.

ونص إعلان طوكيو بشكلٍ محدد على أنه في حالة رفض السجين الطعام وهو في كامل وعيه وقادر على اتخاذ قرارات لا يجوز أن يتم إطعامه عن طريق تعليق محاليل طبية. ويناشد الإعلان الأطباء في جميع أنحاء العالم أن يرفضوا المشاركة في التعذيب أو الإهانة أو المعاملة القاسية للسجناء أو المحتجزين، أو الموافقة على ذلك أو السماح به.

ومصر موقعة على اﻟﻌﻬﺪ اﻟﺪوﻟﻲ للحقوق اﻟﻤﺪﻧﻴﺔ واﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ولذلك تقع عليها مسئولية الحفاظ على حرية المواطنين في التعبير بموجب المادة رقم 19، وهي ملزمة أيضًا بالمادة 7 التي تنص على أنه لا يجوز إخضاع أي مواطن للتعذيب ولا للمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (وهو ما نصت عليه المادة 5 من إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمادة الأولى من الاتفاقية المناهضة للتعذيب أيضًا)، وأن لكل سجين الحق في الكرامة والمعاملة الإنسانية بموجب المادة 10. وقد يندرج ذلك أيضًا تحت تفسير الحق في الصحة، والتي التزمت به مصر في ظل العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

***

يبقى السؤال هل ينجح المضرب في الوصول لأهدافه؟ يرى زارع أن نجاح الإضراب عن الطعام يعتمد على مدى قانونية المطالب التي يطالب بها السجين وهل إدارة السجن قادرة على تنفيذها أم لا؟

تؤكد ماهينور على أن الإضراب عن الطعام هو السلاح الوحيد للمسجون الأعزل، وأنه في الدول التي تحترم حقوق مواطنيها، فإن الإضراب عن الطعام قد يجني ثماره او يحقق مطالب عادلة لصاحبه، ولكن في مصر يبقى الهدف الأهم من الإضراب هو تعرية لجرائم النظام، مشيرة إلى انه قد ينجح إذا كانت المطالب بسيطة وصغيرة وليست مطالب جوهرية.

يذكر في هذا السياق حالة عبد الله الشامي مراسل قناة الجزيرة، كمثال لسجين أضرب عن الطعام إلي أن تم الإفراج عنه. وتعرض الشامي للاعتقال بعد فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013، ودخل في إضراب عن الطعام اعتراضًا على احتجازه احتياطيا دون توجيه اتهامات له.

أصدر النائب العام قرارا في  يونيو2014  بالإفراج عن  الشامي، بعد إضراب استمر 147 يوماً، في القضية المعروفة إعلاميا بـ”فض اعتصام رابعة العدوية”.

لكن تظل حالة الشامي استثناء، فهناك الكثير من المعتقلين الذين أضربوا عن الطعام في السجون ولم ينجحوا في الوصول لمطالبهم.

 

تصوير: سيد داود واراب