ثمانية وثلاثون حكمًا بالإعدام صدر بحق مدنيين على مدار 5 سنوات، وذلك بحسب رصد مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين”.

“قبل الجلسة طلب مني عدم الحضور، وعملت زي ما قالي، حاولت الإتصال بالمحامين، قالوا لي الجلسة اتأجلت، فتحت –الفيسبوك- وعرفت الحكم، ابني البكري إعدام، حسيت إن شقا عمري ضاع”. هكذا بدأت السيدة عفاف، والدة عبد البصير أحد المتهمين في القضية 174 جنايات غرب عسكري، حديثها لـ”مراسلون”.

ثمانية وثلاثون حكمًا بالإعدام صدر بحق مدنيين على مدار 5 سنوات، وذلك بحسب رصد مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين”.

“قبل الجلسة طلب مني عدم الحضور، وعملت زي ما قالي، حاولت الإتصال بالمحامين، قالوا لي الجلسة اتأجلت، فتحت –الفيسبوك- وعرفت الحكم، ابني البكري إعدام، حسيت إن شقا عمري ضاع”. هكذا بدأت السيدة عفاف، والدة عبد البصير أحد المتهمين في القضية 174 جنايات غرب عسكري، حديثها لـ”مراسلون”.

عبدالبصير عبدالرؤف، من مواليد 28 أغسطس 1996، ألقى القبض عليه في 26 مايو لعام 2015، وهو طالب إعدادى هندسة بالأكاديمية البحرية.

29مايو الماضي، يوم فارق في حياة 8 من الشباب، إذ قضت المحكمة العسكرية بإعدامهم في القضية 174/2015 جنايات عسكري غرب القاهرة، المعروفة إعلاميًا بـ”العمليات المتقدمة” بينهم 6 حضوري، و2 غيابي : “بتهمة تلقي تعليمات من تنظيم جماعة الإخوان لنشر الفوضى وتلقي تدريبات بأحد المعسكرات بالخارج لتنفيذ عمليات اغتيالات وخطف، وتصنيع العبوات المتفجرة، وإجراءات تأمين تحركات واتصالات عناصر الخلية بالبلاد، وإجراء عمليات تخريب لمحولات كهرباء واتصالات”.

” كان عنده امتحان و ذهب للمذاكرة مع أحد زملائه، انتظرناه ولكنه لم يأت، حاولنا الإتصال به دون رد، اختفى لمدة 12 يوم وفي أول زيارة له علمنا منه أن قوة أمنية ألقت القبض عليه من الشارع” تقول والدته.

سارة الشريف، عضو مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين”، تقول لـ”مراسلون” القضية تضم 20 متهمًا، لافتة إلى أن 15 منهم تعرضوا للخطف من الشارع أو المنزل في الفترة ما بين (25 مايو إلى أوائل يونيو 2015) ليظهروا بعدها من خلال فيديو أَذاعته وزارة الدفاع في أحد المقرات الأمنية وعلى وجوههم آثار للضرب والتعذيب، معترفين بمجموعة من الاتهامات، تُرجح انها انتزعت منهم بالقوة.

والدة عبدالبصير تؤكد على قيام قوات الأمن بانتزاع الاعترافات من ابنها بعد تعرضه للتعذيب، عن لسان عبدالبصير لوالدته أثناء أول زيارة: ” قالوا لي لو ما مضيتش على الأقوال هنعمل فيك زي ما عملنا في إسلام عطيطو.. ويبقى ما لكش ديه واثبت بقى انك كنت عندنا، غموا عنيا لمدة 12 يوم وهددوني بالسلاح لمّا رفضت أمضي على الأقوال”.

8 متهمين آخرون حُكم عليهم بالإعدام، 4 منهم حضوريًا، في القضية رقم 325/2015 جنايات عسكري الإسكندرية.

تعود أحداث الاتهام إلى ١٥ أبريل ٢٠١٥ بمحيط الإستاد الرياضي في مدينة كفر الشيخ حيث تم تفجير عبوة ناسفة بغرفة ملاصقة ببوابة الإستاد الرياضي، مكان تجمع طلبة الكلية الحربية للسفر للقاهرة مما أدي لموت 3 طلاب وإصابة 2 أخرين وألقت قوات الأمن القبض على 8 من أبناء المحافظة وأخفتهم قسريًا ما يقارب الشهرين تعرضوا خلالهما للتعذيب ثم ظهروا بعدة اتهامات منها القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وذلك بحسب سارة الشريف.

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ، تشير إلى أن التحريات العسكرية التي أجرتها المنطقة الشمالية العسكرية بخصوص الواقعة، والتي أقرت بأنها “لم تتوصل لمرتكب الواقعة نظرًا لعدم وجود كاميرات بمكان الحادث، وأن الكاميرا رقم (1) يصعب من خلالها تحديد مرتكبي الواقعة نظرًا لبعد المسافة ووجود عوائق رؤية”.

تقول المبادرة: ” من ضمن المتهمين المحكوم عليهم بالإعدام (فكيه عبد اللطيف) الذي يعمل مدرس علوم بمدرسة الشهيد أحمد سعد الديهي الإعدادية، بشنو بمحافظة كفر الشيخ، وتحتفظ المبادرة بإفادة رسمية مختومة بختم النسر من ديوان المحافظة والإدارة التعليمية بها أنه كان متواجدًا بالمدرسة يوم الحادث 15 إبريل 2015، وقام بجميع أعماله المدرسية ولم يغادر المدرسة في ذلك اليوم، وهو ما يخالف ما جاء في قرار الإتهام من نيابة طنطا العسكرية للمواطن فكيه، والذي ادعت فيه تواجده في موقع الحادثة ومشاركته في التفجير”.

وبعد 76 يومًا علم أهالي المختفين عن طريق أهالي سجناء آخرين بتواجد ذويهم في سجن طنطا، ولم يتمكنوا من رؤيتهم سوى بعد 93 يومًا بعد انتهاء تحقيقات النيابة العسكرية معهم ولم يتم تمكين المحامين من الحضور في التحقيقات التي أجرتها النيابة العسكرية معهم في خرق واضح لحقوق الدفاع. إذ تم التحقيق معهم خلال فترة اخفائهم قسريًا.

“القضاء العسكري يفتقر إلى الكثير من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة والمنصفة”، هذا ما أكدته سارة الشريف، مضيفة لـ”مراسلون”: ” القضاء العسكري  يخضع لسلطة وزير الدفاع، وجميع القضاة وأفراد النيابة عسكريون يحملون مختلف الرتب ويخضعون لكافة لوائح الضبط المبينة في قوانين الخدمة العسكرية، ويقوم وزير الدفاع بناءً على توصيات رئيس هيئة القضاء العسكري بتعيين القضاة، وهم غير قادرين على محاكمة الأعلى منهم رتبة، ويمتثلون لأوامر قادتهم، ولا تعتبر أحكامهم نافذة قبل التصديق عليها من ضابط ليس عضوًا في المحكمة، يملك صلاحيات إلغاء الحكم أو إيقاف تنفيذه أو تخفيفه أو حتى إعادة المحاكمة، وهو ما ينزع عنهم أي استقلال أو قدرة على الحياد، حتى وإن أرادوا ذلك”.

“وهو خارج من المحكمة العسكرية اتحايلت على الضباط والعساكر انهم يخلوني اوصله مرضيوش، رحت فى لحظة فلت منهم وجريت من وسطهم عليه وهو بيركب عربية الترحيلات والعساكر تجرى ورايا، لحد ما لحقته على سلم العربية وهو طالع، كان شايفنى وأنا بجري وقعد يقولى “حاسبي يا أمي .. حاسبي لتقعي”..  إحدى الأمهات تتذكر أول مرة رأت ابنها بعد إلقاء القبض عليه.

أحمد أمين الغزالي، مواليد 4 إبريل 1990، ألقى القبض عليه 28 مايو 2015، ظل مختفيًا لمدة 44 يومًا، ألقى القبض عليه من محطة مترو المعادي، حيث قامت قوة أمنية بزي مدني بإلقاء القبض عليه، في تلك اللحظة سقط هاتف أحمد، التقطته إحدى السيدات وقامت بالإتصال بآخر رقم في سجل هاتفه وأبلغتهم بما حدث.

ورغم كل هذه الانتهاكات بحسب سارة، إلّا أن أولويتهم في هذه اللحظة ليست الحديث عن المحاكمات العسكرية للمدنيين بشكل عام، ولكن التصدي لأحكام الإعدام في حق المدنين الصادرة من المحاكم العسكرية، مشيرة إلى أن الإعدام هو أخطر عقوبة على الإطلاق، ولا رجعة فيه إذا ما ثبت لاحقًا أن ظلمًا قد وقع على المتهم، متسائلة ما العمل اتجاه أحكام إعدام صادرة من قضاء عسكري  يغيب عنه الحد الأدنى من ضمانات العدالة؟

تقول والدة أحمد: “بعد إلقاء القبض عليه بيومين، آتت قوة أمنية للمنزل مصطحبة ابني تحت تهديد السلاح، وقاموا بتفتيش غرفته، أول ما شفته ثبت في مكاني، مقدرتش اقف على رجلي، ولساني اتشل، احساس مرعب انك تشوف ابنك وفي سلاح ورا ضهره، ورغم ذلك ظل الأمن ينكر وجوده لمدة 44 يومًا ولم نعرف مكانه، إلا بظهوره في النيابة العسكرية.

عن لسان أحمد لوالدته: ” 44 يوم مغمين عنيا، كانوا بيعلقوني من ايديا الاتنين لفوق، ويربطوا في رجلي حاجة تقيلة من تحت، وبعدها يقوموا منزلني مرة واحدة، أول ما اتمسكت، سألتهم أنا عاوز أفهم أنا هنا ليه؟ قالوا لي احنا مش جايين عشان نفهمك، اللى هييجي يفهمك هييجي بعدين، وبعدها بفترة جالي شخص من الأمن قالي لو عايز تمشي من هنا، قول الكلمتين دول، وهنصورك وبعدها هنرحلك من هنا على السجن، عشان ترتاح من كل اللى بتشوفه”.

وعن يوم النطق بالحكم تقول: “محدش قالى ابنى اتحكم عليه بإيه، أنا عرفت لوحدي من شكل الناس اللى خارجة من الجلسة، منهارين وبيعيطوا وبيلطموا، وفي أهالي أغمى عليها”.لافته إلى حديث أحمد لها أثناء أول زيارة بعد الحكم قائلًا لها: “يا ماما الحكم حكم ربنا، هو اللى بيحكم وبيأمر وأنا راضى باللى ربنا يحكم بيه.. أنا مش خايف إلا عليكى انتى”

وفي شهر مايو العام الماضي قضت المحكمة العسكرية بإعدام 7 متهمين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ”عرب شركس” ونفذ الحكم في 6 فقط، ومازال السابع مسجون احتياطيًا على ذمة قضية تتعلق بتنظيم “أنصار بيت المقدس”. بالإضافة إلى 14 مدني صدر ضدهم أحكام بالإعدام ضمن 4 قضايا آبان فترة حكم المجلس العسكري ولكنها لم تنفذ حتى الآن، وذلك بحسب سارة الشريف عضو مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين”. تؤكد سارة أن المتهمين بالقضايا 4 تقدموا بنقض على الأحكام الصادرة بحقهم ولكن المحكمة لم تنظرها بعد، مع تزايد احتمالية تنفيذ الحكم في أي لحظة.

أحمد عبدالباسط، احد المحكوم عليهم بالإعدام غيابيًا، وهو دكتور بكلية علوم جامعة القاهرة وتم فصله من الجامعة في إبريل 2015 بسبب نشاطه الجامعي ضد سياسيات جابر نصار، رئيس الجامعة.

يقول عبدالباسط :” بعد فصلي، قررت السفر للعمل بالخارج وتوجهت لدولة قطر، وبعد سفري بشهرين، تفاجئت بفيديو مذاع على التلفزيون المصري وجاء اسمي ضمن عشرون متهمًا في قضية تعرف إعلاميًا بـ”العمليات المتقدمة”.

وأوضح عبدالباسط في تصريح لـ”مراسلون” أن تهمته الأساسية هي تمويل خلية إرهابية بمبلغ 15 ألف جنيه شهريًا، رغم أن مرتبه 3 الآف جنيه وليس لديه أي مصدر دخل آخر ولا حسابات بنكية.

عبدالباسط، أصبح في وضع المنفي بحسب كلامه، فليس من حقه أي طعون على الحكم الإ بعد تسليم نفسه للسلطات المصرية، مؤكدًا أنه لن يفعل ذلك لأنه لا يثق في نزاهة القضاء ويعلم جيدًا أن الحكم سينفذ.

أكد عبدالباسط أنه لا يعرف أي من المتهمين معه في نفس القضية، باستثناء “أحمد الغزالي”، وهو أحد الطلبة وأرجع معرفته له بحكم النشاط الطلابي إذ أن الغزالي من المشاركين في الأنشطة الطلابية.

وعن حياته في المنفى الاختياري يقول عبدالباسط إن أسرته شردت بعد صدور الحكم الغيابي، مضيفا أنه حاول إحضار زوجته وأطفاله إلى قطر للعيش معه لأنه محرم عليه الدخول إلى مصر، وبالفعل نجح في إحضارهم إلى قطر ولكن بعد صدور الحكم أول مرة قررت الجامعة القطرية فصله من العمل، وهو ما اضطره  لترحيل أسرته لعدم وجود مصدر دخل.

وفي نهاية حديثه لـ”مراسلون” قال إنه سيحمل على عاتقه تجهيز ملف عن القضية المتهم فيها لعرضه على على البرلمان الأوربي، والحكومات التي ترفض عقوبة الإعدام، وترى أن المحاكمات العسكرية غير منصفة. لتدويل القضية وفضح الممارسات التي تتم ضد المصريين في بلدهم.

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية تؤكد أن المحاكمات العسكرية تتسم بالسرعة الفائقة التي قد تؤثر بشكل جدي في استيضاح الحقائق والتيقن منها وتحرم المتهم من حقه في الوقت الكافي لتحضير دفاعه وعرضه وكلها أمور قد تؤثر سلبيًا في النتيجة النهائية للمحاكمة.

عادل رمضان، المحامي الحقوقي بالمبادرة، يؤكد على أنه في حالة أحكام الإعدام يتم عرض ملف القضية على المحكمة العليا للطعون العسكرية، إذ أدخلت تعديلات على قوانين القضاء العسكري عام 2007 والتي بسببها تم إنشاء محكمة العليا للطعون العسكرية وبذلك تكون آخر جولة لهؤلاء المتهمين هي الطعن على أحكامهم.

جدير بالذكر أن تاريخ المحاكمات العسكرية فى مصر يعود إلى عام 1952 عقب الاحتجاجات العمالية التي شهدتها مدينه كفر الدوار عندما أعلن عمال مصنع الغزل والنسيج الاضراب عن العمل. ويقول المحامي الحقوقي بمركز هشام مبارك للقانون ،عمرو أمام: “إن قوات الجيش قامت آنذاك بالقاء القبض على المئات من العمال المضربين بتهم أعمال التخريب والشغب ونُصبت المحاكم العسكرية حينها لأول مرة عقب احداث كفر الدوار. ويتابع إمام قائلا “وكان اول حكم عسكريا بالاعدام رميا بالرصاص فى حق العاملان “محمد مصطفى خميس” ابن التسعة عشر و”محمد عبدالرحمن البقري” ابن السابعة عشر”.

وفى الفترة مابين ثورة يوليو وثورة يناير استخدمت السلطات المصرية المحاكمات العسكرية مرات عدة لمواجهة المعارضة، وكانت أكثرها شراسة الفترة التي أعقبت اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات. ثم توسع حسني مبارك في استخدام المحاكمات العسكرية في مواجهة الإسلاميين، وذلك لضمان صدور أحكام سريعة وقاسية ضد الآلاف منهم.