“ضيف على صورتك قضبان تضامنًا مع المحبوسين انفرادي، الحبس الانفرادي سجن جوه سجن” بهذا الشعار، انطلقت حملة تدوينية للمطالبة بوقف الحبس الانفرادي للمعتقلين بعد أن تزايدت أعداد المحبوسين انفراديا داخل السجون المصرية.

***

عقوبة الحبس الانفرادي في القانون المصري لها ضوابط وشروط، وبحسب قانون مصلحة السجون: “إنه عقاب على تهمة ما، يلزم لتطبيقها تحقيق وسماع شهود قبل صدور القرار، سقف العقاب 30 يومًا على أقصى تقدير، والحبس يكون زنزانة انفرادي 22 ساعة وساعتين تريض مع آخرين وزيارة مع آخرين”.

المحامي الحقوقي، بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، مختار منير، يؤكد أن واقع الأمر في مصر غير ذلك، فمعظم المعتقلين يقضون عقوبتهم محبوسين انفراديًّا دون تهمة أو تحقيق، وبكسر سقف المدة، ويمنع عن بعضهم الزيارة، والجميع يتريض منفردًا ليس مع آخرين وبذلك لا تنطبق الشروط على حالات الحبس الانفرادي في مصر، وهو ما يعد انتهاكًا واضحًا للقانون.

***

ثلاث سنوات من الحبس الانفرادي قضاها الناشط السياسي أحمد دومة(ولد 1989) داخل سجن طرة، وبحسب عداد القمع- وهو موقع أطلقته حملة “لا للحبس الانفرادي”- بلغت أيام دومة في محبسه الإنفرادي 941 يومًا و11 ساعة و74 دقيقة حتى الساعة الرابعة والنصف من عصر الجمعة الموافق 1 يوليو الماضي، ومازال العداد مستمرًا.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يسجن فيها دومة انفراديًا ولكنها الأطول وذلك بحسب زوجته الصحفية نورهان حفظي، التي بدأت حديثها قائلة لمراسلون: “لا أعلم متى ينتهى ذلك الكابوس الذي نعيشه”.

 اشتهر دومة بأنه سجين كل الأنظمة، إذ واجه الاعتقال والحبس في كل العصور بداية من عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، مرورًا بثورة ٢٥ يناير 2011، وتولي المجلس العسكري إدارة شئون البلاد، فضلًا عن فترة حكم محمد مرسي(2012-2013)، نهاية بحكم الرئيس المؤقت عدلي منصور(2013-2014)، ثم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.

بلغت مجموع الأحكام الصادرة ضده بالسجن، ٣١ سنة و٣٠ يومًا، حيث يواجه اتهامات التحريض على العنف، والتظاهر، ومقاومة السلطات، وإهانة القضاء، فى ٤ قضايا مختلفة ينتظر كلمة محكمة النقض فى ٣ منهم بعدما أيدت عقوبة إدانته في القضية الرابعة بحبسه 25 عامًا.

مخالفة للقوانين

تصف نورهان، زوجة دومة، شعوره بالضيق والألم في آخر زيارة: “بات يفكر في الإضراب عن الطعام لاستحالة الحياة بهذا الشكل”، وأضافت أنها: “نجحت في إقناعه بتأجيل الإضراب عن الطعام لأنه يعاني من مشاكل في المعدة”.

يقضي دومة 22 ساعة يوميا بمفرده داخل الزنزانة وليس من حقه سوى ساعتين للتريض “من فترة لما بدأ يزهق، بدأ يقدم طلبات لزيادة ساعات التريض لـ 4 ساعات بدل 2 زي ما اللائحة ما بتنص في حالات الحبس الانفرادي، وكان الرد في الأول ماشي هنشوف حاضر” تقول نورهان.

***

مختار منير، يؤكد أن الحبس الانفرادي عقوبة تأديبية فوق العقوبة التي يؤديها المسجون، والمادة ٤٤ من قانون مصلحة السجون تؤكد أنها عقوبة إضافية، حيث تعطي لمدير السجن السلطة في توقيع عقوبة الحبس الانفرادي على المساجين من ضمن أربع عقوبات، إلى جانب أن القانون ينظم الحبس الانفرادي بضوابط وقواعد، لكن سلطة التنفيذ تضرب بالقانون عرض الحائط، وتجعل منه أداة للتنكيل بالمسجونين المغضوب عليهم، مثل أحمد دومة وما يحدث معه، أو المحامي الحقوقي مالك عدلي – المحبوس احتياطيا على خلفية الاحتجاجات على تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية- الذي لا يزال على ذمة التحقيق.

***

وتتابع نورهان: “أحمد يعيش فى الحبس الانفرادي وسط إجراءات مشددة تمنعه من الزيارات لغير الدرجة الأولى، مشيرة إلى أن حالته الصحية والنفسية في تدهور مستمر، مع وجود تعنت من إدارة السجن فى الزيارات”.

ذكرت زوجة أحمد دومة، أنها قدمت شكوى لإدارة السجن بنفسها اعتراضًا على الحبس الانفرادى لمدة تزيد عن 30 يومًا، ومنعه من الصلاة في المسجد لعدم التحدث مع زملائه، وقوبلت الشكوى بالرفض.

قانون معيب

المحامي الحقوقي، محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي يرى أن نص المادة 44 معيب لأنه يجعل من مأمور السجن قاضي يوقع العقوبة على مسجون دون محاكمة، ودون الدفاع عن نفسه، وبالتالي فهي غير دستورية لأن الدستور ينص على أن كل من يقبض عليه لابد أن يعامل بما يحفظ كرامته ولا يجوز إيذائه بدنيا أو معنويا وهو ما لا يحدث في الحبس الانفرادي.

وتابع أن ما يحدث مع بعض المحتجزين الآن على ذمة القضايا يخالف القانون المصري نفسه، والكل يعلم مدى تأثير الحبس الانفرادي على الشخص فمن الممكن أن يجعله يمر بمرحلة اكتئاب ومشكلات نفسية، وعضوية كذلك نتيجة عدم تعرضه للشمس والاختلاط بالناس، مؤكدا أن ذلك جريمة ترتكب في حق السجناء.

وتابعت نورهان: “بدأت فى خطوات التصعيد فتقدمت بشكوى أخرى لمصلحة السجون، ولم أتلق رد حتى الأن، في الوقت الذي أكدت فيه مصادر من مصلحة السجون أنه فى انتظار أمر سيادي”، مشيرة إلى أنها تقدمت بشكوى للمجلس القومي لحقوق الانسان، وللجنة حقوق الانسان فى مجلس النواب ولم يتم الرد عليها.

لا شيء يكسر حدة الوحدة

المنع من رؤية النور لعدد ساعات أكبر لم يكن وحده المشكلة ولكن المنع من مخالطة الناس أيضا تقول نورهان: “أحمد ممنوع يصلي في مسجد العنبر علشان ميشوفش ناس، وممنوع من التريض مع الناس بيتريض لوحده، وممنوع من الزيارة والجرايد غير القومية، يعني ممنوع من أي تواصل مع الدنيا، حتى الكتب منعوها لأن الكتب بتتفحص علشان فيها كتب سياسية”.

عنف نفسي

سالى توما، الطبيبة النفسية المتخصصة في حالات التعذيب والاغتصاب، عرفت الحبس الانفرادي بأنه 22 ساعة من العزلة في غرفة صغيرة لا تزيد على بضعة أمتار، والسجين له ساعتان من التريض يحرم منها أحيانًا كنوع من “التكدير”، أو يتريض وحيدًا دون تفاعل إنساني يكسر ساعات الوحدة والألم النفسي.

وأضافت لـ”مراسلون”: “عالميًا في الماضي كان الحبس الانفرادي عادة ما يدوم لأيام معدودة أو بضعة أسابيع في حالات العقاب القاسي، وكان أمر الحبس الانفرادي يحدث كعقاب على سلوك في الأغلب عنيف من طرف السجين، فيعزل حرصًا على سلامته وسلامة السجناء الآخرين، لكن هنا والآن في مصر، يمكن للمعتقل أن يقضي سنوات في الانفرادي، مما ينتهك حقوقه الإنسانية وكل مفاهيم العدالة الجنائية المتفق عليها عالميًّا”.

وأشارت إلى أن أغلب هؤلاء الذين تم إشراكهم في أبحاث علمية عن الحبس الانفرادي تحدثوا عن معاناتهم من اضطرابات القلق والتوتر، وصلت عند بعضهم إلى نوبات فزع، ومعظمهم عانوا من قلة النوم، وفي كثير من الأحيان أصبحوا تربة خصبة لضلالات مثل “البارانويا”جنون الارتياب”، واتسمت سلوكياتهم بالشراسة والعنف، كما أصيبوا بالاكتئاب.

وفي الحالات التي يتعرض لها السجين الانفرادي للتعذيب، يكون عرضة للإصابة بـ”كرب ما بعد الصدمة”، وهو إعادة معايشة مشاهد تعذيبه وكأنها واقع يطارده، لتستنزف قدراته، ويصبح طبيعيًّا أن يصرخ من الرعب وقهر انتهاك آدميته.

***

تُعدد منى حامد، استشارية الطب النفسي، بمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، تأثير الحبس الانفرادي على الاشخاص، فتقول إن غياب المؤثرات الحسية والسمعية والبصرية عن شخص لفترة طويلة يؤثر على عقله وبالتالي يفتقد التركيز والإحساس بالزمن والمكان، وخلال الفترات الطويلة يؤدي إلى حدوث هلاوس، نتيجة افتقاد التواصل مع البشر ولمس الأشياء.

وتشير لـ”مراسلون” أن بالأساليب الجديدة في الحبس الانفرادي من ضيق المكان وعدم صحيته والمنع من استخدام دورات المياه الخارجية، يؤدي لنقص الأكسجين وانتشار البكتيريا والعدوى.

 ونفسيا يعد الحبس الانفرادي من أقصى أنواع التعذيب، متابعة أن هذه الأعراض ربما تحدث وربما لا تحدث، وأحيانا تكون متفاوتة، وعقب خروج الشخص من الحبس الانفرادي تظهر عليه علامات خلل في الذاكرة والتركيز وطريقة التفكير، وكذلك أعراض ذهانية وخلل في درجة الوعي، وهو ما يسبق مرحلة الغيبوبة.