بمجرد أن طرح الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي موضوع المساواة في الميراث بدعوى أنه يتطابق مع الدستور ولا يخالف الشرع، ثارت ثائرة بعض المفكرين وتأججت حفيظة بعض المشايخ وامتد الجدل إلى مصر ليعلن الأزهر رفضه لهذه المبادرة واصفا إياها بالخطيرة.

وهذه ليست المرة الأولى التي تطرح في تونس مسألة المساواة في الميراث. إذ سبق أن اقترحها المفكر التونسي الطاهر حداد في الثلاثينات، ثم أعاد طرحها بالثمانيات الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

وقبل عام قدم النائب مهدي بن غربية مبادرة تشريعية تتعلق بالمساواة في الميراث صلب البرلمان التونسي العام الماضي لكن مفتي الجمهورية رفضها قبل أن يتراجع أمام مبادرة السبسي ويدعمها.

خطوة صحيحة

ولئن واجهت كل تلك المبادرات السابقة اعتراضا داخل الأوساط المحافظة، فإنها اعتبرت “خطوة صحيحة” لترسيخ المساواة التامة بين الجنسين والقضاء على أشكال التمييز والحد من الفوارق التي تنتهك مكاسب المرأة، بحسب راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة.

تقول هذه المحامية إن “المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة مسألة ضرورية”، متفهمة الضجة الذي أثارتها مبادرة الرئيس التونسي حول هذا الموضوع في هذا التوقيت، قائلة “الجدل الذي أثير مفهوم جدا لأن أي تغيير سيطال التقاليد عادة ما ترافقه ضجة واسعة بالمجتمع”.

وترجع الجربي أسباب رفض بعض الأوساط لمسألة المساواة في الميراث إلى “تغلغل العقلية الذكورية” في المجتمعات العربية، مشيرة إلى أن “بعض الرجال في تونس يغلبون مصلحتهم ويعتبرون أنفسهم أعلى درجة من النساء”.

واستنادا إلى بعض فصول الدستور لاحظت بأن المساواة في الميراث بين الجنسين قابلة للتنفيذ في تونس طبقا للفصل الثاني والفصل 46 الذي نصص على المساواة بين الرجل والمرأة.

وترى أن المساواة في الميراث فرضتها ظروف اجتماعية محددة بحكم التغييرات التي حصلت داخل المجتمع لاسيما بعد خروج المرأة للعمل وتحملها لأعباء يومية ثقيلة ناهيك عن مسؤولياتها في المنزل “وهو ما لم يعد يسمح بالسكوت عن حرمان المرأة من حقها في الميراث”.

وأعلن الباجي قايد السبسي خلال خطابه الأخير عن تشكيل لجنة أطلق عليها لجنة الحقوق الفردية والمساواة للنظر في التشريعات المتعلقة بمسألة الميراث قبل الوصول إلى إعداد مشروع قانون يتعلق بالمساواة في الميراث سيعرض عند الانتهاء منه على أنظار البرلمان التونسي.

وتقول رئيس اللجنة بشرى بالحاج حميدة إن “اللجنة ستعمل بالتنسيق مع رئاسة الجمهورية التونسية لتحديد الاقتراحات التقنية والتشريعية الممكنة لتجسيد التوجهات العامة التي أقرها الرئيس”.

ومن المنتظر أن يتم إعداد تقرير مفصل حول الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة بين الجنسين عمليا وجملة الحجج والتفسيرات الدامغة التي تفرض تلك الإصلاحات.

ويقول أستاذ كلية الحقوق والمختص في المواريث والأحوال الشخصية محمود يعقوب لـ”مراسلون” أن النص الدستوري الحالي وتحديدا الفصل الثاني منه يشكل أرضية قانونية ملائمة لمبادرة السبسي.

ويوضح لمراسلون “الفصل الثاني ينص على أن الدولة مدنية ما يعني أن الجانب القانوني غير مرتبط بالشريعة الإسلامية” وبالتالي يمكن تعديل مجلة الأحوال الشخصية بما يسمح بالمساواة في الميراث.

لكن مسألة الميراث “مرتبطة بمسائل مالية تهم النفقة والمهر”، فمن وجهة نظره يبقى الرجل مسؤولا عن الإنفاق على أسرته ولذلك يتحصل على نصيبين من الميراث مقارنة بالأنثى.

ويرى يعقوب أن هذا الموضوع مازال على درجة عالية من التعقيد خاصة أن العقليات في تونس لا تزال غير مهيأة لتقبل مثل هذه المبادرة.

وأشار إلى أنه يمكن ومن خلال عديد الحالات الموجودة التلاعب بالنصوص القانونية والتنازل عن الميراث لفائدة أحد الأبناء كما يحصل اليوم ما يؤدي إلى حرمان البقية.

اعتراض المشايخ

ويرى عدد من المشايخ التونسيين ومختصون في الفقه الإسلامي أن مبادرة الرئيس التونسي حول المساواة في الميراث “خطيرة” لأنها تتعارض مع الفقه الإسلامي، وفق رأيهم.

ويؤكد هؤلاء أن الإسلام لم يظلم المرأة في مسألة الميراث بل أنصفها وأن مسألة المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة التي دعا إليها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في خطابه الأخير تعد “مسألة مغلوطة”.

ويقول مفتي الجمهورية التونسية السابق حمدة سعيد لـ”مراسلون” إن “النظر في هذه القضايا يبقى من مشمولات المختصين وعلماء الدين وليس من مشمولات رئيس الجمهورية”.

ويوضح بأن الاسلام تضمن في شريعته ثوابت بينة وقطعية وأنه لا مجال لتغييرها، معتبرا أن من الثوابت أحكام المواريث التي تكفل بتفاصيلها وبيانها القرآن الكريم في سورة النساء.

في السياق ذاته، يرى الأكاديمي التونسي والباحث الإسلامي مازن الشريف أن هناك مسائل محسومة فقهيا كالميراث والمحللات والمحرمات وهي مواضيع لا يتدخل فيها رئيس الدولة.

ويقول لـ”مراسلون” إن مبادرة الرئيس تأتي لاستمالة صوت المرأة التي صوتت بكثافة للسبسي في الانتخابات الرئاسية، مبينا أن “هذه الحيل لن تمر لأن المرأة التونسية أذكى من ذلك بكثير”، مذكرا بأن الرئيس الراحل الحبيب ورقيبة حاول سابقا تطبيق المساواة في الميراث لكن مبادرته فشلت.

ولئن انتقد وكيل الأزهر عباس شومان، دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الى المساواة بين النساء والرجال في الميراث معتبرا إنها “تتصادم مع أحكام شريعة الإسلام”، الا أن ديوان الافتاء في تونس أيدها ودافع عنها.

ونشر ديوان الافتاء التونسي بلاغا لتهنئة المرأة التونسية وللإشادة بمقترح السبسي، الأمر الذي أجج حجم الانتقادات.

ويعتبر بلاغ ديوان الافتاء أن مقترح الرئيس التونسي يدعم مكانة المرأة وهو ضمان وتفعيل لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات التي نادى بها الإسلام.