أعدت حميدة التي تقطن في بيت متواضع ببلدة نفزة بباجة (شمال غربي تونس)، القليل من “المعكرونة” على أمل إطعام أطفالها الأربعة وإشباع بطونهم الخاوية فهم لم يتذوقوا وجبة متوازنة منذ أسابيع.

تعيش عائلة هذه المرأة وضعا اجتماعيا مزريا فالأم لا تعمل والأب مريض وبالكاد يتدبر قوت اليوم عن طريق العمل في البناء أو في أعمال هامشية ولكنه وفي حالات كثيرة يعود خائبا بلا نقود.

وكثيرا ما تلجأ أسرة حميدة المعدمة إلى طلب القوت من الجدين اللذان يقطنان على مقربة منهما، وهما بدورهما يعيشان على جراية متواضعة ويعانيان صعوبات في تدبر مصاريف المعيشة.

معاناة يومية

ازدادت معاناة هذه الأسرة بعد الثورة بسبب ارتفاع الأسعار وغلاء تكاليف المعيشة، ليصبح صراعها اليومي تأمين القوت والبقاء على قيد الحياة.

تقول حميدة لـ”مراسلون” إن أسرتها التي تتكون من بنتين توأم، وولدين يدرسان في الابتدائي تعيش ظروفا صعبة وإن طفليها قد يذهبان إلى المدرسة دون “لمجة” أو تناول فطور الصباح.

وتضيف أن ابنها بيرم البالغ من العمر 10 أعوام يعاني من مرض فقر الدم وتنتابه حالات من الإغماء بسبب سوء التغذية، ورغم أنها قصدت عديد المسؤولين المحليين وقدمت عديد الشكاوى، إلا أنه كثيرا ما يتم طردها.

لا تعاني عائلة حميدة لوحدها من الفقر في تونس، إذ تشكو آلاف الأسر المنتشرة بجل المحافظات من الفقر، ومنها عائلة الأرملة جليلة التي تسكن بمحافظة من القصرين (وسط غرب تونس).

هذه الأم التي يدرس أبناءها الثلاث تحاول أن تتدبر لهم قوت اليوم، إلى درجة أنها التجأت إلى تربية الدجاج وبيع البيض، ورغم أنها تقاوم بقلب رجل مصاعب الحياة فإن عملها لم يجنبها معاناة غلاء الأسعار.

ارتفاع نسبة الفقر

وبحسب بعض الدراسات توسعت نسبة الفقر في تونس خلال السنوات الأربع الأخيرة لتصل إلى حوالي مليوني تونسي أي ما يعادل 30 بالمائة من التونسيين، فيما تشير الأرقام الرسمية إلى أن نسبة الفقر تقدر بـ 15.5 بالمائة.

ويؤكد الخبير الاقتصادي التونسي مراد الحطاب لـ”مراسلون” أن “الطبقة الفقيرة المعدمة” في تونس تمثل 40 بالمائة من الطبقة النشيطة أي أن هناك حوالي 1800 تونسي لا يعملون أو يشتغلون في ميادين هشة وموسمية.

ويؤكد “هؤلاء مقصون من المنظومة الإحصائية في التشغيل والبطالة باعتبار وجودهم العشوائي في القطاع الاقتصادي غير المهيكل”.

وتعتبر السلطات التونسية أن الحديث عن “الطبقات المعدمة” لا يهم إلا فئة صغيرة من السكان في حين أن غرب البلاد وجنوبها يعتبرون بالكامل “معدما”، بحسب الحطاب.

ويشير الحطاب إلى أن معدل الأجر الشهري للأجراء في تونس يساوي 657 دينار شهريا (280 دولار) أي تقريبا 9 دولارات في اليوم، وأنه وبحسب نسب التضخم الحالية فإنه لا يكفي حتى لسد الرمق.

يشار إلى نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي في تونس استقرت خلال شهر جوان 2017 في مستوى 4,8 بالمائة بعد سلسلة من الارتفاعات منذ بداية سنة 2017.

وزادت نسبة التضخم من 4,6 المائة في كانون الثاني/يناير 2017 إلى 5 بالمائة في أبريل/نيسان من نفس العام لتشهد استقرارا في مستوى 4,8 بالمائة في شهري يونيو/حزيران ومايو/آيار 2017.

تدهور المعيشة

وينبه الخبير في الاقتصاد مراد الحطاب من الوضعية التي يعيشها التونسيون ومن تزايد عدد الفقراء في تونس، معتبرا أن هناك تراجعا في المقدرة الشرائية وارتفاعا في الأسعار ما يشكل تهديدا للبنى الاجتماعية.

وأضاف الحطاب أنه بالرجوع إلى أرقام المنظمة العالمية للصحة فإن 5 بالمائة من التونسيين يعانون من سوء التغذية أي ما يعادل 570 ألف تونسي جائع في تونس وهي نسبة تضاعفت في ظرف 10 سنوات.

ويقول رئيس المعهد الوطني للإحصاء الهادي السعيدي، في تصريح لـ”مراسلون” إن نسبة الفقر في تونس مرتفعة في مناطق الوسط الغربي والشمال والجنوب الغربي، أما في الجنوب الشرقي فتعتبر النسب أقل.

وبين أن أعلى نسبة فقر موجودة في معتمديات القصرين والقيروان وسليانة وجندوبة وسيدي بوزيد، مضيفا أن القيروان تأتي في المرتبة الأولى في نسبة الفقر على المستوى الوطني بـ 34,9 بالمائة بينما سجلت تونس الكبرى 3 بالمائة وصفاقس 7 بالمائة.

وأضاف السعيدي أن الدراسة التي أعدها المعهد حول الانفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر التونسية في 2015 خلصت إلى أن نسبة الفقر في تونس تراجعت بخمس نقاط بين 2010 و2015 من 20% إلى 15%، كما انخفض الفقر المدقع بأربع نقاط من 6% إلى 2.9%.

أسر معدمة

وأوضح المدير العام لمعهد الإحصاء ردا على سؤال لمراسلون حول معدل إنفاق الأسر المعدمة، أن هذا المعدل لا يتعدى دولارين في اليوم، معتبرا أن هذا المبلغ مخصص للقوت فقط فإذا ما رغبت هذه العائلات في الإنفاق على أي مجال آخر فإن عليها أن تنقص من قوتها اليومي لتنفق.

ويقول توفيق بن جميع عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الدفاع عن المستهلك إن الطبقات الوسطى كانت تشكل قبل الثورة 80 بالمائة من العائلات التونسية، لكنه تراجعت اليوم الى 60 بالمائة بعد الثورة.

ويضيف “إذا كانت الطبقة الوسطى تعاني وتجد صعوبات في تأمين نفقات المعيشة فما بالنا بالطبقات المعدمة”.

ويؤكد بن جميع لـ”مراسلون” أن المقدرة الشرائية تقلصت لدى التونسي بنحو 40 بالمائة في الأعوام الأخيرة، وأن نسبة التضخم وصلت إلى 5,4 بالمائة، مشيرا إلى أن أسعار المواد الاولية والغذائية في ارتفاع مستمر حيث أن أكثر من 17 بالمائة من المواد تزداد أسعارها سنويا.

وأوضح بن جميع أن تواتر المناسبات التي تجتمع تقريبا في 5 أشهر متواترة زادت في تآكل القدرة الشرائية لدى التونسي، مؤكدا أن سياسة الدولة التي بدأت تعتمد على التقشف ستزيد في عدد السنوات العجاف، متوقعا أن تكون السنوات القادمة أصعب.