“جميع الحقوق محفوظة“، “علامة مسجلة“، “علامة تجارية“، إلخ. هي الصيغ والرموز الموسومة بها المنتجات من أجل الإشارة إلى أنها تحتوي على قيمة مضافة ذات محتوى فكري و تقليدها يسقط تحت طائلة القوانين التي تحمي حقوق المبدعين من التقليد و كذلك في استغلال هذه المنتجات أو الترخيص باستغلالها بمقابل مادي. و إذ تشمل حماية الملكية الفكرية و الصناعية اليوم مجالات لم يكن يخيل لإنسان انها ستشملها يوما، كالجينات النباتية و الحيوانية، فقد أصبحت تشكل رهانا كبيرا بالنسبة للدول و الشركات، على المستويات المحلية والدولية. “ارتقى التطور التكنولوجي بالعالم من اقتصاد مبني على الفحم والصلب إلى اقتصاد مبني على موارد الطاقة البترول والغاز ثم الى اقتصاد مبني على العلم والمعرفة. قطاع الخدمات والابتكار مجالان مرتبطان بشكل وثيق بالملكية الفكرية التي هي بترول اليوم لما تدره من أموال على أصحابها“، يقول المحلل الاقتصادي مراد برور. و يضيف شارحا :”وراء كل اختراع وكل تكنولوجيا وكل ابتكار اموال وسلطة اقتصادية محتكرة من اصحاب الملكية“.
بالفعل، شكلت حماية الملكية الفكرية و الصناعية لسنوات عديدة، و مازالت، حجر عثرة في المفاوضات التي تجريها الجزائر من أجل الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة. كما تشير التقارير المتعلقة بمناخ الأعمال دوريا إلى نقص في الضمانات المتعلقة بحماية الملكية بصفة عامة وحماية الملكية الفكرية والصناعية بشكل خاص. و لو أن هذه النظرة مبالغ فيها بعض الشيء. فقد تزودت الجزائر في السنوات الأخيرة بترسانة قانونية لحماية الملكية الفكرية و الصناعية و التي هي نتاج المفاوضات مع المنظمة العالمية للتجارة في الكثير من جوانبها، آخرها قانون الحفاظ على الموارد البيولوجية الصادر سنة 2014 و الذي سن لحماية الثروة الجينية النباتية والحيوانية. فأين يكمن قصور الضمانات التي تقدمها الجزائر أم أن تأخرها في مواكبة التشريعات الدولية الخاصة بالملكية الفكرية المشار اليها في نصوص المنظمة العالمية للتجارة من نسج الشركات متعددة الجنسيات والتي تطالب دوما بالمزيد من أجل مواصلة احتكار كل ما يشكل قيمة مضافة؟ فإذ فرضت المنافسة الشديدة الحاجة إلى التجديد الدائم للتكنولوجيا من أجل ضمان الاستمرار، أسست الحركية الاقتصادية لنظام “متزمت” جعل من الملكية الفكرية والصناعية محركا للمبادلات التجارية بين البلدان يعد اليوم من أهم مصادر المال إن لم يكن هو الأهم على الإطلاق. فكلما كان المنتج فريدا من نوعه، كلما كانت قيمته عالية و حقوق الملكية المترتبة عنه كبيرة. “يلعب الماركتينج(التسويق) دورا مهما في تنمية حقوق الملكية. كلما كانت العلامة التجارية قوية كلما زادت القيمة المادية لحقوق الملكية “، يذكر الأستاذ بوكرامي، محامي يدير مكتب معتمد في مجال الملكية الصناعية.
تحذلق الشركات متعددة الجنسيات في تسويق الاحتكار
في كل الأحوال، يقول أهل الاختصاص، لا تقتصر حماية الملكية الفكرية و الصناعية على تسجيل المنتج أو الاختراع لدى المؤسسات المسؤولة، وإنما على الدولة أن تعمل على تهيئة الظروف الأمنية والتقنية لمكافحة كل وسائل الاحتيال والقرصنة الاستغلال غير الشرعي للموارد المحمية. “حماية الملكية الصناعية مسألة تكنولوجية بالدرجة الأولى وتتطلب إمكانيات. فإن توصل حماة الملكية الفكرية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع تقنيات تربط منتجاتهم بحواس الشم والسمع والذوق لتحديد ما يميزها عن باقي المنتجات، فوضع مثل هذا النظام في الجزائر أمر مكلف و يتطلب التحكم في التكنولوجيا“، يشرح الأستاذ بوكرامي.
لكن إذا كان هناك “تراخ” من طرف الدولة الجزائرية مقابل تحذلق الأمريكيين في احتكار كل ما يمكنه أن يدر مالا، فلذلك أسباب تتعلق بضعف الابتكار في الجزائر من جهة و”الفرص” المتاحة أمام متعامليها الاقتصاديين من جهة أخرى. “هناك فرص عديدة يمكن استغلالها للتطور والتقدم. فأي براءة اختراع غير مسجلة في الجزائر يكون استعمالها متاحا و لا يملك صاحبه الحق في منع استعماله“، يضيف الأستاذ بوكرامي. في هذا “الاستعمال العبقري“، حسب وصف نفس المتحدث، جهد لاكتساب التكنولوجيا و هو لا يعتبر تقليدا في نظر القانون، فهناك عدد لايحصى من الاختراعات غير المسجلة في الجزائر و يمكن تجسيدها من طرف الصناعيين أو مساعدة أصحابها على تطويرها. في نفس السياق، يستطرد الأستاذ بوكرامي مبرزا ما يمكن وضعه في خانة ضعف منظومة حماية الملكية الفكرية و الصناعية: ” لا يثق المخترعون في بلادنا في السلطات التي من صلاحيتها تسجيل الاختراعات ولا يعرف معظمهم قوانين حماية الملكية الفكرية. لكن ما يجدر التنبيه إليه هو غياب المؤسسات التعاونية التي تلعب دور الوسيط بين الشركات والمخترعين وكذلك النقص الفادح في الكفاءات التي تختص بوصف الاختراعات“. أما عن “التقليد الإيجابي” فيتجلى فيما يخص الصناعة الصيدلانية و التي يناضل من أجل “دمقرطة” ابتكاراتها عديد المنظمات غير الحكومية حتى تسهل إتاحة الأدوية الجنيسة بأقل الأثمان لذوي الدخل الضعيف. كما نددت منظمة “أطباء بلا حدود” باتفاق حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة (أدبيك) الذي يحرص على محاربة التقليد و الذي نتج عنه في مجال الصحة، وفقا للموقع الإلكتروني للمنظمة، سيطرة عدد قليل من المختبرات الصيدلانية العالمية على سوق الأدوية. فالأدوية منتجات ذات كثافة عالية من حيث الملكية الفكرية لما تتطلبه صناعتها من بحث علمي. وهي موضوع حماية يركز عليه اتفاق “أدبيك”. و إذ يشار في المفاوضات التي تقوم بها الجزائر من أجل الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة إلى هذه النقطة، شكل منع استيراد عدد من المواد الصيدلانية المصنعة في الجزائر في سبيل تشجيع الصناعة المحلية الناشئة للأدوية موضوع خلاف جديد، فقد اعتبر ذلك انتهاكا لاتفاقية الجات ل 1994 و دعيت الجزائر إلى العدول عن هذه الممارسة في أقرب وقت ممكن أو فور انضمامها الى المنظمة. وهذا بالرغم من أن نصوص المنظمة تسمح بذلك فيما يتعلق بالصناعات الناشئة. يقول المحلل الاقتصادي برور في هذا الصدد “أننا نعيش اليوم حرب اقتصادية عالمية و من المهمات السيادية للدولة حماية المنتجات المحلية “. فبذلك تحمي مصالحها الإقتصادية.