لا يزال التعليم الخاص في الجزائر في بداياته ولم يحقق الكثير في سبيل تخفيف الضغط عن المدرسة العمومية و ذلك بسبب الصعوبات التي يواجهها من أجل احتلال مكانة في المنظومة التربوية فهو يكافح حتى يتم تقبله من طرف مجتمع تعوّد على عمومية و مجانية التعليم منذ قرون. فنظام التربية و التعليم كان مبنيا على المجانية قبل الاحتلال الفرنسي في 1830 إذ كان يتم تمويله من عائدات الأوقاف التي تديرها الزوايا المكونة لهذا النظام. و لم تمحي الحقبة الاستعارية الفرنسية هذه العقلية فالمنظومة التربوية الفرنسية و إن لم تتح فرصة التعليم إلا لقلة قليلة من الجزائريين كانت تقوم أساسا على مدرسة عمومية شبه مجانية. و كرست الجزائر المستقلة مجانية التعليم منذ البداية لمحو أمية السواد الأعظم من الجزائريين الذين عانوا التجهيل إبان الاستعمار الفرنسي و لم يُشجع الخواص من أجل الاستثمار في التعليم إلا حديثا. و لا يزال هذا القطاع يمر بظروف عصيبة من أجل فرض نفسه في الساحة التعليمية الجزائرية.

فعلا، فلا يتمدرس اليوم ب 260 مدرسة خاصة المعتمدة بالجزائر سوى 60000 تلميذ في كل الأطوار أي أن عددهم لا يصل حتى 1 بالمئة (0.6 بالمئة) من مجمل المتمدرسين البالغ عددهم هذا العام حوالي 9 ملايين تلميذ. و هذا بسب نقص المستثمرين في التعليم و بالتالي نقص المدارس الخاصة من جهة و تردد الأولياء في تسجيل أبنائهم في المدارس الخاصة الموجودة من جهة أخرى. إذ تجدر الإشارة هنا إلى أن المدارس الخاصة الأولى التي فتحت في سنوات التسعينيات كانت تزاول نشاطها دون أطر قانونية و لم يُؤسس لها إلا سنة 2004 بصدور المرسوم المؤرخ في 23 أكتوبر 2004 و الذي وضع دفترا للأعباء يحدد المواصفات الخاصة بإنشائها ومراقبة نشاطها. و تعد سنة 2005 أول سنة عادية للتعليم الخاص في الجزائر رغم أن ماحدث خلالها من اضطراب أثار حفيظة الكثير من الأولياء الميسورين الذين يبحثون عن ظروف أمثل لتمدرس أبنائهم و رسخ فكرة عدم قدرة الخواص على تسيير المؤسسات التعليمية.

لما أغضبت لغة التدريس في القطاع الخاص رئيس الدولة…

أخضع دفتر الأعباء المدرسة الخاصة إلى نفس القوانين المطبقة على المدرسة العمومية و ألزمها بتطبيق نفس البرامج و المناهج التعليمية وأكد على إجبارية استعمال اللغة العربية في التدريس. و سرعان ما تحول تسامح الدولة مع الوضع غير القانوني للمدارس الخاصة التي كانت تعتمد في معظمها النظام التعليمي الفرنسي إلى ردع. و أغُلق السواد الأعظم من المدارس الخاصة في منتصف السنة الدراسية 2005-2006 تباعا لتصريح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إذ حذّر من الاستهتار باللغة العربية و ببعدها الهوياتي ملحّا على ضرورة احترام مرسوم أكتوبر2004  الشيء الذي أجبر أولياء التلاميذ المتمدرسين بها إلى البحث مجددا عن مقاعد بيداغوجية لأبنائهم في المدارس العمومية.  فعلا، تحتل مسألة اللغة مكانة كبيرة في تطبيع التعليم الخاص. و يبرز الحزم الحكومي الذي تلا الإنذار الرئاسي حساسية قضية اللغة المعتمدة في التدريس و التي تعتبر نقطة الخلاف الرئيسية بين فئتين من المجتمع جعلت من المدرسة حلبة صراع أيديولوجي يتسبب دوريا في اضطرابات تعطل التلاميذ عن الدراسة و تشوش على برنامج إصلاح المنظومة التربوية (أنظر مقال: تشويش مستمر على برنامج  الإصلاح). وإن اعتقدت السلطات العمومية أنها حلّت المشكلة بإصدار منشور يلزم المدارس العمومية بالتكفل بالتلاميذ الذين وجدوا أنفسهم من دون مدارس في منتصف العام الدراسي، فالمشكلة أعمق بكثير و تخص خيار الحياة التي يريدها الأولياء لأبنائهم و هو رفض العودة إلى المدرسة العمومية لنفس الأسباب التي دفعتهم لتركها و وضع أبنائهم في المدرسة الخاصة و أهمها التدريس باللغة الفرنسية التي باعتقادهم تُمكّن أبنائهم من مواصلة الدراسة بالخارج بأكثر سهولة. فبانتظامها وفقا للإطار القانوني الذي وضع من أجلها في 2004 بعد سنوات من الحرية في اختيار برامج التدريس بناء على الطلب، فقدت المدرسة الخاصة كثيرا من جاذبيتها. و إن تستمر المدارس الخاصة في بذل مجهود في تخصيص حجم ساعي أكبر مما هو عليه في المدارس العمومية لتدريس اللغات الأجنبية، فهي لا تختلف اليوم كثيرا عن المدارس العمومية إلا من حيث الظروف المادية للتكفل بالطفل من نقل و إطعام. و يجب التذكير هنا أن حملة الغلق التي مست المدارس الخاصة في 2005-2006 لم تكن فقط بسبب لغة التدريس. فكثير منها لا تملك المباني الملائمة للعملية التعليمية.

أسعار تتراوح ما بين  1500 و 5000 أورو في السنة

في هذه الظروف، و إن تضاعف عدد التلاميذ المتمدرسين في المدارس الخاصة منذ صدور المرسوم المؤطر لنشاطها – من 13000 خلال الموسم الدراسي 2005-2006، بلغ 26000 في 2009-2010 ثم 60000 بالنسبة للموسم الحالي–، تبقى نسبتهم ضئيلة بالنسبة للعدد الهائل من التلاميذ في القطاع العام.

و لا يعود هذا لصغر حجم السوق الجزائرية أو قلة عدد الميسورين من الجزائريين و إنما لضعف القطاع الخاص في استقطاب المتمدرسين. فالأسعار المطبقة تبقى في متناول الطبقة المتوسطة. إذ يبلغ متوسط كلفة التمدرس في الابتدائي 200000 دينار جزائري في السنة (1500 أورو) و 250000 دينار جزائري بالنسبة للتعليم المتوسط (1800 أورو) و 300000 دينار للتعليم الثانوي (2200 أورو). إلا فيما تعلق بالمدرسة الفرنسية التي لا تخضع للقانون الجزائري و تبلغ كلفة التمدرس بها 700000 دينار جزائري في السنة (5000 أورو). و هي لا تتوفر على عدد كبير من المقاعد البيداغوجية و يخضع التمدرس بها لشروط.

و من بين ما يدفع الأولياء إلى وضع أبنائهم في المدارس الخاصة، نظامها نصف الداخلي و خدمة النقل التي توفرها مما يضمن حضانة الأطفال ما بين الفترتين الصباحية و المسائية و هو الشيء الذي يشكل هاجس الأولياء العاملين و الذين لا يسمح لهم توقيتهم من البقاء مع ابنائهم في منتصف النهار.

لا يلبي التعليم الخاص فعلا ما كنت أنتظره و لم ألحظ أية قيمة مضافة للمدرسة الخاصة التي يزاول بها ابني دراسته و هذا بالرغم من وجود 3 تلاميذ فقط في القسم“، يقول حميد القاطن بحي سعيد حمدين بأعالي الجزائر العاصمة و الملك لشركة خاصة. و يضيف محاولا فهم الأسباب: “يكثر في المدارس الخاصة المتقاعدون من التعليم العام وهم مرهقون و لا يتحلون بإرادة أكبر من إرادة المدرسين في المدارس العمومية و لا تزيد كفاءتهم إن قبضوا أجرا أكبر في القطاع الخاص. كما أنه من المفروض أن المدارس الخاصة تتيح فرصة التعليم وفق برامج أخرى غير البرنامج المعتمد في المدارس العمومية كالبرنامج الفرنسي حتى توفر خيارات أفضل لمن يرتادونها مما يسهل لهم التأقلم في الجامعات الفرنسية مثلا بعد الباكالوريا“.

نسبة النجاح في البكالوريا كمعيار لنوعية التعليم في القطاع الخاص

في بعض الاحيان يلجأ الأولياء الى المدارس الخاصة فقط قصد ضمان إنجاح أبنائهم و المرور من سنة إلى أخرى حتى و إن كانوا غير مؤهلين لذلك. و تطرح قضية التلاعب بالنتائج بحدة إذ لا يتردد بعض القائمين على المدارس الخاصة في ” نفخ” نقاط تلاميذهم من أجل إيهام الأولياء بتحسن مستوى أبنائهم و إغرائهم بمواصلة تمدرسهم بتلك المدارس. و هو ما يحاربه الخواص الذين ينضوون تحت لواء الجمعية الوطنية للمدارس الخاصة. هم يدافعون عن أخلاق المهنة في كفاح مزدوج من أجل تطهير القطاع من المحتالين و تعزيز مكانة القطاع الخاص في الساحة التعليمية الجزائرية. و لعل نسبة النجاح في الامتحانات الرسمية  (شهادة التعليم الابتدائي، شهادة التعليم المتوسط و شهادة البكالوريا) هي بارومتر نوعية التعليم في هذا القطاع. فقد خاض رئيس هذه الجمعية، سليم آيت عامر، صاحب مدرسة “سليم” ببرج الكيفان شرق الجزائر العاصمة، منذ سنتين جدالا مع وزارة التربية الوطنية حول ما تشير إليه أرقام الباكالوريا إذ تحصل فقط 40 بالمئة من المتمدرسين في القطاع الخاص على هذه الشهادة التي تفتح أبواب الجامعة  وهي نسبة أقل من معدل النجاح في القطاع العام الذي حقق تقريبا 55 بالمئة في ذلك الموسم الدراسي. و قال سليم آيت عامر في تصريح لإحدى الجرائد الناطقة باللغة العربية آنذاك  أنه ” لا يمكن الحكم على نوعية التعليم الخاص بالنظر لنسبة النجاح في الباكالوريا لأن التعليم الخاص حديث في الجزائر التلاميذ الذين تتلمذوا في الابتدائيات و المتوسطات الخاصة لم يُمتحنوا بعد في البكالوريا. أما  المتمدرسين بالثانويات الخاصة، التي لا يتجاوز عددها العشرين، ممن امتحنوا في البكالوريا فقد تتلمذوا بالمدارس العمومية، ثم أُحيلوا على الحياة المهنية بحجة أنهم تلاميذ فاشلون، وقد أنقذتهم الثانويات الخاصة من الشارع، أنقذتهم من الضياع ومنحتهم فرصة لتحسين مستواهم و تحقيق حلمهم في الحصول على البكالوريا“. وبناء عليه، تعتبر بكالوريا هذه السنة امتحانا مصيريا للمدارس الخاصة كون المتمدرسين في الثانويات منها أو شريحة كبيرة منهم يكونون قد تتلمذوا في القطاع الخاص منذ القسم التحضيري.