ما هي أنواع الادمان و المواد السامة التي يستهلكها المدمنون والتي تدفع إلى حالات مرضية؟

هناك المواد السامة التي يسمح بها القانون مثل التبغ والكحول، والأخرى ممنوعة الاستهلاك بدون وصفة طبية مثل أدوية البانزوديازيبين وأدوية أخرى تستعمل بطريقة غير شرعية في الإدمان. هناك أيضا الكوكايين والهيرويين وبعض المنشطات النفسية التي تستخدم أيضا من قبل المدمنين.

هل توافق على التصنيف الذي يفيد  بأن الأغنياء يدمنون على  الكوكايين والهيرويين و الفقراء يدمنون على القنب  والمؤثرات العقلية؟

الأغنياء هم أكثر من يستهلك القنب والعقاقير من رتبة البنزديازيبين، و هي أكثر المخدرات استهلاكا في الجزائر. والقول أن المخدرات هي من اختصاص الفقراء هو حكم مسبق عليهم، إنها آفة المجتمع عامة تطال كل الفئات العمرية والاجتماعية. حتى سعر القنب نفسه لم يعد في متناول الجميع. فقد تضخمت أسعاره و وصلت 3000 دينار جزائري للوحدة (21 أورو) بسبب قلته في السوق فالمجهودات التي تقوم بها الجهات الأمنية  على الحدود بصفة عامة و الجدار العازل الذي وضع على جزء من الحدود الغربية مع المغرب صعّب دخول القنب  إلى الجزائر لذلك هناك نقص في العاصمة وفي بعض المناطق الأخرى من البلد. وبالتالي فإن الفقراء سوف يتخلون عن القنب و يذهبون إلى العقاقير النفسية. هذا ما يحدث الآن. لدينا زيادة في استهلاك المؤثرات العقلية.  لا ننسى بأن الإدمان على أي مادة يدفع إلى الإدمان على مادة أخرى. بمعنى الإدمان يجلب المزيد من الإدمان. وبسبب  قلة القنب وارتفاع أسعاره، معظم مستهلكي القنب يلجأون  اليوم إلى  العقاقير النفسية التي هي أرخص بكثير مثل جزيء  “ليكسوميل” أو “الكييتيل” الذي هو الدواء الجنيس المعادل ل “ليكسوميل”، إذ لا يكلف القرص الواحد منه سوى 200  دينار جزائري (1.5 أورو).

هل هو نفس تأثير القنب ؟

ما يبحث عنه المدمن هو تأثير مزيل للقلق. يوفر القنب هذا المفعول والأكثر من ذلك فإنه يجلب الشعور بالغبطة والضحك. لكن الفرق بين القنب والمؤثر العقلي هو أنه مع القنب لا يوجد إدمان ولا تبعية الجسم للمادة المخدرة، بينما مع العقاقير العقلية هناك الاعتماد البدني الحقيقي الذي سوف يستقر بالجسم ويحدث حالات نقص حقيقية. من أجل خلق هذه التبعية البدنية لدى المستهلكين، يقوم تجار المخدرات والمهربين بإضافة المؤثرات العقلية إلى القنب الذي يصل من المغرب، بحيث يتم “قطع” القنب مع تلك العقاقير العقلية. وهذا ما يخلق إدمان فعلي على القنب. القنب الطبيعي غير المخلوط في حد ذاته لا يخلق إدمان بدني إلا نادرا. ومن المسلّم به أن هناك اعتمادية نفسية للقنب ولكن الاعتمادية البدنية نادرة.

هل كل المخدرات تؤدي إلى العنف، هل كل المدمنين عنيفون، هل هناك مدمنون ليسوا عنيفين؟

يعتمد ذلك على “البروفايل” وشخصية المريض. إذا كان الشخص  يتناول القنب في بعض الأحيان وينتمي إلى شريحة اجتماعية هادئة، مندمج اجتماعيا ولا يعاني من اضطرابات  في الشخصية، فتناول القنب من وقت لآخر نادرا ما يخلق لديه مشاكل سلوكية أو غيرها، لكن يمكن أن يحدث ذلك وهذا ما يسمى بالانجليزية “باد تريب” أي رحلة سيئة. وهذه الحالة تحدث مع أي مخدر. والفرق الوحيد بين المواد المخدرة هو أن بعضها “أديكتوجينيك” أكثر من غيرها ( درجة الادمان تختلف من مادة الى اخرى).  فبما أن الهيروين، مثلا، تُحقن من خلال مجرى الدم بشكل عام أو عن طريق الاستنشاق يكون التأثير أكبر على مستوى الدماغ، ويتم تحفيز هرمونات المتعة  من “دوبامين” و “إندورفين” بشكل أكبر. و كلما كان تحرير هذه الهرمونات على مستوى الدماغ  كبيرا كلما زادت درجة الإدمان. إذن فليس لكل المخدرات نفس آلية التأثير على الدماغ.

هل توافق بأن المؤثرات العقلية والقنب هي أكثر المواد استهلاكا من قبل المدمنين في الجزائر؟

نعم ، و إذا كان علينا تصنيفها يأتي القنب في المقام الأول، ثم المؤثرات العقلية بشكل عام في المقام الثاني:  ” البانزوديازيبين”  وبعض العقاقير المضادة لداء الباركينسون مثل “الباركيديل” و”الباركينال” و”اللارتان”. هناك منتج جديد يستخدم هو “ليريكا” إذ أصبح استهلاكه موضة بل وقد أصبح يتجاوز “البانزوديازيبين” و المخدرات الأخرى.

ما هي حكاية هذا المخدر، فقد سمعنا الكثير يحذرون من خطورته وأنه يؤدي إلى الموت؟

هو في الأصل دواء لا يصفه الطب النفسي إلا نادرا لعلاج بعض حالات القلق العامة و يستعمله بعض الأطباء في اختصاصات طبية أخرى، دون علمهم بمخاطر الآثار الجانبية لهذه المادة التي تسبب الإدمان وبعض الاضطرابات السلوكية لمرضاهم. المشكل مع هذا الدواء أنه غير مصنف في خانة المهلوسات. ترى بعض المحاكم أن هذا الدواء يعتبر مؤثرا عقليا و تسويقه بدون وصفة طبية يعتبر ترويجا وتشجيعا على الإدمان في حين يقدر البعض الآخر أنه دواء عادي يستعمل من طرف الطب العام.  ليس هناك قاعدة تتعلق بتسويق هذه المادة والمتاجرة بها لا تخضع لنفس القمع المعمول به بالنسبة للعقاقير الأخرى والمؤثرات العقلية وهو اللبس الذي يستغله تجار المخدرات من أجل ترويجها.

ما هي الحالات التي تجبر الأطباء على إدخال المدمن إلى مستشفى الأمراض العقلية؟

90 بالمائة من الحالات التي تتطلب إدخال المريض إلى المستشفى هي العنف. فهي حالة طارئة تتوجب حماية الفرد من نفسه وحماية الأهل فالعنف يشكل خطرا للطب النفسي أن يتهاون معه كالانتحار أو القيام بفعل عدواني تجاه الآخرين.

هل هناك صلة سببية بين الإدمان والمرض العقلي؟

أظهرت الدراسات أن خطر الإصابة بمرض الفصام لدى الأفراد الذين أدمنوا المخدرات في سن المراهقة (ابتداء من سن العاشرة) و أن استهلاك القنب بشكل منتظم ومتكرر أثناء هذه المرحلة العمرية يزيد من مخاطر الإصابة بمرض الفصام. كما يسبب استهلاك القنب التدهور المعرفي للفرد المدمن و تدهور ا في قدراته العقلية  ومن آثاره الفشل الدراسي وصعوبة التركيز وربط  علاقات مع الاخرين و الاحساس بالمتعة و في وقت لاحق ظهور متلازمة انعدام التحفيز. فكل ما يريده المدمن هو أن يقبع بالمنزل، فلا يخرج لا يتحرك ولا يعمل، كل ما يريده هو الحصول على جرعته من القنب من أجل الاحساس بالمتعة و هو بذلك معرض لخطر الإدمان على مواد أخرى و كذلك الانتحار.

لماذا تشكل رعاية المدمنين على المخدرات مشكلة وعبئا كبيرا على الأطباء النفسيين في الجزائر؟

“في الجزائر، لا يعتبر الإدمان حتى الآن مرضا في حد ذاته، مع أنه السبب الرئيسي للإعاقة في العالم.

ففي فرنسا مثلا، يعتبر الإدمان مرضا حيث تمنح السلطات العامة إعانة مالية قدرها 700 € شهريا لكل من يعاني من إعاقة. كما يوفر التأمين الصحي للمدمنين تغطية شاملة للنفقات الطبية بنسبة 100٪. في حين أن بطاقة “الشفاء” في الجزائر لا تمنح تغطية شاملة لتسديد نفقات الأدوية باستثناء بعض الأمراض المزمنة مثل الفصام وثنائية القطب. أسعار الأدوية لعلاج الادمان باهظة الثمن فعدد كبير من المرضى لا يمتلكون بطاقة “الشفاء” وهذا ما يزيد الأمر تعقيدا بالنسبة للمريض وللطبيب النفساني الذي لا يستطيع إتمام العلاج دون الأدوية المستخدمة في مرحلة الفطام والتي يبلغ ثمنها في المتوسط 7000 دينار جزائري (50 أورو)  للدواء الواحد. إذا كنا نعول على 3 أو 4 أدوية للعلاج أثناء الفطام سنصل إلى ما مجموعه 15000 إلى 20000 دينار جزائري  (100 إلى 140 أورو) في الشهر للمريض الواحد. والأسوأ من ذلك هو عدم توفر الأدوية الخاصة بعلاج الإدمان للمواد الأفيونية مثل الكوكايين على الإطلاق. هذا و قد طلب  الدكتور بوربون رئيس قسم الإدمان بمستشفى البليدة وهو المسؤول عن التكفل بمشاكل الإدمان على المخدرات في الجزائر ترخيصا من السلطات المعنية في سبيل استيراد مثل هذه الأدوية الخاصة بالإدمان الأفيوني و قال لي مؤخرا بأن الأمور تمشي في الطريق الصحيح لكننا لم نحصل بعد على نتيجة.

 

هل من المعقول أن لا يتوفر البلد سوى على مركز واحد للاستشفاء وعلاج الإدمان (بما أن المركز الثاني المتواجد في وهران لم يدخل بعد حيز الخدمة) ؟

ليس من المعقول إرسال مدمن من تمنراست في أقصى الصحراء إلى البليدة في الشمال وجعله يسلك مسافة 2000 كلم تقريبا لمجرد استشارة طبية  أو للاستشفاء في ظل الطلب المتزايد و قلة الأسرّة لبرمجة المرضى، فقد بلغ تعاطي المخدرات في الجزائر مستوى مقلقا جدا، فمعظم المرضى الذين يلجأون الى أقسام الطوارئ هم من المدمنين، سواء جاؤوا عن طريق الاعتقال أو من تلقاء أنفسهم، يكونون عامة في حالة الفطام بعد توقف مفاجئ لتناول المادة السامة سواء لأنهم كانوا مسجونين ولم يحصلوا على المخدر أو لأنهم لم يستطيعوا العثور عليه أو شراءه بسبب عدم توفر النقود. يكون المدمن في حالة نقص تظهر في  شكل اضطرابات مرضية عبارة عن ارتجاف وانفعال وفي بعض الاحيان يكون المدمن في حالة تشويش وارتباك حتى الهلوسة.

أنشأت الدولة مؤخرا ما يسمى بالمراكز الوسيطة لعلاج الادمان ، ما دورها وما الذي ينقصها؟ 

في مركز” برج الكيفان” الوسيط لمعالجة الادمان التابع لمستشفى مصطفى باشا، كان لدينا 3 أطباء نفسيون، يقومون بوضع برامج للوقاية من الادمان. لكن المركز معرض اليوم للغلق بسبب وفاة أحد الاطباء و تقاعد آخر، إذ لا يمكن أن يستمر المركز بطبيب أخصائي واحد و لم يتم فتح مناصب مالية من أجل توظيف أطباء جدد. أما عن دور المراكز الوسيطة فهي تقدم الاستشارات الطبية والاسعافات الأولية كما تستقبل المرضى ممن هم على درجة من التحفيز للعلاج و الخروج من الادمان. لكن ليس بإمكان هذه المراكز معالجة بعض أنواع الادمان العسيرة التي تتطلب الاستشفاء والرعاية داخل المستشفى. و خدمة الاستشفاء الوحيدة ضد الادمان يوفرها مركز البليدة.

أين تكمن المشكلة ؟

يكمن النقص في تكوين وتدريب الأطباء النفسيين و المسعفين على رعاية المدمنين في مثل هذه المراكز. و عدا محاولة البروفيسور بوربون، رئيس قسم الادمان بالبليدة القيام بدورتين تدريبيتين، لم تُنظم أي دورات أخرى تتعلق بمعالجة الادمان. المشكلة ليست مشكلة بنى تحتية كما يعتقد البعض فالرهان اليوم هو رهان تكوين و تدريب كفاءات قادرة على استغلال البنى الموجودة. ففي تمنراست أُنشأ مركز لم يفتح أبوابه يوما لعدم توفر عدد كافي من الموظفين. كذلك في سطيف، الولاية الثانية في الجزائر من حيث عدد السكان، أين  بُني مستشفى كان من المفروض تخصيصه لمعالجة الامراض العقلية والنفسية أن يشتمل  على مركز لإعادة التأهيل وإزالة السموم  شبيه بمركز البليدة، إلا أنه تم تحويله عن هدفه الأول بتفضيل الاختصاصات الأخرى على حساب الطب النفسي ومعالجة الادمان. في المسيلة أيضا تم إنشاء مستشفى يتسع ل 200 سرير لم يدخل حيز الخدمة بعد بسبب نقص الأخصائيين. باختصار، لا تعتبر السلطات الطب النفسي أولوية و كثير من الأخصائيين النفسانيين هاجروا إلى الخارج بسبب ظروف العمل القاسية.  بالأحرى هناك مشكل في التخطيط ، أغلب الممرضين ذهبوا إلى التقاعد ولا يوجد عدد كاف لتعويضهم.  هناك مثلا جناح ب 150  سرير في مستشفى الشراقة مغلق بسبب نقص الممرضين. نحن أيضا في مستشفى مصطفى باشا لدينا وحدة مغلقة بسبب نقص الممرضين إذ لم يتم التخطيط لتعويضهم مسبقا. يجب تعزيز هذا الاختصاص وتكوين ممرضين جدد من أجل حل هذه المشكلة.

لماذا لا تهتم السلطات العمومية بالطب النفسي ؟

لايزال الادمان والأمراض النفسية من التابوهات. وإذا كانت درجة التطور والازدهار في بلد ما تقاس بدرجة اهتمامه وتعامله مع مرضاه العقليين، فالرعاية الطبية في هذا المجال هي حلقة الضعف لدى نظام الصحة الحالي بالجزائر. أيعقل أن بلدا فيه 40 مليون نسمة يتوفر فقط على 25 سرير لمعالجة الادمان؟  قلة الأماكن بمركز الادمان تدفع بالأطباء إلى وضع المرضى في جناح الأمراض العقلية و في بعض الأحيان في  أقسام تُداوى فيها أمراض عقلية ثقيلة. لكم أن تتخيلوا كيف سيكون حال المدمن الذي لا يعاني من مرض عقلي إن تم وضعه مع المرضى العقليين ؟ لما يكون المريض في حالة “الفارماكوبسيكوز” يتم وضعه في هذا الجناح لأننا هنا لا نعالج الادمان وإنما حالة ذهانية وهذا يدخل في نطاق الحالات النفسية الطارئة. ومن المفروض إعادة الاستقرار للمريض قبل وضعه تحت برنامج إزالة السموم الذييكون بإرادته الشخصية. وهذا معمول به في البلدان الاخرى. و إذ أن المشكلة في الجزائر تتلخص في نقص الأسرّة، إلا أنه لمن غير المجد إنشاء مستشفيات بدون أطباء بسبب نقص الكفاءات وضعف التدريب على معالجة الادمان . فالإدمان لا يكون فقط على التبغ والكحول والمخدرات، هناك من هم مدمنون على الأفلام الخليعة مثلا وهذا أيضا مرض يجب أن يعالج. مراكز معالجة الادمان تعالج كل انواع الادمان وهذا الاختصاص ناقص في الجزائر.

هل هناك نقطة لا عودة بالنسبة للمدمن على المخدرات؟

نستطيع أن ننقذ الكل و يكون هذا حسب إرادة المريض والرعاية الطبية الممكن أن تتوفر له. لكن إذا تطورت لديه حالات مرضية أخرى مثل الفصام و الذهان بحيث لم تعالج مثل هذه الأمراض بشكل سليم وتأسست لديه أعراضها السلبية، فمن غير الممكن استعادة المريض.