مضت 5 سنوات على زواج السيدة الروسية ناتاشا مندلييف (29 عاماً) بالليبي محمود بو محراك (33 عاماً) وانتقالها للعيش معه في طرابلس، ورغم صعوبة تعلمها اللغة العربية و اللهجة الليبية إلا أنها بدأت شيئاً فشيئاً تعتاد الحياة في بلد قد تمطر سماؤه رصاصاً في أية لحظة!
“عندما تحدثت مع محمود بواسطة الانترنت لأول مرة ظننته يمزح بشأن الارتباط معي، وبحكم كونه مسلماً مثلي أصبح هناك نوع من الارتياح” تقول ناتاشا متحدثة باللغة الإنجليزية لـ”مراسلون”، وتواصل مبتسمة “ثم فوجئت بقدومه إلى روسيا بعد أشهر من حديثنا ليتحول الأمر الى زواج رسمي بعد علاقة قصيرة”.
نحن لا نمزح!
كان والدا ناتاشا التتارستانية يعيشان في مدينة سان بطرسبرغ، أما هي فقد عاشت في قازان مع أخيها إمام المسجد، يقول محمود مستلماً الحديث عن زوجته “تعرفت عليها عن طريق عائلة ليبية مقيمة في روسيا وتم التواصل عن طريق الفايبر والسكايب”.
يتابع محمود “ذهبت إلى روسيا في 2012 وفي نيتي عقد القران، وبقيت 3 أيام دون أن أخبر أحداً بوجودي هناك لا أهلي ولا أهلها.. كان ذلك من باب الاستكشاف”، ويطلق ضحكة قصيرة ثم يواصل “بعدها علمت ناتاشا بقدومي وكانت مفاجأة وبرهان على جديتي.. نحن لا نمزح”..
وبعد أن تم الاتفاق شرع محمود في إجراءات الزواج حيث قام بمراسلة أخيه للحصول على موافقة الدولة الليبية بشأن الزواج من أجنبية وكذلك على إفادة بعدم الزواج سابقاً، وكلها احتاجت إلى ترجمة للغة الروسية “الحمد لله تم الموضوع ثم عدنا إلى طرابلس والآن لدينا طفلان” يقول محمود.
حياة أسرية هادئة
شكل ناتاشا في ثوبها الفضفاض الواسع “الجلابية” و”المحرمة” التي تغطي شعرها يضع انطباعاً أولياً لدى من يشاهدها بأنها ليبية من أسرة محافظة، ولن ينتبه لكونها “أجنبية” إلا من يتفرس في ملامحها أو يسمعها تتحدث، فهي لا تتحدث اللغة العربية بل تستخدم اللغة الانجليزية للتواصل مع زوجها ومحيطها إلى جانب لغتها الأم “الروسية” وإن كانت تفهم جانباً كبيراً من “اللهجة الليبية”حسب قولها.
تقول عن مسكن عائلتها “لدينا حديقة في البيت وهو عبارة عن شقتين أنا وزوجي في الأعلى ووالدة زوجي وأخوه الصغير في الأسفل”، وتربي ناتاشا في ذلك البيت طفليها ميرال (3 أعوام) وسعد (عام واحد)، وقد زارت مدناً ليبية من بينها: بنغازي وطبرق والمرج وشحات.
تعيش عائلة محمود في منطقة الكريمية التي تتبع إدارياً بلدية السواني بمحافظة العزيزية جنوب طرابلس، وهي منطقة تجارية تكتظ بالمتاجر والمحال التجارية “الجملة” وبها “سوق الكريمية” أحد الأسواق المركزية المهمة على مستوى ليبيا والمنطقتين الغربية والجنوبية.
وتحتوي الكريمية كذلك على أحياء سكنية حديثة، نقية الهواء، وبها مزارع ومساحات خضراء، إلى جانب قربها من مناطق جنزور والسواني والسراج ووسط البلاد ومطار طرابلس العالمي، إلا أن أهمية المنطقة اقتصادياً لم تحفظها بمنأى عن الاشتباكات المسلحة التي غالباً ما تُسفر عن سقوط ضحايا.
تصف ناتاشا حياتها فتقول “الحياة تسير بشكل روتيني لكنك لا تعلم متى تندلع اشتباكات مسلحة ولا تعلم بين من ومن؟!”
اندماج في المجتمع
كانت أمنية محمود الاولى بعد الزواج أن يأكل من يدي زوجته وجبات شعبية ليبية، فظل الأمر حلماً إلى أن فوجئ بسرعة تعلم ناتاشا وإتقانها طبخ الطعام الليبي تحت إشراف والدته الطباخة الماهرة ..
“أمي تعمل خبزة التنور ومختلف الأكلات الشعبية، وناتاشا سريعة التعلم وهي الآن تستطيع طبخ الكسكسي والمبكبكة والحرايمي والمحاشي، تقريباً كل الأكلات ما عدا العصبان وتعصيد البازين” يقول محمود مبتسماً.
وفي إجابة لها على سؤال حول مصاعب التواصل واللغة تقول ناتاشا “أنا أتحدث الانجليزية بطلاقة وهي وسيلة التواصل مع زوجي، إلى جانب بعض الكلمات الروسية والعربية أما اللهجة الليبية فيمكنني فهم مضمون العبارات ولكني لا أتحدث بها بشكل كافٍ حتى الآن ولا زلت أتعلم ..”
يقول محمود “اشتركت في خط إنترنت سريع لضمان تواصل زوجتي مع أسرتها وصديقاتها، وهي عندما تشعر بالملل ترافق والدتي لزيارة أقاربي أو التسوق أو الذهاب للبحر”.
لا مقارنة والأمل باق
الحالة التي تمر بها ليبيا اليوم تجعل إقبال الأجانب على العيش فيها ضرباً من المغامرة لا يخلو من مخاطر، خاصة إذا ما قورن بالعيش في دولة كروسيا الاتحادية، وهذا ما لم تجامل فيه أبداً حيث تقول “في روسيا هناك مولات وأسواق أكبر ويمكنك الذهاب إلى الحدائق والملاهي وكل شخص في حاله، وكذلك الأمن مستقر ولا توجد اشتباكات ولا إطلاق نار مفاجئ”.
وتواصل متحسرة “أما من الناحية المادية فأسعار المواد الغذائية في ليبيا غالية خصوصاً في الفترة الأخيرة ..”.
حاليا تسافر ناتاشا بشكل دوري – كل 3 أعوام تقريبا – لرؤية عائلتها وصديقاتها في روسيا، وتتبادل الزيارة مع صديقة روسية وأخرى أوكرانية تقيمان مع أسرة زوجيهما في العاصمة الليبية ..
ختاما تسرّ ناتاشا لمراسلون إنها تعتبر الأوضاع التي تشهدها ليبيا حاليا أوضاع مؤقتة ستفضي إلى انفراجة كبيرة لأنها “دورة حياة الأمم والشعوب”.