في شقتها الكائنة بأحد أحياء إيطاليا تعيش منية الخمسينية منذ سنوات رفقة زوجها “روبارتو” وابنها الذي لا يكاد يحمل شيئا من ملامحها الشمال إفريقية.
في ذلك الحي لا يتساءل معارفها عن دينها ولا يهتمون لكونها تقضي شهرا بأكمله صائمة “هنا تسقط الاختلافات ولا يعني جيراني بشرة لوني أو كوني مسلم” تقول منية.
انتقلت هذه المرأة للعيش بإيطاليا بشكل نهائي منذ سنوات بعد أن أنجبت ابنها “ألبارتو” وبعد أن قرر زوجها مغادرة تونس والعودة بشكل نهائي إلى موطنه الأصلي.
تستحضر منية أول زيارة لها إلى إيطاليا قبل أكثر من 12 سنة عندما كانت تبرم عقد زواجها من “روبارتو”.
اضطرت حينها للسفر كي تتزوج دون حضور أهلها بعد أن اصطدمت بمنع القانون التونسي لزواج التونسية من غير المسلم.
بداية القصة
قبل سنوات جهزت منية حقيبة متواضعة وتوجهت نحو محطة الحافلات بإحدى قرى الشمال الفقيرة لتستقل حافلة باتجاه العاصمة بحثا عن شغل.
لم تكن تعلم يومها وهي الفتاة الفقيرة التي بالكاد تحسن القراءة والكتابة أن تلك الرحلة ستغير مسار حياتها ووجهتها إلى الأبد.
استقرت منية بمنزل فاخر بأحد أحياء العاصمة لتعمل معينة منزلية. لم يطل بها المقام هناك كثيرا فانتقلت إلى منزل آخر وتتالت تنقلاتها بين البيوت إلى أن سئمت وضعها.
قررت منية البحث عن عمل آخر حتى أسعفها الحظ والتحقت بمصنع للخياطة وهناك تعرفت إلى مديره الإيطالي وزوجها الحالي الخمسيني “روبارتو”.
أعجب بها الرجل كثيرا وأعجبت به ثم أحبّته ولمّا عرض عليها فكرة الزواج وافقت دون تردد.
رفض العائلة
لم تكن منية تعلم حين نطقت بالحروف الثلاثة المكونة لمفردة “نعم” كم المصاعب والعوائق التي ستعرتضها.
رفضت العائلة المحافظة البسيطة الأمر في البداية خوفا من أقاويل الناس وأعلمها محامون أنها لن تستطيع عقد قرانها ما لم يشهر زوجها إسلامه كما ينص على ذلك القانون التونسي.
أما زوجها فقد رفض الفكرة منذ البداية وسألها يومها “لماذا يطلب مني تغيير ديني هل سألتك العكس؟”.
لم تجد منية ما تجيب به ولأنها تحب زوجها حد الجنون وكانت مقتنعة بأنها لن تكون سعيدة إلا معه حسمت أمرها واتخذت القرار الذي تؤكد أنها لم تشعر يوما بالندم عليه.
باتجاه إيطاليا
بدأت منية رحلة حياتها الجديدة بعد أن عقدت قرانها بإيطاليا. لم يكن يشغل بالها حينها سوى غفران أهلها.
بعد أشهر عادت لتونس لتقيم مراسم زفاف بسيطة وتشهر زواجها الذي عجزت عن ترسيمه بالدوائر الرسمية.
تستحضر منية نظرات النسوة اللواتي حضرن ذلك الحفل الصغير يومها قائلة “كنت أرى نظرات الاستهجان في عيونهن فقد جلبت العار لعائلتي بهذه الزيجة”.
لم تختف تلك النظرات رغم مرور السنين ففي كل زيارة لها لتونس تشعر منية وجود “وشوشات” رغم أنها قلت كثيرا مقارنة بسنوات مضت.
تعيش منية اليوم رفقة زوجها وابنها حياة هادئة لا ينغصها عليها سوى فكرة كونها لا تستطيع أن تفكر يوما ما في العودة للاستقرار نهائيا بتونس رفقة عائلتها.
بعيدا عن الأهل
ومنية ليست التونسية الوحيدة التي تعيش هذه الوضعية فكثيرات هن التونسيات اللواتي أجبرن على الزواج بعيدا عن الأهل خارج أرض الوطن لسبب وحيد وهو أنهن اخترن شريكا أجنبيا غير مسلم.
ولا يزال شق من المجتمع التونسي يرفض زواج التونسية بأجنبي غير مسلم “لمخالفة ذلك لما جاء في الشريعة”.
ويمنع القانون التونسي حسب منشور صادر سنة 1973 موجه لضباط الحالة المدنية وعدول الإشهاد زواج التونسية من أجنبي إلا إذا أعلن إسلامه.
ولا تنصص مجلة الأحوال الشخصية على اختلاف الدين كأحد موانع الزواج.
انتقادات حقوقية
وطالب ائتلاف من الجمعيات الحقوقية المدافعة عن حقوق المرأة بإلغاء القانون الذي يحظر زواج التونسية بالأجنبي غير المسلم.
وتقول منية بن جميع رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات إن هذا القانون “مخالف للاتفاقيات الدولية ومجلة الأحوال الشخصية وللدستور التونسي الذي ينص على حرية المعتقد والضمير”.
وتوضح لـ”مراسلون” بأن هذا القانون فيه “طابع ذكوري يميز الرجل على المرأة وتم وضعه على مقاس الرجل”.
ووقعت 60 جمعية حقوقية مطلبا لإلغاء هذا القانون لأنه “يضرب حقا أساسيا لأي كائن بشري وهو الاختيار الحر للزوج”.
واعتبر ائتلاف المجتمع المدني هذا المنع سببا في “آلام الآلاف من التونسيات وأسرهن المحرومات من حقهن الأساسي في الأمن القانوني”.
قانون متكلس
ويقول المحامي رمزي الجبابلي لـ”مراسلون” إن إرساء المحكمة الدستورية قد يؤدي على الطعن في دستورية ذلك القانون ومن ثمة إلغائه.
ويضيف الجبابلي بأن الكثير من الأجانب “يضطرون فقط لإشهار إسلامهم دون قناعة حتى يمكن لهم الزواج من تونسية”.
وشدد على أن تواصل العمل بهذا القانون يحرم عددا من التونسيات اللواتي تزوجن خارج أرض الوطن من حق العودة كما يعرضهم لإمكانية حرمانهم من الميراث.
ويرفض القضاء عادة مطالب ترسيم زواج تونسيات من أجانب غير مسلمين وبالتالي الاعتراف بآثاره القانونية.
وقد ينجر على عدم الاعتراف بعقد القران حرمان الزوجة من الميراث إن أُثبت فساد زواجها وحرمان زوجها من ميراثها لنفس السبب أيضا.
وحسب أرقام رسمية فقد اعتنق حوالي خمسة ألاف أجنبي الإسلام في تونس خلال السبع سنوات الأخيرة منهم عدد هام من كان دافعهم الزواج بتونسية.
وأغلبهم فرنسيون وايطاليون وألمان وبلجكيون وسويسريون وهولنديون إضافة إلى صينيين وروس ويابانيين وبرتغاليين ورومانيين.