حرم الخمسيني نبيل المي من رؤية ابنتيه بعد طلاقه من زوجته الإيطالية التي مضى على زواجهما عشرين سنة.
نسي نبيل خلال هذه الفترة ملامحهما فقد تركهما صغيرتان، إحداهما خمسة أعوام والثانية لم تتجاوز الـ7 أعوام.
بالكاد يتذكر نبيل تفاصيل اللحظات التي قضاها مع ابنتيه، وكيف كان يروي لهما القصص إلى أن يغلبهما النعاس.
كبرت الفتاتين ودرستا وربما تزوجت إحداهن دون أن يحضر زفافها، هكذا أصبح تفكيره شاردا في مصير ابنتيه.
أحكام قاسية
يعيش نبيل حاليا مع والدته المسنة في حي الزهور أحد الأحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة تونس.
لم يستطع هذا الرجل الذي يرفض الزواج ثانية العودة إلى التراب الايطالي للبحث عن ابنتيه بسبب أحكام قضائية صادرة ضده.
ولا يعتبر نبيل المهاجر الوحيد في تونس الذي فشل زواجه من أجنبية، فعديد التونسيين يعيشون مأساة ما بعد الطلاق.
وكحالته حرم عديد التونسيين من رؤية أبناءهم بسبب معارك استعملت فيها الزوجات حرب العصابات ومارسن قانون الغاب، كما يقول نبيل.
ويوضح بأن عديد الأوروبيات استنجدن بعصابات ومهربين لتهريب أبنائهن إلى بلدانهن أو الاستقواء بالسفارات الأجنبية التي تتدخل لأنصاف مواطنيها.
ويقول إن هناك من أودعن شكاوى كيدية واستنجدن بمسؤولين لتتحول الأحلام الوردية عن الاستقرار والأسرة التي يحلم بها أي مهاجر إلى معاناة.
من جهته يؤكد نوفل بوهالي وجود مخاطر عديدة منجرة عن الزواج المختلط بأجنبية.
تعرض هذا المواطن التونسي قبل سنوات على سائحة فرنسية ثم قرر الزواج في تونس.
بعد فترة قرر التوجه مع زوجته إلى فرنسا لإجراء تربصات تساعده في عمله في تونس لكنه لم يكن يتخيل أن رحلة العودة إلى بلده ستقلب أوضاعه رأسا على عقب.
لقد رفضت زوجته العودة معه إلى تونس رغم أن مؤسسته وجل مصالحه في تونس.
أنجب نوفل أربعة أطفال (بنتين وولدين) من زوجته الفرنسية لكن بعد كل ذلك باء زواجهما بالفشل نهائيا.
ولم يكن الطلاق نهاية معاناته بل بداية المأساة والحرمان من أطفاله الأربعة بعد عدة جلسات في المحاكم والاستنجاد بعشرات المحامين.
ويشير نوفل إلى أنه تحصل على الحضانة وقرر جلب أطفاله لقضاء العطلة في تونس، ولكنه فوجئ برفع زوجته عدة قضايا في فرنسا تتهمه فيها بالفرار بمحضون وبعديد “التهم الكيدية” التي حكم إثرها بخطية مالية بـ45 ألف دينار وبـ3 أعوام سجن وهو إلى اليوم لا يعرف أسباب هذه الأحكام.
حياتي بلا أبنائي
ويؤكد نوفل أنه لم يكن ليمنع زوجته من رؤية أطفالها ولكنها أصرت على الفرار بهم إلى فرنسا رغم اهتمامه بهم، كما يقول.
وذكر بأن مندوبي حماية الطفولة ومسؤولين من الشؤون الاجتماعية عاينوا ظروف إقامتهم في تونس واعتبر القاضي أن من مصلحة الأبناء البقاء مع والدهم في تونس.
ولكن سرعان ما تغيرت المعطيات ووصل الأمر بطليقته الى اتهامه بمحاولة تسفيرهم غلى سورية وهو ما تم دحضه لاحقا.
يؤكد نوفل أن زوجته مارست عدة ضغوطات لكي تعود الحضانة إليها، مشيرا إلى أنها استنجدت بالسفارة الفرنسية بتونس وبعد عدة تدخلات من عدة أطراف ومسؤولين تمكنت طليقته من الحصول على الحضانة ونجحت في الفرار بأطفاله الى فرنسا بتاريخ 25 أبريل/نيسان 2017 رغم صدور عدة قرارات بتحجير السفر، مبينا ان عديد التجاوزات والخروقات القانونية حصلت في ملفه.
تحطمت حياة نوفل ولم يعد قادرا على العمل وأصبح يميل الى العزلة، مبينا أن حياته أصبحت بلا معنى لأن كل ما يشغل تفكيره أطفاله الأربعة.
قصة الزكراوي
وتعتبر قصة المهاجر التونسي نبيل الزكراوي الأشهر في وسائل الإعلام الأجنبية والتونسية.
انطلقت معاناة الزكراوي عام 2008 بعدما نجحت زوجته الإيطالية في اختطاف طفلتيه أميرة وسعيدة من تونس، بحسب أقواله.
وقد استغلت زوجته القرابة التي جمعتها بنائبة في البرلمان الايطالي لتمارس ضغوطا ضد طليقها وتعمل على ترهيبه بالقوانين الإيطالية.
يقول “لقد تم تلفيق تهم كيدية ضدي وحكم عليه بالسجن في تونس قبل أن يتم اختطاف ابنتي”.
لكن الغريب في الأمر أنه بعد مضي سبعة أعوام على تلك الحادثة اتصلت زوجته لتعلمه قبولها مناقشة رؤيته لابنتيه البالغتين حاليا 13 و10 أعوام.
ويؤكد نبيل لـ”مراسلون” أن زوجته أعملته بأنها لا ترى مانعا في أن يلتقي ابنتيه مجددا بعد أن لاحظت أن ابنتها الكبرى أصبحت متأثرة بفراق والدها.
لكن الإشكال يتمثل في كونه لا يستطيع السفر إلى إيطاليا حاليا بسبب أحكام صادرة ضده، كما أن طليقته الايطالية لا يمكنها أيضا القدوم إلى تونس لأنها ملاحقة دوليا ومتهمة بالخطف.
ولذلك أصبح نبيل الزكراوي يناشد السلطات التونسية ووزارة الخارجية تسهيل سفره لكي يرى ابنتيه خاصة وأنه تزوج ثانية ولا يمانع في أن تعيشا طفلتيه هناك وأنه يرغب رؤيتهما في العطل فقط.
تهريب وترهيب
ويؤكد الاستاذ حاتم المنياوي رئيس الجمعية التونسية للنهوض بالرجل والأسرة والمجتمع أن مئات الحالات تصله إلى الجمعية عن مهاجرين عانوا الويلات بعد فشل زواجهم من أجنبيات.
ويقول لـ”مراسلون” إن “أغلب الأحكام تكون عادة ضد المهاجرين فيحرموا من رؤية أبنائهم حتى لو كانت الحضانة لفائدتهم”.
ويشير إلى أنه يتم اللجوء إلى تسفير الأبناء أو اختطافهم أو تهريبهم بطرق ملتوية وسط ضغوطات من السفارات الأجنبية وتدخلات من مسؤولين لم يحدد هويتهم.
ويذكر حاتم المنياوي حالة الشاب التونسي أيمن بن حمد الذي كان متزوجا من روسية ثم قرر الطلاق بسبب عدة مشاكل.
ويضيف أنه بعد عدة جلسات في المحاكم الروسية عاد بابنه وابنته إلى تونس، لكن والدتهم قدمت إلى تونس وحاولت افتكاكهم والفرار بهم، فاضطر إلى الهروب بهم إلى دولة إفريقية وهو إلى غاية اليوم فار بابنيه.
يؤكد المنياوي أن القوانين الأجنبية نادرا ما تكون لصالح المهاجرين، مؤكدا بأن هناك تعسف على حقوق المهاجرين لفائدة أبناء البلد “فمهما كانت وضعية المهاجر في الغربة إلا أنه يتم افتكاك الحضانة وتهديده بالترحيل”.
وأغرب القصص التي صادفها المنياوي تلك التي تتعلق بالشاب التونسي رمزي قداس الذي تم تهريب طفليه من تونس من قبل والدتهما الألمانية والتي وثقت لعملية التهريب بواسطة شركة أنتاج ألمانية.
وحول أسباب فشل الزواج المختلط يقول حاتم المنياوي إن من أهم الأسباب هو “عدم الاتفاق واختلاف التفكير بين الزوجين ورغبة أحد الزوجين في فرض نمط معين لتربية الأبناء”.
زواج مصالح
ويرى أستاذ علم الاجتماع، شهاب اليحياوي أن زواج التونسيين من أجانب يكون أحيانا وسيلة اندماجية في مجتمع الاستقبال أي الغربة، وهو ليس زواج بل عقد يكون لكل طرف منه منفعة وغاية من الموافقة والارتباط حتى وإن تغلف أحيانا بتبريرات عاطفية أو وجدانية.
ويضيف بأنه زواج مصلحى في غالبيته، ومعلوم لدى الطرفين وبالتالي يقترن تواصله واستمراره باستمرار أسباب انبعاثه والتي مهما طالت تظل ظرفية لأن المصالح تتبدل ووضعية كل طرف تتغير بعد بلوغ أهدافه أو بعض منها وتتغير معها رهانات كل طرف.
ويؤكد اليحياوي أن غياب التوافق والتقارب وتناقض المنظومة القيمية للطرفين قد يصل إلى حد استحالة التفاهم الذي قد يعوض عقلانيا لديهما بحكمة الاستمرار لتحقيق المنفعة.
إلا أنه يتولد عنه أبناء سيكونون وقود تغذية التباعد الحضاري والفكري بينهما وسيعمل كل طرف على أن يؤثث أبنائه قيميا بشكل يصنع منه حليفا يحسن شروط التفاوض لديه عند لحظة الانفصال وانهاء هذا العقد النفعي، وفق قوله.