بالرغم من وجود اتفاقية بين دول حوض النيل 1929 تحدد حصة مصر من مياة النيل ، وتمنحها حق الاعتراض عند شروع أي من الدول الأخرى إنشاء مشروعات على النهر أو روافده من شأنها التأثير على هذه الحصة المحددة ، إلا أن الحكومة الأثيوبية بالاستعانة بالخارجية الأمريكية قد قامت بعملية مسح شامل للنيل الأزرق، وهو أحد روافد النهر المشمول بالاتفاقية 1964 لتحديد الموقع النهائي للمشروع الكبير، دون الرجوع للحكومة المصرية.
تم الانتهاء من تصميم سد الألفية الكبير في 2010 ، وفي إبريل 2011 وضع ملس زيناوي رئيس الحكومة الأثيوبية وقتها حجر الأساس للسد العملاق، الذي يفوق طوله 175 متراً ويحتوى على 16 توربيناً لإنتاج الكهرباء، والذي من المتوقع أن ينتج كميات من الطاقة الكهربية، تكفي الدولة الأثيوبية وتفيض.
تهدئة الإخوان وسياط الإعلام
بدأت التخوفات من سد النهضة 2013 في عهد الإخوان ، حاول رئيس الدولة – وقتها – الدكتور محمد مرسي طمأنة المواطنين ، بأن رئيس الجكومة الأثيوبية قد وعده – أثناء زيارته لإثيوبيا لحضور القمة الإفريقية المنعقدة هناك – بأن حصة مصر من مياه النيل لن تتأثر، وأنه قد قام برفع كوب ماء مدعياً أن حصة مصر لن تقل حتى بمقدار هذا الكوب ، وأنه – أي مرسي- يصدّقه.
لكن الإعلام الخاص – المُتربص لمرسي – انطلق في الجلد ، البكاء والعويل حينا والسخرية اللاذعة أحياناً أخرى، فمثلا : قالت الأعلامية رانيا بدوي في برنامجها “في الميدان” والذي كان يذاع على فضائية التحرير – المملوكة لرجال أعمال إماراتيين متعاطفين مع المخلوع مبارك ونظامه- على خلفية موسيقية حزينة : “النهر العظيم يجتاحه هويس من الحزن الأليم وتعتصره أمواج من الذعر المرير” ، أما الإعلامي جابر القرموطي ، والذي كان وقتها يذيع برنامج “مانشيت” على فضائية ” أون تي في ” -التي كان مملوكة وقتها لرجل الأعمال نجيب ساويرس المُعارض للإخوان – احتد منفعلاً : “حضرتك ياريس قلت إن الأثيوبيين أهلنا وناسنا، أهلنا وناسنا إزاي واحنا عمالين نتخزوق منهم، وسد النهضة هنلبسه هنلبسه” في إشارة إيحائية جنسية واضحة، أما الإعلامي أسامة كمال فقد بدأ إحدى حلقات برنامجه السابق “القاهرة 360” والذي كان يذاع يومياً على فضائية “القاهرة والناس” على خلفية أغنية فيلم “الأرض” الشهير للمخرج يوسف شاهين انتاج عام 1970 “الأرض لو عطشانة نرويها بدمانا ” ، ومن المعروف أن “القاهرة والناس ” تتبع الإعلامي الشهير ورجل الإعلانات الأول في مصر طارق نور والمعروف بولائه لنظام مبارك، ومصاهرته للرئيس السيسي شخصياً ، كما خرج الإعلامي عمرو أديب صارخاً : “12 مليار لتر مكعب مياه هيقلّوا من حصة مصر كل سنة”.
***
كما لم تضيع الفرصة أي قناة أو جريدة لتقوم بالسخرية من المؤتمر الوطني الذي دعا مرسي إليه لفيف من الشخصيات العامة لمناقشة الأمر على أنه مؤتمراً سرياً، وتم اذاعته على الهواء -حتى الآن لم تعرف ملابسات إذاعة الاجتماع – ولم يكن أحد من الموجودين بمن فيهم الرئيس يعلم بالبث المباشر، أمتلأ المؤتمر بالاقتراحات المضحكة مثل إرسال لاعبي الكرة والممثلين للتفاوض والتدخل في الشأن الداخلي الأثيوبي إلا أن كل ذلك كان من المفترض أن يكون سرياً، فكانت إذاعته ضربة في مقتل لحكم محمد مرسي.
لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم
ومع تبقى ساعات على افتتاح المرحلة الأولى لسد النهضة، اختفت أصوات الاعلاميين الذين ملأوا الدنيا صراخاً عند الاعلان عن البدء الفعلي في بنائه وقت الإخوان ، لا نسمع صراخ عمرو أديب ولا تشنجات القرموطى ، ذهب حزن رانيا بدوي وأرض أسامة كمال يبدو أنها لم تعد عطشانة ، الخريطة الإعلامية في مصر الآن تنقسم لإعلام حكومي رسمي وإعلام خاص رسمي أيضاً، والكل اتفق على تجاهل ما يحدث وكأنه لا يحدث، وكأن القيادة السياسية وقتها كانت مسؤولة عما يحدث مسؤولية كاملة ، والآن هي – بالضرورة – ليست مسؤولة لأنه لا شيء يحدث أصلاً.
تحذيرات متتالية ولا حياة لمن تنادي
ومع توالي التحذيرات تندهش من التجاهل الإعلامي والحكومي على حد سواء، حيث حذر الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي أن القضية خطيرة والأمر كارثي خاصة مع انتهاء بناء السد وقرب بدء تخزينه بالمياه ، كما أردف أن إصرار أثيوبيا على ملء السد في فترة زمنية قصيرة قطعاً سيؤدي بمصر إلى مواجهة شبح الفقر المائي ، والذي سوف تكون أبسط أضراره هي تبوير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية مما قد يهدد الأمن الغذائي المصري بشكل خطير.
تصوير: سيد داود واراب