كان المخطط إن تكون جامعة..تنشر العلم وقيم التحديث والتنوير في الجنوب المصري، كان الافتتاح في نهاية الخمسينات، ولكن مع نهاية السبعينات كان إحدى أهم بؤر الجماعات الجهادية في مصر كلها.. أنها جامعة أسيوط
نشأة الجامعة
يقول الفنان التشكيلي سعد زغلول، إن الهدف من إنشاء الجامعة كان إعداد خريجين مزودين بأصول المعرفة العلمية المتخصصة، ومدربين تدريبا عاليا على المهارات المطلوبة مع توافق برامج الجامعة مع المتغيرات العصرية، وكان من المقرر افتتاحها في عهد الملك فاروق (حاكم مصر في الفترة ما بين 1936 -1952) ولكن لم يكتب لهذا الصرح أن يرى النور، إلا بعد ثورة 1952، وتقلد الرئيس عبدالناصر مقاليد الحكم.
في هذا الإطار يقول الشاعر سعد عبدالرحمن، رئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق، وابن جامعة أسيوط، إن حجر أساس الجامعة وضع في سنة 1949 في عهد الملك فاروق، وكان أول مديرا لها الدكتور حسن إبراهيم حسن، صاحب كتاب “تاريخ الإسلام السياسي”، وفي أكتوبر 1957 بدأ العمل بها فعليا، وبدأت الدراسة في كليتي العلوم الهندسة عام 1958، ثم تلتهما بعام كلية الزراعة، وذلك في عهد الدكتور سليمان حزين، رئيس الجامعة حينذاك، الذي استعان بالمهندس عبدالمنعم حسن كامل، لوضع تصميم لمبنى الجامعة، مازال على شاكلته حتى الآن.
بداية الجماعة
يعود الفنان التشكيلي سعد زغلول للحديث مرة أخرى راويا كيف كانت جامعة أسيوط حاضنة للفكر المستنير والثقافة طيلة عقد من الزمان تقريبًا، مدللا على ذلك بقوله كان الطلاب يمارسون أنشطة ثقافية واجتماعية وفنية، اتسمت ملامحها بالانفتاح، والرقي، باعتبارها أول بؤرة تنويرية في صعيد مصر.. “ثم ما لبثت أن تبدلت الأمور شيئا فشيئا في أواخر سنة 1968، وأصبحنا نرى مجموعات دينية من طلاب الجامعة، تتحرك بداخلها، وتطالب بمنع الطالبات من ارتداء الملابس القصيرة، وضرورة الالتزام بالحجاب، وكانت تلك بداية الاحساس بوجود “الجماعة الإسلامية” – التي تأسست عقب وفاة الرئيس عبدالناصر 1970-
وعن هذه الفترة يقول القطب الناصري الدكتور أحمد يس نصار – تخرج من كلية العلوم بجامعة أسيوط سنة 1965- إن بداية المد الديني في جامعة أسيوط كان في نهاية الستينيات تقريبا، ولكن أصبح أكثر قوة في منتصف السبعينيات، خاصة بعد أن دعمت الدولة عناصر هذه التنظيمات، التي خرجت من السجون والمعتقلات، لتكون في مواجهة المد اليساري المنتشر في الجامعات المصرية في تلك الفترة.
صناعة النظام
“كان محافظ أسيوط محمد عثمان إسماعيل، يفتح ذراعيه للإخوان، ويجتمع بقياداتهم في ذلك الوقت”.. بهذه الكلمات دلل أحمد يس نصار، على احتضان نظام السادات للتيارات الإسلامية، مشيرا إلى الاستعانة بأعضاء هيئة تدريس بجامعة أسيوط ينتمون للإخوان من بينهم الدكتور محمد حسين، والدكتور محمد محروس، والدكتور محمد حبيب، لمحاربة الفكر الشيوعي داخل الجامعة، تنفيذا لتوجيهات الدولة، وبالتالي ساهم هؤلاء الأشخاص في صناعة الجماعة الإسلامية، باعتبارها “الجناح العسكري” لهذا التنظيم.
يتفق سعد عبدالرحمن، فيما قاله الدكتور نصار إلى حد بعيد، غير أنه أضاف قائلا: بدأت التيارات الإسلامية في الظهور بعد وفاة عبدالناصر، وخروجهم من المعتقلات عام 1971، بدعوى محاربة الشيوعيين، ووقعت مصادمات بين طلاب اليسار “الناصريين والشيوعيين”، وطلاب الجماعة الإسلامية حينذاك، بسبب محاصرة أنشطتهم، وبدأ نظام السادات في دعم هذه الجماعة التي كانت “الذراع الثانية” للإخوان بعد تنظيمها السري، وبمعاونة المحافظين تم تنظيم ندوات ومؤتمرات للإخوان أمثال المستشار علي أبوجريشة وسيد سابق وعبدالصبور شاهين وعبدالصبور مرزوق وعابد الجبري والدكتور أحمد كمال أبوالمجد والدكتور عيسي عبده إبراهيم، عميد كلية تجارة الإسكندرية الأسبق، في “جمعية الشبان المسلمين” وقصر الثقافة وجامعة أسيوط، لتهييج الرأي العام ضد الشيوعيين.
يعود سعد زغلول ليؤكد أن السادات، كان يريد إزاحة الناصريين من المشهد، خاصة بعد تيقنه من عدم تقبل الناصريين له كرئيس بديلا عن عبدالناصر، وهو ما ظهر جليا في زيارته لقرية “بني مر” ومنزل عبدالناصر بعد شهر من توليه الحكم تقريبا، حيث لم يستقبله الناصريون بشكل جيد، وشعر هو بذلك، وكانت هذه البداية، لإزاحتهم، وصعود الإسلاميين.
الصدام
يقول رئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق سعد عبدالرحمن، إن أبناء التيار اليساري في ذلك الوقت صلاح يوسف وشقيقه بهاء يوسف وأحمد كمال وزملائهم، تصدوا للفكر الإسلامي المتطرف، الذي تزعمه كرم زهدي وأسامة حافظ والدواليبي وعاصم عبدالماجد وناجح إبراهيم وعادل الخياط، بشتى الطرق، ولكن النظام كان يؤيد الفصيل الأخير، ويسعى إلى تصفية الناصريين وأبناء التيار اليساري، ومنحهم الغطاء الأمني والتأميني لذلك.
هنا يتدخل الدكتور أحمد يس نصار، قائلا عندما زادت حدة الصدامات بين الفصيلين، أصدر السادات لائحة 79 سيئة السمعة، التي كانت تقيد العمل الطلابي داخل الجامعات، وبعد توقيع معاهدة “كامب ديفيد” 1978 بدأ الإسلاميون ينقلبون على السادات، وزاد الأمر توترا بينهم بمشاركتهم في مظاهرات 1977، وزاد عضبهم منه بعد استقباله شاه إيران 1980، ولم يمر أكثر من عام حتى اغتيل على يد الفصيل الذي صنعه بيده.