في واحد من محلات الصرافة كان الزبون يقف في الطابور، حينما جاء دوره سأل كم سعر الدولار فأجابه البائع بأن سعره 18 جنيهًا. سأل الرجل ولو بعت لك 20 ألفًا كم سيكون سعره، فرد الرجل بثبات أن السعر لا يتغير.
منذ قرار البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف العملة المصرية في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي لم تعد هناك قيود على صرف العملات الأجنبية بعد التحرير، وسمح البنك المركزي للبنوك بمَدَّ ساعات العمل لتكون من التاسعة صباحا حتى التاسعة مساءً، مع السماح لبعضها بالعمل خلال الإجازات. لكن مشاهد السوق السوداء لا تزال قائمة.
ينشر البنك المركزي – حاليًا- متوسط أسعار السوق. يُحَدَّثَ الجهاز المسؤول عن وضع السياسات النقدية في مصر كل فترة، حيث قَدَرَ متوسط أسعار الدولار في الفترة من 27 أبريل/ نيسان الماضي حتى الأسبوع الأول من مايو/ أيار بقيمة 18.02 جنيهًا ويباع بقيمة 18.1 جنيهًا. رغم وجود أكثر من عطلة أسبوعية وإجازات خلالها.
تكون العملة الأجنبية مقابل مثيلتها المحلية، من خلال مداولات السوق السوداء تحدث مكاسب سريعة، غير قانونية وسرية. لكننا هنا نتابع مسار آخر لهذه التجارة. لا تكون محلية وإنما تتخذ محاولات اللعب بالعملات طابعًا دوليًا، وتتحوّل إلى تجارة افتراضية، يصعب الإلمام بأبطالها أو فهم أسرارها، لأنها تتم خارج القانون، وتحقق مكاسب سرية لا يمكن التأكد من قيمتها.
مكاسب سحرية
المكاسب ليست ملموسة، لكنها افتراضية. عوضًا عن التاجر الذي يعمل في الخفاء، يكون على مَن يرغب في اللعب بالعملات لتحقيق المكاسب أن يتعامل مع منصَّات للتدوال تكون التجارة خارج السوق الرسمي. تباع العملات الأجنبية بسعر أفضل من عروض البنوك وشركات الصرافة. قد تستغرق هذه اللعبة الكثير من الوقت لفهمها.
مع نهاية الدروس سيكون الوافد الجديد لعالم سوق تداول العملات الأجنبية “الفوركس forex” معلقًا بمتابعة نسبة كل عملة مقارنة بأخرى. سيكون عليه أن يتعلم العلاقة التي تربط بين العملات من أجل أن يحقق المكاسب.
تفصل بين كل عملتَينْ إشارة مائلة، تكتب أمامهما أرقامًا تعبر عن قيمة واحدة. تعني هذه المعادلة أن المُضارِب يجب أن يحصل على هذه القيمة من العملة الثانية ليحصل على عملة واحدة من الأولى. إذا كُتبَ أن 1.09 EUR/ USD، فإن الحروف الثلاثة الأولى البادئة بحرف الآي باللغة الإنجليزية، المقصود بها اليورو، قيمتها أكبر من العملة التي يرمز لها بالحروف الثلاثة الأخرى أي الدولار. المقصود من هذه المعادلة أن المُستخدِم سيدفع دولارًا وتسعة سنتات ليملك يورو واحدًا.
يحكم الدولار هذا السوق، وتحدد معادلات أخرى علاقته بالعملات الأساسية الأربع بهذا السوق، وهي: الين، الفرنك السويسري، اليورو، والجنيه الإسترليني. سيبحث الوافد الجديد عن تحديثات علاقات العملات الأربع بالأمريكية بشكل دائم، حتى يتمكن من تحقيق نجاحاته الافتراضية.
سيجد كل مَن يرغب بدخول هذا العالم الكثير من الطرق ليتلقى الدروس، سواء عبر مقاطع فيديو تعليمية على يوتيوب أو من خلال مواقع تعمل على توجيه المبتدئين في هذا المجال. سيكون أمام كل مبتدئ مجموعة من النُصَّاح ليعلموه اتقان السحر.
مدرب الفوركس
سيؤكد كل ناصح منهم أنه سيضع مشاهده على الطريق الوحيد للثراء السريع. مع زيادة الإقبال على هذه الأنشطة راجت محاولات تشجيع المُستخدِمين للربح. تعتمد المضاربة على متغيرات اقتصادية معقدة. تتطلب متابعة جيدة وفهم دقيق لتأثر العملات الأجنبية بالقرارات الاقتصادية والسياسية، لهذا يسعى أغلب نُصَّاح الفوركس لأن يكون مستشارين للمضاربين، بحجة قدرة هؤلاء النُصًّاح على التحليل الاقتصادي والتوجيه الصحيح لكل من يدخل هذا السوق.
يُبشر المستغرقون في عالم “الفوركس” بالنهايات السعيدة، ويكرر أغلبهم عبارات تؤكد أنهم – وحدهم- يعرفون طرقها. إذا تأمّلنا المحتوى سواء على المواقع أو من خلال لغة المُتحدِثين في مقاطع الفيديو المنشورة على موقع يوتيوب سنجدها تميل للمبالغات وتوظيف صيغ التفضيل بإفراط. يتحدث مدربو “الفوركس” لمشاهديهم بلغة واثقة، وكلمات دقيقة، حاسمة تداعب الأحلام. يضم هذا الأسلوب جملًا مثل: “مكاسب هائلة” أو “فرصة الربح لا نهائية” أو “راتب شهري يبدأ من 1500 دولار دون مغادرة المنزل”.
يرتدي مدربو الفوركس عن بعد أقمصة قد تمّ الاعتناء جيدًا بكيها، ويضعون رابطة عنق مع التحرر من البدلة الرسمية. يتحدثون بوداعة، وبشكل مرتب، كأنهم سيديرون حياة المشاهد، عن بعد، نحو مستقبل مُبهر.
مع تنامي خبرة المُستخدِم بسوق العملات الأجنبية سيفهم آلية تغيّر علاقة هذه هي العملات بالنسبة للدولار من حين لآخر، وكلما تغير سيحوّل مُستخدِم الفوركس ما يملكه من عملة إلى أخرى بحثًا عن مكاسب أو من أجل النجاة من خسائر.
لا يعتمد سوق تداول العملات الأجنبية على شركات لأن هيئة الرقابة المالية لا تسمح بالترخيص لشركات للعمل في هذا النشاط بمصر. لا يسمح البنك المركزي إلا بشركات الصرافة، لا يتجاوز عددها 90، وغير مسموح لها بالعمل في الفوركس.
من ناحية أخرى غلظت مصر عقوبات التجارة بالعملات الأجنبية، في أغسطس/ آب الماضي، فقد نشرت الجريدة الرسمية تعديلات لعقوبات التجارة بالعملة خارج القنوات الرسمية لتكون الحبس لمدة ثلاث سنوات بدلًا من ثلاثة أشهر، وصارت قيمة الغرامة مليون جنيهًا بدلًا من خمسة آلاف. كما عدّلت عقوبة تهمة تهريب العملات الأجنبية إلى الخارج لتكون الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات مع غرامة قيمتها مليون جنيهًا ولا تزيد عن الخمسة ملايين. ولكل من لا يفصح عن المبالغ التي بحوزته عند دخوله أو خروجه من البلاد، وضبط معه مبلغًا يتجاوز عشرة آلاف دولار ستكون العقوبة الحبس لثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن المبلغ المالي المضبوط.
كل ما يتداول من أنشطة داخل هذه السوق غير قانوني في مصر، بشكل لا يخضع هذه الأنشطة لضرائب على مكاسبها. لكن كيف تتحوّل هذه المكاسب الافتراضية إلى أموال ملموسة؟
ممنوع داخل البلاد
بشكل فعلي يتاجر المُضارِب على سعر القيمة المتغيرة للعملات الأساسية، على أموال حقيقية، لكنه يملك القدرة على تحصيل هذه المكاسب بتحويلها على حسابه البنكي. حتى يدخل المُضارِب إلى عالم الفوركس عليه أن يؤسس حسابًا على موقع المضاربة، ويكون حاملًا لبطاقة بنكية أو بطاقة دفع مُسبقَة على الإنترنت أو عن طريق تحويل بنكي إلكتروني. سيتم تحويل هذه المكاسب الافتراضية بالطريقة نفسها إلى الحساب البنكي لهذا المُضارِب.
يقول أحد المضاربين السابقين، رفض ذِكر اسمه، لـ”مراسلون” إنه تعرض لخسائر كبيرة. دخل هذا العالم قبل سبع سنوات بتشجيع من أصدقائه، وبدأ المضاربات الافتراضية، قيمة خسائره تجاوزت العشرين ألف جنيهًا. لكنه يفترض حاليًا أن المسألة عملية نصب، الخسائر كانت كبيرة، ولم يحقق مكاسب من أي نوع.
حتى يتم التحوّيل لأي مُضارِب يجب أن تكون الشركة مؤسسة خارج البلاد، لأن أي شركة مصرية تعمل في “الفوركس” لا تملك صلاحية إجراء هذه العملية، لأنها ببساطة ليس لها وجود قانوني.
أسست أغلب الشركات المهتمة بجذب لاعبين من مصر بدول أخرى مثل قبرص، إيرلندا، وأمريكا الجنوبية. وتحقق رواجًا لتوفر خدمات التحدث مع العملاء باللغة العربية، لكن هيئات الرقابة المالية القبرصية بدأت في حظر عدد منها لمخالفاتها لقواعد الرقابة.
تصوير: سيد داود واراب