يبدو أن الثقافة السياسية للرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي منعته من استيعاب أن النظام السياسي في تونس لم يعد مركز ثقله ساكن القصر الرئاسي بقرطاج كما كان الحال طيلة الفترة التي تلت إعلان استقلال البلاد عام 1956 وإلى حدود سقوط نظام بن علي في عام 2011.
يبدو أن الثقافة السياسية للرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي منعته من استيعاب أن النظام السياسي في تونس لم يعد مركز ثقله ساكن القصر الرئاسي بقرطاج كما كان الحال طيلة الفترة التي تلت إعلان استقلال البلاد عام 1956 وإلى حدود سقوط نظام بن علي في عام 2011.
فالرجل الذي يقارب سنه عن التسعين عاما لا يخفي رغبته الجامحة سرا أو علنا في تحويل النظام السياسي (شبه برلماني) إلى نظام رئاسي كما كان في السابق، وهو يستند في ذلك التوجه إلى تشعب وتعقد النظام السياسي الحالي في تونس وقصوره عن إدارة دواليب الدولة بالنجاعة المطلوبة.
نظام مقنع
ومنذ الانتخابات التشريعية والرئاسية التي فاز بهما أصبح الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي مؤسس حركة نداء تونس الرقم الأول في الساحة السياسية ولعل مبادرته الأخيرة بإقالة رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد وتكليف يوسف الشاهد بتشكيل حكومة جديدة خير دليل على ذلك.
وقد جعلته تلك المبادرة التي تقدم بها محل جدل واسع في البلاد وعرضة لموجة من الانتقادات والاتهامات بأنه يحاول وضع يده على رئاسة الحكومة من خلال تعيين شخصية موالية له من حزبه ليفرض نظاما رئاسيا مقنعا خارج عن ضوابط الدستور الذي يقر نظاما شبه برلماني، حسب خصومه.
وحتى قبل الإعلان عن مبادرة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها حاليا يوسف الشاهد كان المتداول أن السبسي هو المسير الفعلي للبلاد خاصة بعد تنحيته لرئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد دون إعلامه مباشرة بمبادرته بتشكيل حكومة جديدة تتماشى مع الأزمة الاقتصادية الراهنة.
ولا يخفي الباجي قايد السبسي رغبته في العودة بالنظام السياسي الحالي إلى نظام رئاسي بحت كما كان قبل الثورة. ففي مجالسه أو حواراته تلفزيونية يؤكد دوما بأن النظام السياسي الحالي لا يسهل تسيير شؤون الدولة ملمحا لضرورة تعديل الدستور باتجاه تكريس نظام رئاسي صرف. ولكن السبسي وفي كل الأحوال يتصرف كرئيس له كامل الصلاحيات في نظام رئاسي.
تجاوز سياسي
حول رأيه في الهدف الذي يسعى لتحقيقه السبسي يقول عدنان منصر الأمين العام لحزب حراك تونس الإرادة (حزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي) لـ”مراسلون” إن ما يقوم به السبسي “إمعان في تجاوز صلاحياته الدستورية”، في إشارة إلى محاولته فرض نظام رئاسي بحت ليكرس جميع السلطات بين يديه.
وتتوزع السلطات في النظام السياسي التونسي بين السلطة التنفيذية التي يمثلها رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية (الذي تقلصت صلاحياته مقابل رئيس الحكومة) والسلطة التشريعية التي يمثلها نواب البرلمان.
والدستور لا يمكّن أي سلطة من هذه السلطات بالانفراد بالقرار في المسائل الكبرى لكنه في ذات الوقت يخلق نوعا من التداخل أو الصراع بينها إلى درجة أنه يمكن أن يؤثر على الاستقرار السياسي في البلاد فمثلا يبيح الدستور لرئيس الجمهورية مواصلة سحب الثقة من الحكومة وقتما شاء.
وهذا النظام السياسي الذي يرسمه دستور جانفي/يناير 2014 يصفه المشككون في نجاعته في إدارة الدولة بالنظام الهجين فلا هو نظام برلماني ولا هو رئاسي ويطلقون عليه “نظام شبه شبه”.
ويعهد الدستور لرئيس الحكومة بتطبيق سياسات الدولة وإدارة شؤونها اليومية وتعيين كبار المسؤولين وخلق الوزارات وكتابات الدولة وحذفها فيما يمثلها رئيس الجمهورية في علاقة بالسياسية الخارجية وإعلان الحرب والسلم فيما يمثل البرلمان مرآة المشهد السياسي ووزن الأحزاب.
نظام مشوه؟
لكن الأستاذ في القانون الدستوري أمين محفوظ ومنذ المصادقة على الدستور في 2014 لا يخفي انتقاداته لعدد من فصوله وما حمله وعلى رأسه النظام السياسي.
فهو يرى فيه “نظاما مشوها” يجب تقويمه في أحد الاتجاهين إما نحو نظام رئاسي أو نظام برلماني عبر إعادة النظر في العلاقة التي يرسمها داخل السلطة التنفيذية نفسها أو بين السلطة التنفيذية والتشريعية، بحسب رأيه.
من جانبه يعتبر النائب عن حركة نداء تونس منجي الحرباوي في تصريح لـ”مراسلون” بأن النظام السياسي الحالي في تونس “يخلق صراعا” بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الدولة ورئيس الحكومة) وبين السلطة التشريعية (البرلمان) وهو ما جعل البلاد تعيش في ظل نظام “صعب التطبيق”.
ويرى الحرباوي أن الثقافة السياسية التي تعترف بالبرلمان كسلطة عليا تشريعية ورقابية “لم تتجذر بعد” في تونس، مؤكدا أن الثقافة السائدة تتأقلم أكثر مع الحكم الرئاسي لتسيير الدولة “بشكل أنجع”.
وفي الفترة التي تلت تشكيل حكومة الوحدة التي يقوده يوسف الشاهد تحدثت أوساط إعلامية وسياسية عن توجه قائد السبسي نحو تشكيل جبهة برلمانية تضم حزبه نداء تونس وعدد من الأحزاب المساندة له لطرح فكرة تنقيح النظام السياسي باتجاه تبني نظام رئاسي بحت. لكن مصدرا من القصر الرئاسي نفى ذلك.
ووفق المتداول فإن حركة النهضة الإسلامية لن تكون في تلك الجبهة الموحدة نظرا لأنها الطرف الذي كان يدفع لتبني نظام برلماني بعد سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.
وكانت حركة النهضة قد قبلت على مضض بتطبيق نظام شبه برلماني في أعقاب أزمة سياسية حادة ضربت البلاد بين عامي 2012 و2013 لما كانت تقود حكومة الترويكا السابقة.
ويقول القيادي صلب حركة النهضة العجمي الوريمي لـ”مراسلون” إنه من السابق لأوانه الحديث اليوم عن تغيير النظام السياسي في البلاد لأن تقييم النظام السياسي الحالي غير ممكن بسبب قصر المدة التي وقع العمل به.