يتوافد رجال أعمال وسياسيين وموظفين حكوميين محسوبين على النظام التونسي السابق ومتورطين في قضايا فساد على مقر هيئة الحقيقة والكرامة (الجهاز المستقل الذي يشرف على تطبيق مسار العدالة الانتقالية) لتقديم ملفاتهم سعيا للتمتع بامتيازات المصالحة مع الدولة.

لكن عدد وأسماء هؤلاء المتهمين بقضايا فساد والممنوعين من السفر إلى الخارج غير معلوم بالضبط، وذلك لموانع قانونية تحجر على هيئة الحقيقة والكرامة الكشف عنهم إلا لمن أراد ذلك.

يتوافد رجال أعمال وسياسيين وموظفين حكوميين محسوبين على النظام التونسي السابق ومتورطين في قضايا فساد على مقر هيئة الحقيقة والكرامة (الجهاز المستقل الذي يشرف على تطبيق مسار العدالة الانتقالية) لتقديم ملفاتهم سعيا للتمتع بامتيازات المصالحة مع الدولة.

لكن عدد وأسماء هؤلاء المتهمين بقضايا فساد والممنوعين من السفر إلى الخارج غير معلوم بالضبط، وذلك لموانع قانونية تحجر على هيئة الحقيقة والكرامة الكشف عنهم إلا لمن أراد ذلك.

وحسب خالد الكريشي المسؤول بهيئة الحقيقة والكرامة ورئيس لجنة التحكيم والمصالحة داخلها لـ”مراسلون” يقدر عدد هؤلاء الرغبين في الصلح “بالعشرات وأسماؤهم معلومة لدى الشعب التونسي”.

أسماء وشخصيات

وإن كان كل هؤلاء المقربين النظام السابق خيروا تقديم مطالب صلح لهيئة الحقيقة والكرامة في صمت، إلا أن أحد أبرز وجوه النظام السابق كانت له جرأة إعلان توقيعه طلب الصلح مع الدولة.

وهذا الرمز هو سليم شيبوب صهر الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي هرب إلى الامارات بعد سقوط النظام السابق وفرار بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011 إلى السعودية.

وبعد رجوعه إلى تونس قبل أكثر من عام قضى شيبوب فترة في السجن (أكثر من سنة) على خلفية قضايا حمل سلاح وقضايا فساد أخرى لكن تم إخلاء سبيله. وباعتباره مازال يواجه قضايا فساد خير شيبوب تقديم ملفه لهيئة الحقيقة والكرامة لطلب المصالحة والتحكيم مع الدولة.

وليس شيبوب لوحده من يسعى لطلب الحصول على المصالحة فقد سربت وسائل إعلام أسماء من محيط عائلة بن علي تسعى بدورها لانتفاع بالمصالحة ضمنهم صخر الماطري (صهر بن علي) ومحمد المهدي مليكة (ابن اخت بن علي واخ زوجته بلحسن الطرابلسي الفار حاليا في كندا).

وتقديم رجال بن علي وعلى رأسهم سليم شيبوب ملفاتهم إلى هيئة الحقيقة والكرامة لا يعني طي صفحة الماضي وشطب جرائمهم لأن البت في ذلك يبقى من منظور المحاكم التونسية لوحدها.

وقد ضبط قانون العدالة الانتقالية الذي تمت المصادقة عليه نهاية 2013 شروط الانتفاع بآلية المصالحة والتحكيم.

في السياق يوضح رئيس لجنة التحكيم والمصالحة خالد الكريشي لـ”مراسلون” أنه في حال اكتشفت هيئة الحقيقة والكرامة أن أي من طالبي الصلح من رجال بن علي قام بمغالطتها خلال جلسات الاستماع وصرح باعترافات مجانبة للحقيقة ستبطل الهيئة جميع أعمال التحكيم والمصالحة حتى بعد إبرام الاتفاق النهائي للصلح مع الدولة والشعب.

وبعد تسجيل الاعترافات بما قام به هؤلاء من انتهاكات في حق المال العام يقدم المعني بالصلح عرضا ماليا للدولة كتعويض عما غنمه بصفة غير شرعية أو لقربه من النظام ثم يقدم اعتذاره للشعب خلال جلسة عمومية.

وهذا الاعتذار سيجرى داخل قاعة في مقر هيئة الحقيقة والكرامة وستنقلها المؤسسات الإعلامية البصرية والسمعية مباشرة. وقد انطلقت الهيئة في التنسيق مع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ونقابتي الصحفيين وأصحاب المؤسسات الإعلامية لتفادي أي اخطاء قد تقع.

السبسي على الخط

وهذا المسار الذي يمر عبر المساءلة والمحاسبة والاعتذار لطي صفحة الماضي تباركه كل الحساسيات السياسية والمدنية في تونس ولكن يبقى الاختلاف حول كيفية تطبيقه على أرض الواقع.

فبالتوازي مع عمل هيئة الحقيقة والكرامة كان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تقدم في جويلية/يوليو 2015 بمبادرة تشريعية متعلقة بالمصالحة الاقتصادية والمالية خارج هيئة الحقيقة والكرامة.

ولكن حينها دخلت البلاد في أزمة سياسية مما جعل مشروع القانون يدخل رفوف مكتب مجلس نواب الشعب (البرلمان) غير أنه وقع إخراج مشروع هذا القانون منذ حوالي ثلاث أسابيع للنقاش مرة أخرى نظرا لبطء عمل هيئة الحقيقة والكرامة مقابل حاجة الدولة الماسة إلى الحصول على تعويضات مالية في ظل أزمة اقتصادية تمر بها البلاد.

وهذه المبادرة التي تقدم بها الرئيس التونسي واجهت اعتراضا شديدا من قبل الحقوقيين والمنظمات المدنية وأحزاب المعارضة التونسية. في السياق يقول غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي المعارض فيعتبرون إن أي مصالحة تتم خارج هيئة الحقيقة والكرامة وخارج قانون العدالة الانتقالية “هي مصالحة مغشوشة ولا تستجيب لمتطلبات العدالة الانتقالية”.

وذهب الشواشي إلى حد القول لـ”مراسلون” إن السبسي “يريد رد الجميل لرجال بن علي من الفاسدين لتمويلهم له ولحزبه في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2014”.

وقد أقرت لجنة البندقية السنة المنصرمة في إجابتها على تساؤلات طرحتها عليها هيئة الحقيقة والكرامة أن مشروع المصالحة الذي تقدم به الرئيس التونسي غير دستوري ولا يضمن مراحل ومتطلبات العدالة الانتقالية وعلى رأسها الاعتذار من الشعب التونسي.

من جهة أخرى يقول القاضي التونسي لدى المحكمة الإدارية أحمد صواب في تصريح لـ”مراسلون” إن “الأسلم للتسريع في إقامة المصالحة الاقتصادية والمالية مع رموز نظام بن علي هو تنقيح قانون العدالة الانتقالية”.

ويهدف هذا التنقيح –حسب رأيه- إلى تدعيم تركيبة لجنة التحكيم والمصالحة صلب هيئة الحقيقة والكرامة لتمكينها من التسريع أكثر في وتيرة عملها وإضفاء أكثر نجاعة عليه دون مخالفة متطلبات العدالة الانتقالية.