قد لا يصح وصفهم “بالبدون” فهذه تسمية تعرفها دول عربية التي لا تمنح جنسيتها لقسم من مواطنيها، لكنهم يشعرون مثلهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية لأنهم محرومون من حق الجنسية.

 منذ أكثر من قرن قرر جدها الرحيل من الجزائر رفقة بعض أقاربه للعيش بمحافظة سليانة (٢٠٠ كلم شمال غرب تونس).

لم يفكر حين استقر بتلك الأرض الفلاحية في الحصول على جنسية البلد الجديد إذ كان همه الوحيد أن يستصلح الأرض التي اشتراها وأن يكون أسرة سعيدة.

قد لا يصح وصفهم “بالبدون” فهذه تسمية تعرفها دول عربية التي لا تمنح جنسيتها لقسم من مواطنيها، لكنهم يشعرون مثلهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية لأنهم محرومون من حق الجنسية.

 منذ أكثر من قرن قرر جدها الرحيل من الجزائر رفقة بعض أقاربه للعيش بمحافظة سليانة (٢٠٠ كلم شمال غرب تونس).

لم يفكر حين استقر بتلك الأرض الفلاحية في الحصول على جنسية البلد الجديد إذ كان همه الوحيد أن يستصلح الأرض التي اشتراها وأن يكون أسرة سعيدة.

في ذلك الوقت لم تكن الحدود الجغرافية لها معنى ولم يكن استخراج وثائق الهوية أو الجنسية له أهمية. لكن الزمن أصبح غير الزمن وما كان ليس مهما بالأمس أصبح اليوم الأهم.

متاعب قاسية

فبعد حكاية الرحيل الأولى لجدها إلى تونس تجد فضيلة برهومي نفسها تدفع فاتورة لا مبالاة والدها الجزائري الأصل الذي لم يبادر بتقديم مطلب للحصول على الجنسية رغم إقامته لعقود طويلة في تونس.

فهذه المرأة التي شارفت على الثمانين عاما تونسية المولد لكنها تعيش بلا جنسية ولا أوراق ثبوتية. تقول “أعياني الكبر والمرض وأعياني تعب البحث الطويل عن جنسيتي التونسية بلا أي نتيجة”.

توفي زوجها الجزائري الجنسية منذ سنوات ولم يترك لها تأمينا صحيا فهذا غير ممكن بالنسبة لوضعيتها.

كما ترك لها أرضا تراقبها كل يوم عاجزة عن التصرف فيها لأن الأرض وإن كانت على ملكها فهي غير قادرة على بيعها والاستفادة من ثمنها لإنفاقه على مصاريف أطبائها وأدويتها لأن القانون التونسي إجراءاته معقدة ولا يسمح للأجانب بذلك.

تقول فضيلة “لا أعرف أرضا غير هذه الأرض ولم تلامس قداماي ترابا غير ترابها ولم تستنشق رئتاي هواء غير هوائها ولم ينطق لساني بغير لهجتها مع ذلك لست تونسية على الوثائق”.

طرقت هذه العجوز أبواب وزارة العدل منذ أكثر من عشر سنوات وتقدمت بأكثر من مطلب إلا أنها لم تتلق ردا رغم إنها تؤكد بأنها استوفت كل الشروط في مطلبها.

وتتساءل بيأس “لماذا يحرمونها من جنسية الأرض التي أنتمي لها دما وروحا؟”.

حالة فضيلة ليست معزولة في تونس فكثر هم من ولدوا وعاشوا بتونس منذ عشرات السنوات دون أن يتحصلوا على الجنسية التونسية.

ويتسم القانون التونسي بالصرامة فيما يتعلق بمنح الجنسية عن طريق التجنس الذي لا يتم إلا بأمر يصدر عن مباشرة عن رئيس الدولة.

وترتفع هذه الإشكالات عموما لدى تونسيي المولد جزائريي الهوية ممن استوطن أجدادهم في المحافظات التونسية الغربية إبان المقاومة المشتركة للاستعمار الفرنسي.

حول هذا يقول منير السعيداني مدير ادارة الجنسية والحالة المدنية بوزارة العدل لمراسلون إن روح القانون التونسي فيما يتعلق بمادة الجنسية يقوم على الرابطة الأبدية “لذلك لا يتم منحها بسهولة ولا يتم سحبها بسهولة”.

ومن زاوية نظره يرى أن مجلة الجنسية التونسية هي مجلة “متقدمة” مقارنة بعدد من الدول العربية وقد تم تنقيحها في أكثر من مناسبة لتضمن حق للمرأة بمنح جنسيتها لأبنائها حتى وإن كان الأب أجنبيا.

ولا تختلف قصة السيدة ميمون عن قصة فضيلة، فمنذ سنوات طويلة تقدمت هي الأخرى بطلب لوزارة العدل للحصول على الجنسية التونسية.

لكن رغم أنها من مواليد تونس منذ حوالي سبعين سنة وزوجها أيضا تونسي وأبناؤها تونسيون فإنها لم تتحصل على الجنسية التونسية للآن.

تقول بمرارة “ليس لي من حلم وأنا في خريف العمر سوى أداء فريضة الحج لكنني غير قادرة على ذلك لأني لا أحمل الجنسية التونسية ولا يحق لي أن أكون ضمن البعثة التونسية للحج”.

وتضيف مستدركة “أما بالنسبة للجزائر فلا أهل لي هناك ولا أدري كيف أقوم باستخراج الوثائق فيها”.

تشعر هذه المرأة بأنها سجينة في هذه الأرض وتحكي بلوعة عن حسرتها وشعورها بالعجز لأنها لا تمتلك جوازا يمنحها حق التنقل ويحقق لها حلمها.

وحسرتها لم تتوقف عند ذلك الحد فقد كان بودها أن تدلي بصوتها وهي تتابع الانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت في نهاية عام 2014.

ويعاني الجزائريون وبعض الجنسيات الأخرى ممن امتدت مدة إقامتهم بتونس لعشرات السنوات من صعوبات اجتماعية كبيرة لاسيما في سوق الشغل بسبب عدم امتلاكهم لأوراق ثبوتية.

في السياق يقول محمد وكلي رئيس ودادية الجزائريين المقيمين بتونس لمراسلون إن هؤلاء لا يحصلون على منح دراسية وليس لهم حق في التقدم للوظيفة العمومية.

ويقيم في تونس حوالي ثلاثين ألف جزائري مرسمين بالقنصليات الجزائرية بينهم عدد كان آباؤهم يعيشون في تونس منذ عشرات السنوات.

مقاييس غير واضحة

ولا تقدم الإدارة التونسية تبريرا أو تعليلا لحالات رفض منح الجنسية. ويقول محمد وكلي إن “المقاييس المعتمدة غير واضحة وإن الإدارة لا تستجيب لكثير من المطالب رغم أنها مستكملة الشروط”.

لكن مدير إدارة الجنسية منير السعيداني يقول إن القانون التونسي يفرق بين مطالب الحصول على الجنسية بفضل القانون “وهي مطالب لا يمكن رفضها” وبين مطالب الحصول على الجنسية عن طريق التجنس والتي لا تصدر إلا بأمر من رئيس الجمهورية بعد إجراء بحث أمني  

وقد بلغ عدد مطالب الحصول على الجنسية –وفق تصريحه- أكثر من خمسة عشر ألف مطلب تمت الاستجابة منذ الاستقلال إلى اليوم لأكثر من سبعة آلاف منها في حين تم رفض مطالب البقية.

ويستوجب تمتيع الأجانب بالتجنس توفر شروط عديدة في المتقدمين بمطالب التجنس منها الإقامة الدائمة لأكثر من خمس سنوات بتونس أو أن يكونوا ممن اكتسبوها سابقا أو الأجنبي المتزوج من تونسية ويقيم معها أو الأجنبي الذي قدم خدمات جليلة أو شخص ينتج عن تجنسه فائدة عظمى لتونس.

وكان الرئيس السابق زين العابدين بن علي قد منح الجنسية التونسية لمحترفين أجانب في كرة القدم حتى يتمكنوا من المشاركة مع الفريق الوطني التونسي في بطولة العالم وآثار ذلك حينها استياء كبيرا في بعض الأوساط.

وقبل الثورة منح بن علي الجنسية التونسية لأرملة الرئيس الفلسطيني الراحل سهى عرفات وابنته ثم عاد وسحبها منهما بسبب اختلافهما مع زوجته ليلى الطرابلسي وعائلتها. وأثارت تلك الواقعة امتعاضا كبيرا في صفوف المعارضة التونسية.

وتوجد بتونس أيضا جالية من الفلسطينيين الذين استقروا بتونس بعد انتقال منظمة التحرير إليها. وهؤلاء يعانون أيضا من صعوبات فيما يتعلق بتجديد الإقامة والحصول على الجنسية التونسية.

ويقول أحد أفراد الجالية مفضلا عدم الكشف عن اسمه إن “الفلسطينيين لا يتقدمون بمطالب للحصول على الجنسية لأنهم يعلمون أنها سترفض وهم يفضلون عدم الخوض في ذلك خوفا من ترحيلهم”.