“مراسلون” ينشر الرد كما ورد من الكاتب التزاماً بالمعايير المهنية مع الاعتذار من القراء الكرام.

الكاتب: د.شوقي إبراهيم معمر*

“مراسلون” ينشر الرد كما ورد من الكاتب التزاماً بالمعايير المهنية مع الاعتذار من القراء الكرام.

الكاتب: د.شوقي إبراهيم معمر*

لعلي تأخرت في الرد على هذه المقالة (منشورة على موقع مراسلون بتاريخ 5/9/2012)، ولكنني أجد نفسي مضطراً للرد عيها نظراً للأخطاء التاريخية الفادحة التي كتبت والتي أعتبرها من وجهة نظري شيئاً لا يسكت عنه.

كاتب المقال أشار إلى تيبودا على أنها مدينة أمازيغية والسؤال الذي يفرض نفسه هو كيف أطلق على تيبودا اسم “مدينة” ما دام عمرها ثمانية آلاف سنة؟ لأن مفهوم المدينة لم يكن موجوداً في تلك الحقبة التاريخية التي تسمى بفترة ما قبل التاريخ، أي قبل معرفة الإنسان للكتابة. وعرف الإنسان المدينة في فترات تاريخية لاحقة.

أما الفترة التي تعود لها تيبودا فهي تسمى بالعصر الحجري الحديث وهذه الفترة لم يعرف فيها الإنسان المدينة بل أسس المستوطنات وهي فترة ما يسمى بالاستيطان البشرى Ancient Settlements، إذاً فهناك فارق كبير بين المستوطنة والمدينة.

وقد ذكر أيضا أنها مدينة أمازيغية ولا أدري ما هو دليله التاريخي على أمازيغية تيبودا علما بان مصطلح “الأمازيغ” مصطلح حديث. والاسم العلمي هو “الليبيون” فحتى كلمة اللغة الأمازيغية كلمة حديثة والاسم العلمي هو “اللغة الليبية القديمة”.

أما الأغرب من ذلك فهو ذكر المقال بأن تأكيد وجود تيبودا تم عن طريق مركز أبحاث أمريكي. وهذا الكلام الذي نقل عني أنا شخصياً غير صحيح، والحقيقة أن مركز الأبحاث بجامعة Delaware الأمريكية تحصلت منه على صور من الأقمار الصناعية لهذه المستوطنة لاستكمال بحث تقدمت به أنا للجامعة.

أما الغرف التي ذكرت في المقال فلا وجود لها أيضاً والموجود عبارة عن ممرات ومساحات كانت مكاناً للمعيشة فيما يبدو وهذه الاحتمالات لم تؤكدها الدراسات بعد.

وأيضاً لا وجود لجرار وأعمدة تيجانية، ففي تلك الحقبة الزمنية لم يثبت تاريخياً ولا أثرياً أن إنسان ما قبل التاريخ صنع أعمدة تيجانية.

ما ذكرته لكاتب المقال كان واضحاً، وهو أن المكان يعتبر غامضاً لأنه لا توجد دراسات أو مصادر تاريخية تحدثت عنه، وقد أوضحت علمياً أسباب غرق هذه المستوطنة مستنداً إلى تقارير علمية صادرة من مراكز مختصة مثل مركز رصد الزلازل سيسليا (إيطاليا).

ما أستغربه هو أن يذكر كاتب المقال نقلاً عن أشخاص غير مختصين (وهو يعلم ذلك)، أن سكان المستوطنة هم من وصفهم المؤرخ الإغريقي هيردوتس بـ”أكلة اللوتس”. وهيردوتس كتب كتابه الشهير في القرن الخامس قبل الميلاد، أي أن الفرق الزمني بين تيبودا وهيردوتس أكثر من خمسة آلاف سنة.

أيضاً إشارته إلى لوحات الفسيفساء الموجودة على شاطئ البحر والمقابلة لمستوطنة تيبودا، والفلل الفخمة التي تتميز بها المنطقة. لا أعلم ماذا يقصد بربط الفسيفساء الرومانية بمستوطنة تعود لعصور ما قبل التاريخ، ذلك يوحي لأي مهتم ولو قليلاً بعلم التاريخ بأن هناك خلطاً بين حقائق تعتبر من المسلمات في علم التاريخ، فلا علاقة للفسيفساء التي ذكرت بالمستوطنة، مع العلم أن المنطقة الموجودة على شاطئ البحر قد تم البحث فيها ولا وجود لما ذكر في المقال من فسيسفساء وفلل أساساً.

ربط آخر غريب ذكره المقال هو عن تأثر المستوطنة بالحضارة القفصية، وهذه أيضاً من الاكتشافات الغريبة التي وجب الوقوف عندها والإجابة عليها.

لا يمكن لأحد له إلمام ولو بسيط بعلم التاريخ أن يتكهن مثل هذه التكهنات إلا بعد البحث بإقامة الحفريات وانتظار نتائج التحاليل المعملية وهذا لم يحدث إلى حد الآن فيما يخص تيبودا.

ما هو متوفر عن هذه المستوطنة من مصادر لا يعدو وريقات من تقرير جيولوجي عن تاريخ الزلازل والتسونامي في البحر المتوسط وما مدى تأثر سواحل شمال أفريقيا بذلك، صورة من الأقمار الصناعية، وعملية رفع هندسي للموقع، وبحث لا يزال حبيس الأدراج حتى الآن.

الخلاصة: كنت أتمنى أن يُنشر مقال به من البحث والدقة في المعلومة ما يساهم بأن تعم الفائدة على كل مطلع ومهتم بالتاريخ الإنساني، ولكن للأسف الشديد المقال لم يتبع المنهجية العلمية في السرد والتحقق من المعلومات، ولقد كان ردي على المقال بهدف التصحيح.

وأعتذر للجميع عن كل تقصير.

* شوقي معمر: أستاذ التاريخ القديم بجامعة الزاوية ورئيس جمعية ليبيا لاستكشاف المخابئ والكهوف. له أبحاث ودراسات في التاريخ الليبي القديم، استكشاف ودراسة لمخابئ وسراديب مدينة طرابلس، اكتشاف مقابر ونقوش لعصور ما قبل التاريخ الكفرة، اكتشاف مستوطنة تيبودا، اكتشاف مقابر وميناء مدينة مليته الأثرية، اكتشاف مستوطنة بمنطقة رأس أجدير، اكتشاف بقايا لحمامات رومانية بمدينة زواره الليبية، استكشاف نقوش واحة اوزو سلسلة جبال تيبستي.