احتشد أكثر من عشرة آلاف طبيب داخل نقابة الأطباء وخارجها في شارع القصر العيني بوسط القاهرة الجمعة الماضية 12 فبراير، في جمعية عمومية طارئة لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن اعتداء أمناء قسم شرطة المطرية علي أطباء بمستشفى المطرية، الاعتداء الذي انتهى بغلق اضطراري لقسمي الطوارئ والاستقبال بالمستشفى لعدة أيام. ذلك الحشد، الذي تضمن أطباء ومتضامنين من مواطنين ونقابات مهنية أخري، لم تتسع له النقابة فتمدد أمامها بعرض الشارع المؤدي إلي ميدان التحرير، وارتج مبنى النقابة والشارع حوله بهتافات “كرامة”.. “حرية”.. “الداخلية بلطجية” و “ارحل..

احتشد أكثر من عشرة آلاف طبيب داخل نقابة الأطباء وخارجها في شارع القصر العيني بوسط القاهرة الجمعة الماضية 12 فبراير، في جمعية عمومية طارئة لاتخاذ قرارات حاسمة بشأن اعتداء أمناء قسم شرطة المطرية علي أطباء بمستشفى المطرية، الاعتداء الذي انتهى بغلق اضطراري لقسمي الطوارئ والاستقبال بالمستشفى لعدة أيام. ذلك الحشد، الذي تضمن أطباء ومتضامنين من مواطنين ونقابات مهنية أخري، لم تتسع له النقابة فتمدد أمامها بعرض الشارع المؤدي إلي ميدان التحرير، وارتج مبنى النقابة والشارع حوله بهتافات “كرامة”.. “حرية”.. “الداخلية بلطجية” و “ارحل.. مش عايزينه” اشارة لرغبتهم في اقالة وزير الصحة.

قررت الجمعية العمومية الطارئة بالفعل مجموعة من القرارات الحاسمة، كان أبرزها حق الأطباء فى الامتناع الاضطراري عن العمل فى حالة الاعتداء عليهم أو على المنشأة الطبية، ودعم و مساندة مجلس النقابة وأطباء مستشفى المطرية التعليمى في مواجهة أى اجراءات ضغط أو تعسف أو انتقام، ومطالبة مجلس النواب بسرعة إصدار تشريع يجرم ويشدد العقوبة على أي حالات اعتداء على المنشآت الطبية أو العاملين بها، مع اعتبارها جريمة جنائية، وأيضا تنظيم وقفات احتجاجية بجميع مستشفيات الجمهورية يوم السبت القادم الموافق  20 فبراير، وإمتناع الأطباء بالمستشفيات العامة، والمركزية، والمراكز، والوحدات الصحية، والمستشفيات التابعة لهيئة التأمين الصحي، والمؤسسة العلاجية، وهيئة المستشفيات، والمعاهد التعليمية، والمراكز الطبية المتخصصة، عن تقديم أي خدمة طبية، أو فحوصات أو عمليات مقابل أجر اعتبارا من يوم السبت الموافق  27 فبراير، ومطالبة جميع الأطباء بإغلاق العيادات الخاصة يوم السبت  19 مارس أو جعل هذا اليوم للكشف المجانى على المواطنين، بالإضافة إلى طرح فكرة الاستقالات الجماعية المسببة على الجمعية العمومية العادية بتاريخ  25 مارس إذا لم يتم الاستجابة للمطالب المذكورة سابقا، وأخيرا المطالبة باقالة وزير الصحة و تحويله للتحقيق بلجنة آداب المهنة بالنقابة.

***

استقبل الحشد مجلس النقابة استقبال الأبطال، وعلي رأسهم الفاعلين الرئيسيين د. حسين خيري نقيب الأطباء، ود. مني مينا وكيل النقابة. هذا الحشد التاريخي وصفه الكثيرون بأنه استعادة لأيام التحرير 2011، بينما انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي صورا للنقابيين خلف الأحداث، تقديرا لهما وللنقابة ودعما لهم في معركتهم ضد “بلطجة” أفراد من وزارة الداخلية على مواطنين أثناء تأدية عملهم. وصفها البعض بــ “سيدة مصر الأولي” والبعض الآخر بــ “المرأة الحديدية” ، تلك السيدة ذات التاريخ الطويل من العمل النقابي، الوجه المألوف في علاج مصابي الثورة، والتي رغم ما يوحي به وجهها وصوتها من هدوء، إلا أنها بشهادة زملائها وكل من تعامل معها صلبة في كل المعارك التي خاضتها سواء في استصدار تقارير سليمة من الطب الشرعي، أو في علاج المرضي ومصابي الدولة، أو في حقوق الأطباء، وتحسين منظومة الصحة في مصر. في السطور التالية تحكي لنا د. مني مينا عن معركتهم الأخيرة في النقابة وكيف تحقق لها هذا النجاح وكيف ينوون استكمال تلك المعركة وصولا لتحقيق مطالب الأطباء والنقابة.

كيف تصفين ما حدث في مستشفي المطرية، وهل هي الحادثة الأولي من نوعها؟

الاعتداءات على الأطباء ظاهرة بشعة، وهذه ليست المرة الأولى، ولكن الظاهرة ازدادت مع الانفلات الأمني بعد الثورة، أحيانا ما يكون هناك تفسيرات لهذا الامر مثل سوء الخدمة الصحية، وعدم وجود أسرة ورعاية وأدوية بالشكل الكافي، كل ذلك يجعلنا نتفهم الظاهرة ولكن لا نتقبلها، ففي العام الماضي كانت هناك أيضا اعتداءات من رجال الأمن على أطباء في مستشفي أحمد ماهر بالقاهرة وفي مستشفي دمياط لكن الموضوع انتهي باتخاذ اجراء قانوني ضد المعتدين ولم يكبر حجمه عن ذلك.

أما اعتداء المطرية تحديدا فرغم أنه حدث في مكان عمل الأطباء، إلا أن فظاعته جاءت بسبب أن المعتدين هم الاشخاص المنوط بهم حماية المستشفي ليس فقط لواجبهم في حفظ الأمن بشكل عام، ولكن ايضا لأنهم أفراد شرطة المطرية ، والتي عادة ما تلجأ لها المستشفى في حال حدوث اعتداء، كما أن أمين الشرطة الذي يعمل بالمستشفي لتأمينها شارك في الاعتداء. ما حدث هو جريمة بشعة، وانتفاء لأمن الأطباء والمرضي، وهو أمر يستحيل معه تقديم الخدمة الطبية. أمناء الشرطة المعتدون لم يكتفوا بذلك بل استعانوا بزملائهم الذين جاءوا إلي المستشفي في “ميكروباص”، وشاركوا في الهجوم علي المستشفي، ثم قاموا بسحل الطبيبن مؤمن عبد العظيم و أحمد السيد وضربهم واحتجازهم في قسم الشرطة، واسماعهم جمل من نوع ” احنا اسيادكوا واسياد البلد”، ولم ينتهي الامر سوي بتدخل مدير المستشفي الذي خاطب مأمور القسم لارجاعهم إلي المستشفي، هذا كان الاعتداء الاول في هذا الحادث.

اما الاعتداء الثاني كان حين توجه الاطباء بصحبة المدير الإداري للمستشفي وعضو مجلس النقابة ومحامي النقابة الي النيابة لتحرير محضر في النيابة فوجئوا أن الطبيبان متهمان بالاعتداء علي أمناء الشرطة، واصرت النيابة علي حبسهما أربعة أيام علي ذمة التحقيق داخل قسم شرطة المطرية المعتدي عليهم بالأساس، وكان ذلك من أجل الضغط علي الطبيبن للتنازل عن المحضر، الأمر الذي اشعل  الموقف في المستشفي، لأن المراد كان توجيه رسالة بأن الشكوي تساوي الحبس، وهو أمر صعب السكوت عنه لأنه يرشح تكرار الأمر ويجعل مزاولة المهنة أمرا صعبا، فمن أمن العقاب أساء الأدب. تنازل الأطباء عن شكواهم لكن النقابة تمسكت بحقها في الشكوي، فاصدرنا بيان، واجتمع مجلس النقابة في اليوم التالي وقدمنا بلاغا للنائب العام بواقعة اختطاف مواطن اثناء عمله، واقتحام المستشفى بالسلاح في وجود مرضى بالسلاح، وطلبنا إعادة فتح التحقيق لينال المعتدي عقابه.

مع تصاعد الأزمة انتشر الحديث عن إهمال الأطباء واخطائهم وأن النقابة لا تواجه ذلك، فما هو دور النقابة في ذلك؟

هذا هو الاعتداء الثالت بعد اعتداء الأمناء على الأطباء، ثم تلفيق التهم لهم، فالهجوم الدائم على أخطاء الأطباء حين يتحدث الأطباء عن حقوقهم، هو ابتزاز، لأن النقابة لم تنكر أخطاء الاطباء، فالأطباء بشر والخطأ موجود، ومع ذلك تقدمنا بمشاريع لتطوير أداء الأطباء ورفع ميزانية الصحة، والتدريب، ومكافحة العدوى لأن هذه الأمور هي التي تجعل تجربة تلقي العلاج في المستشفيات سيئة، بالإضافة إلى عدم وجود خطوط علاجية الزامية لكل الأطباء، الامر الذي يترك المساحة لكل طبيب أن يتصرف من رأسه. لكن هذا الهجوم أيضا علي الأطباء لا يخلو من خلط أخطاء الأطباء بمضاعفات بعض الأمراض ونسب النجاح والفشل في العلاج، بالإضافة إلى عجز المنظومة الصحية. هذا الهجوم يمثل إصرار على تكميم الأطباء بدلا من الحرص على حل المشكلة.

لقد قمنا في النقابة بالإعداد لمشروع قانون المساءلة القانونية للأطباء من أجل تقديمه للبرلمان، المشروع الذي يفرق بين مضاعفات المرض والإهمال، على أن يكون المحكمين في المساءلة من أطباء وقانونيين ومواطنين أصحاب المصلحة، اقتداء بالمجلس الطبي البريطاني حيث أنه لا يجوز لأطباء محاسبة أطباء، لكنهم سيقدمون الرأي الفني فقط للوصول إلي قرار، وهذا سعيا منا لحساب المخطئ وتلافي الاخطاء. لكننا في ممارسة تعج بالفوضي والعجز، وهذه الظروف تجعل الأخطاء في أعلى معدلاتها، ورغم أن النقابة تتحدث عن تحسين الأداء، إلا أن الأبواق الاعلامية تحاول استفزاز الأطباء بالحديث عن أخطاء دون وضع حلول.

ما السبب في رأيك في هذا الحشد غير المسبوق، وهل كنت تتوقعين حشدا بهذا الحجم؟

لم اتوقع هذا الحشد، توقعت أن يكتمل النصاب، وان يحضر3 آلاف طبيب على الأكثر وليس أكثر من عشرة آلاف. والسبب في هذا الحشد هو اصرار السادة المسئولين على استفزاز الأطباء، مثل قرار النيابة بإطلاق سراح المتهمين قبل انعقاد الجمعية العمومية، بالإضافة إلى التهم التي وجهت إليهم وهي “عدم ضبط النفس” وليس الاعتداء ورفع السلاح واقتحام المستشفي واحتجاز مواطنين، وكأن أمناء الشرطة هم من تعرضوا للإعتداء.

يوم الجمعة الماضي كان يوما استثنائيا وأثبت أن الطبيب، والمواطن بصفة عامة ينتفض لكرامته أكثر من حقه في أجر عادل، وأكثر من رغبته في حل مشكلات مختلفة اخرى، بالإضافة إلى الاستفزاز وسوء التصرف اللذان كانا أعلى من قدرة الاطباء علي التحمل، حيث كان هناك إصرار على الإهانة والتجبر. كما أننا كاطباء نعمل في بيئة شديدة الصعوبة، فالاطباء هم من يتعرضون لاعتداء المواطنين، كما يتعرضون للعدوى وبعضهم يموت إثر ذلك، وفي النهاية تستخدم هذه الظروف ضدنا رغم مطالبتنا باصلاحها، ويزداد الوضع سوءا مع تقديم الاطباء ككبش فداء في الاعلام المتردي هو الآخر، فبدلا من انتقاد انخفاض ميزانية الصحة، والفساد والعجز، والمطالبة بتعليم وتدريب الأطباء وتوفير الأدوية والمستلزمات والنظافة، تم انتقاد الأطباء لغلق الباب أمام تذمرهم مما يضعهم في مواجهة ليس فقط مع ضعف الأمكانات ولكن مع الإهانة أيضا.

ما هي الرسالة التي ارسلها الأطباء للسلطة بهذا الحشد في رأيك، وما هي آليات التصعيد؟

الرسالة هي أن الأطباء غاضبون، وأن الأمور لن تسير علي هذا المنوال، وأن حل المشكلة في تقديم المتهمين للمحاكمة، وهذا كان واضحا أيضا في قرارات الجمعية العمومية للتصعيد، والتي كان من ضمنها تنظيم وقفات احتجاجية في كل مستشفيات الجمهورية السبت القادم 20 من فبراير، بالإضافة إلي الامتناع عن تقديم الخدمة الطبية بأجر بدءا من 27 فبراير القادم، وهو أمر لا يختلف عن الإضراب الجزئي إلا أننا أعلينا مصلحة المريض خاصة في ظل التحفز للوقيعة بين الاطباء والمرضي، فالاحتجاج غير موجه للمرضي الذين سنقدم لهم الخدمة بالمجان، ولكنه موجه ضد فئة تضع نفسها فوق الجميع.

هل يمكن التعلم من تجربة نقابة الاطباء ورؤية تحركات مماثلة في نقابات مهنية أخري؟

هذا أمر تجيب عليه النقابات الأخرى، لكن ما أستطيع قوله أن النقابة المخلصة في تبني قضايا أعضائها بصدق ومهنية، والتي لا تحاول فرض موقف معين، تخلق ترابط وتواصل يصل بالناس للمشهد الذي رأيناه الجمعة الماضية. هذا المشهد لو حرك الأمل -داخل مهنيين أو عمال في قطاعات أخرى- في تواصل وعمل نقابي يحمل هموم الأعضاء ويسعي لحل مشكلاتهم بهذه الدرجة، فستكون رسالة ايجابية من تجربة الاطباء.

هل تعرضت أو تتوقعين تعرضك لرد فعل من السلطة او هجوم شخصي عليك؟

تم استدعائي انا ود. حسين خيري للتحقيق في واقعة المستشفي قبل انعقاد الجمعية العمومية، لكن بعد انعقاد الجمعية العمومية لم يصلني أي استدعاءات، رغم أني لا أستبعد حدوث ذلك، وهناك بالإضافة إلى الهجوم الواسع على الأطباء، هجوم شخصي علي، وادعاءات كاذبة مثل فبركة تصريحات منسوبة لي برفض علاج أمناء الشرطة. وسط هذه الحملة كل شئ متوقع، ولكني لن انشغل بهذه الاحتمالات، لأنه هناك قضية بسيطة وواضحة وعادلة، والحق فيها ساطع كنور الشمس، وأنا ود. حسين خيري ومجلس النقابة بأكمله لن نتجاهلها ولن نتخلي عن حق  الأطباء والمرضي في مستشفيات محترمة تقدم الخدمة دون بلطجة من أفراد الشرطة،  ومن يتخطي القواعد المهنية الأساسية في مكان توفير الخدمة يجب أن يحاسب حسابا عسيرا حتي يرتدع الآخرين. هذه حقوق واضحة وأي مواطن يجب أن ينحاز لها.