نزيهة عبد الله – سبها

“الإنترنت والتصوير حرام”. بهذه الحجة تم منع المصور الصحفي صدام الراشدي وزميله من التقاط صور بعض عملاء شركة الإنترنت LTT في مدينة سبها جنوب غرب ليبيا.

الراشدي كان قد توجه رفقة زميله إلى مقر الشركة بعد أسابيع متواصلة من انقطاع خدمة الأنترنيت وتعثر الاتصالات الهاتفية وكذلك إثر انتشار خبر عن تعمد عدد من المتشددين الذين يسيطرون على فرع الشركة قطع الإنترنت عن المدينة.

محاولة فاشلة

نزيهة عبد الله – سبها

“الإنترنت والتصوير حرام”. بهذه الحجة تم منع المصور الصحفي صدام الراشدي وزميله من التقاط صور بعض عملاء شركة الإنترنت LTT في مدينة سبها جنوب غرب ليبيا.

الراشدي كان قد توجه رفقة زميله إلى مقر الشركة بعد أسابيع متواصلة من انقطاع خدمة الأنترنيت وتعثر الاتصالات الهاتفية وكذلك إثر انتشار خبر عن تعمد عدد من المتشددين الذين يسيطرون على فرع الشركة قطع الإنترنت عن المدينة.

محاولة فاشلة

يقول المصور العشريني “توجهنا إلى مقر الشركة وهو مزود الإنترنت الرئيس في ليبيا، وهناك سألنا عن مدير الشركة، فأخبرونا بأنه مجاز، وحين السؤال عن نائبه قالوا ليس في مكتبه”. وأضاف “عرفنا أنه غير مرحب بنا هناك، فطلبنا من الموظفين الموجودين التجاوب معنا لكن دون جدوى”. وتابع المصوّر الصحفي أن “منظر الملتحين كان مريباً ونظراتهم لنا غريبة، ولم يتعاطوا مع أسئلتنا”. وانتهى الأمر بمنعهما من التصوير ورفض الحديث إليهما، ما زاد في إثارة الشكوك حول حقيقة قطع الشبكة.

محمد فرج مدير شركة الاتصالات بسبها قال لـ”مراسلون” إن وضع الخدمة المتردي في المدينة وانقطاع الاتصالات لمدة طويلة، سببه “تقاعس بعض الموظفين عن أداء عملهم بشكل متعمد”. وحمّل فرج موظفي شركة LTT المسؤولة عن توفير خدمة الإنترنت في المدينة المسؤولية، مبيناً أن هذا الأمر يحدث منذ فترة طويلة، وإن كان القطع هذا المرة طال أكثر من سابقاتها.

الصحفي الذي رافق الراشدي قال لـ”مراسلون” مصراً على عدم كشف هويته “يدرك المسؤولون هنا في الشركة أن الفنيين بها متشددون دينياً ويتقاعسون عن العمل لكن لا أحد يتحدث معهم بالخصوص، الأمر مريب ومخيف والمجتمع هنا قبلي بدرجة كبيرة”.

حماية قبلية

توفر البيئة القبلية للمجتمع في جنوب ليبيا نوعاً من الحماية للمتشددين من أبناء المنطقة، بحسب مراقبين. ويأتي إلى سبها بحسب مصادر في المدينة شيوخ متشددون كزوار ووعاظ دينيون، ويبقون  لفترات مؤقتة ويغادرون، من أبرزهم الداعية عمر أبو عبد الله المصري الذي زار المدينة قبل أشهر وألقى محاضرات متواصلة لمدة أسبوع بمسجد عقبة بن نافع بمنطقة المنشية، تركزت معظمها على تكفير الديمقراطية واعتبار أن الانتخابات تدخل في باب الشرك بالله وحرم كل ما يتعلق بالحياة العصرية، وذلك بحسب أشخاص حضروا محاضراته، تحدثنا إليهم ويعتقدون بأنه كان يعلمهم “الدين الصحيح”.

الشاب مالك ونيس، وهو سلفي التوجه من مدينة سبها قال إن المدينة تمتلئ بالمتشددين، مؤكداً أنهم هم والسلفية على خلاف جوهري لأن السلفية “تعتمد على مبدأ الوسطية وهم يسعون للغلو في كل شيء ولا فرق بينهم وبين الدواعش” حسب اعتقاده. ومن الأشياء الغريبة التي ينادي بها المتشددون الذين طرؤوا على المدينة بحسب ونيس “تقصير السراويل، ويعتبرون من لا يفعل ذلك كافراً، ويحرمون ختم القرآن، و يعتبرون السلفي غير الملتحي كافراً، كما يعتبرون خروج المرأة من بيتها لأي غرض حرام، ومشاهدة التلفاز حرام، والانتخابات حرام، والدولة حرام”.

متواطئ أو خائف

حتى هذه اللحظة لا يوجد تنظيم واضح يتبع داعش بشكل صريح في مدينة سبها، إلا أنه قبل شهرين تقريباً تم قتل المواطن الطيب صخر – 40 عاماً – من منطقة المنشية، ووُجدت جثته وقد تم التنكيل بها ورميها على الطريق العام وكتب على جبينه كلمة “داعش”. وبعد تلك الحادثة ظهرت مشكلة قطع الإنترنت ليعتبرها مراقبون الدليل الأبرز على توغل التطرف في المدينة.

يقول علي ” أ ” أحد موظفي شركة LTT، إن الشركة يسيطر عليها المتشددون منذ فترة طويلة إلا أن نشاطهم ظهر فقط خلال هذه المدة، فمدير الشركة “يعلم أنهم يتقاعسون عن أداء عملهم عمداً لكنه متواطئ معهم أو خائف منهم، فهم يعتقدون جازمين أن استخدام الإنترنت حرام”.

ويفسر علي عملهم في مجال الإنترنت باعتقادهم أنهم يجاهدون في هذا المكان بتعطيل الخدمة، وأنهم لو تركوه ستأتي “فئة ضالة أو باغية” حسب تعبيرهم، تساعد على ممارسة الحرام، وهو تحسين خدمة الإنترنت.

حاول “مراسلون” التواصل مع شركة LTT لفترة طويلة، وبعد مماطلات وتأجيل وتهرب تمكنا من التحدث إلى ابراهيم مرسال رئيس قسم اشتراكات الأفراد والشركات بفرع سبها من الشركة، والذي نفى ما راج عن قيام موظفين متشددين دينياً في الشركة بعرقلة خدمة الواي ماكس، بل وأكد أن الموظفين والفنيين يقومون بعملهم على أكمل وجه بحسب وصفه، وأن العمل جارٍ على إعادة الخدمة  قريباً.

بحث في حقيقة الأمر

لا ينفي مرسال وجود متشددين في الشركة، إلا أنه يصر بأنهم لا يحرّمون العمل، وأن الصحفيين الذين تم منعهما من التصوير داخل الشركة كان سبب ذلك عدم حصولهما على تصريح بذلك، وأكد أنه سيبحث في حقيقة الأمر.

ربما لن يتاح لمرسال البحث في حقيقة الأمر قبل أن يضطر مدير الشركة لتوضيحها أمام المجلس البلدي للمدينة، الذي أفاد رئيس المكتب الإعلامي له ابراهيم خيالي بأنه تلقى شكاوى عديدة من قبل المواطنين حول انقطاع الإنترنت، وأن معظم الرسائل تؤكد بأن بعض المتشددين يعرقلون خدمة الإنترنت في سبها.

وبناء عليه يقول خيالي “لدينا اجتماع بالخصوص خلال الأيام القادمة بين عميد البلدية المكلف ومدير الشركة، وقد وجهنا خطاباً رسمياً للمدير بالحضور لكنه لم يأتنا بعد، ونحن ساعون لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه المشكلة”.

الصحفي الذي كان مع الراشدي يقول متحسراً “كأن المكان غير الذي عرفناه سابقاً – يقصد شركة LTT – مليء بالملتحين ولا وجود للموظفات اللواتي كنّ نتعامل معهن سابقاً لاعتقاد الموظفين أن الاختلاط حرام”.