رغم مشهد مقتل الناشطة شيماء الصباغ الدامي في وسط القاهرة قبل يوم من الخامس والعشرين من يناير لهذا العام، كذكرى رابعة لبداية اندلاع أحداث الثورة، إلا أنه يمك القول أن اليوم كان هادئا باستثناء بعض البؤر الصغيرة المشتعلة – والتي ما لبثت أن خمدت – كانت هنا وهناك، بنهاية اليوم أعلنت وزارة الصحة مقتل سبعة عشر فرداً وإصابة تسعة وستين، كما أعلنت وزارة الداخلية القبض على أربعمائة وتسعة وثلاثين مخترقاً لقانون التظاهر، لم يكن نصيب “السويس” بهذا اليوم سوى ثلاث قنابل بدائية الصنع، انفجرت دون خسائر .

رغم مشهد مقتل الناشطة شيماء الصباغ الدامي في وسط القاهرة قبل يوم من الخامس والعشرين من يناير لهذا العام، كذكرى رابعة لبداية اندلاع أحداث الثورة، إلا أنه يمك القول أن اليوم كان هادئا باستثناء بعض البؤر الصغيرة المشتعلة – والتي ما لبثت أن خمدت – كانت هنا وهناك، بنهاية اليوم أعلنت وزارة الصحة مقتل سبعة عشر فرداً وإصابة تسعة وستين، كما أعلنت وزارة الداخلية القبض على أربعمائة وتسعة وثلاثين مخترقاً لقانون التظاهر، لم يكن نصيب “السويس” بهذا اليوم سوى ثلاث قنابل بدائية الصنع، انفجرت دون خسائر .

إلا أن المشهد الأبرز بالمحافظة لهذا اليوم، هو وقوف مدير ادارة المرور بالسويس، العميد محمد الدفراوي بقلب ميدان الأربعين، يوزع الحلوى بنفسه على السيارات المارة بالميدان، قطعة لكل مواطن، مع اعطاء وردة حمراء لقائد السيارة، ربما هذا المشهد لا يشترك مع مثيله منذ أربع سنوات سوى في اللون، فدم “مصطفى رجب” أول شهيد بالثورة المصرية سال على أرض نفس الميدان، مفجراً احتجاجات شعبية واسعة، اجتاحت القطر المصري كله، ولم تهدأ سوى برحيل “حسني مبارك” من على مقعد احتله لأكثر من ثلاثين عاماً، وظنت الغالبية أنه لا يوجد سوى الموت كحل قدري وحيد لزحزحته من فوق عرش مصر.

غليان تحت الرماد

“التحرك السريع لاحتواء الأزمة قد يكون أحد الأسباب الرئيسية للهدوء الذي يعم البلد” كما يخبرنا أحمد عبد اللطيف الطبيب النفسي والمدير العام بمديرية الشئون الصحية بالسويس، خاصة بعد مقتل شقيقين برصاصة واحدة على دراجة بخارية زعم ملازم الشرطة الذي أطلقها أنهما تجاوزا الكمين لعدم حيازتهما لرخصة قيادة الموتوسيكل قبل ذكرى الثورة بأيام، إلا أن قائد الجيش الثالث قد تحرك في اليوم التالي مباشرة لمقابلة والد الشقيقين طالباً منه الالتزام بالقانون، كما تم التحفظ على الضابط المتهم من قبل النيابة العامة.

“الهدوء لن يدوم طويلاً في ظل عدم تحقيق الوعود لأهالي السويس بإنشاء جامعة لهم على سبيل المثال” كما يرى الدكتور أحمد ويؤكد أن الشعب السويسي لديه شعور دائم بالكراهية من النظام، وبالرغم من تدفق المال الانتخابي، إلا أن الكبت المتزايد من أربع سنوات، لعدم وجود قصاص لشهداء السويس بالسويس، وشهداء السويس بمجزرة استاد بورسعيد – التي وقعت في الأول من فبراير 2012 – لا يولد سوى الغليان، ولا تصبح قضية انفجاره سوى مسألة وقت.

تاريخ من النضال

تعتبر “السويس” البوابة الرئيسية للدولة المصرية من جهة الشرق، مما فرض عليها بحكم موقعها الاحتكاك الدائم بالقادمين ومقاومة الطامعين منهم، حيث كان ومازال شعب “السويس” يتميز بالكفاح والعطاء، منذ عهد الفراعنة وحتى الآن مازالت المدينة الباسلة تقدم دماء أبنائها وأرواحهم قرباناً للحفاظ على تراب الوطن، ففي معارك “الفاطميين” ضد “القرامطة” استشهد المئات، كما حدث أثناء مقاومة “الأيوبيين” للحروب الصليبية، كما سقط العديد من الضحايا أثناء مقاومة “العثمانيين” للبرتغاليين في البحر الأحمر، كما شارك أبناء السويس في “الحروب الوهابية” كبحارة في أسطول “محمد على باشا”، والذي اتخذ من المدينة قاعدة حربية لعملياته العسكرية في الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر، كما عانى شعب السويس من ويلات الحرب العالمية الثانية ، ومنذ نكسة 1967 حتى تحقق الانتصار عام 1973 مروراً بمعارك “حرب الاستنزاف”، فاق الخراب والتدمير الذي لحق ب “السويس” التدمير الذي أصاب “وارسو” العاصمة البولندية بالحرب العالمية ، كما حدث بعد النكسة أول وأكبر هجرة جماعية لشعب “السويس” ، حيث تفرقت الأسر في المحافظات، إلا أن الشباب أصروا على العودة بعد تهجير أسرهم لأخذ أدوارهم في الدفاع المدني والمقاومة الشعبية، لتقدم السويس مئات الضحايا في سبيل النصر أو الشهادة.

احتجاجات عمالية ووعي سياسي

“مفيش حاجة اتغيرت” هكذا يبدأ ثابت صبحي السياسي المخضرم والقيادة العمالية والعضو السابق بالمجلس الشعبي المحلي لمحافظة السويس كلامه عن مرور السنوات الأربع، ويخبرنا عن الصفة الأبرز بشعب السويس والتي تجري في عروقه مجرى الدم على حد قوله “أنه لا يقبل الظلم أو الاضطهاد”  ويؤكد صبحي على الوعي السياسي المرتفع والمختلف لأبناء المحافظة ويبرر ذلك بانتشار المصانع والشركات بما تحويه من قواعد عمالية واسعة، تقود كل حركات النضال بالعصر الحديث، ويدلل على فرضيته بأنه على الرغم من كون “السويس” هي الشرارة الأولى للثورة المصرية وأيقونتها الأهم، وتعدد الأحداث الثورية طوال السنوات الأربع إلا أن شركات البترول وباقي شركات المحافظة لم يطلها التخريب، حيث تساهم الثقافة السياسية في تغليب المصلحة الوطنية، ومحاولات الحفاظ على المكتسبات الثورية .

وعن الهدوء الحالي يخبرنا “ثابت” أن تنفيذ خطوات خارطة المستقبل وآخرها الانتخابات البرلمانية المرتقبة أعطت الناس بصيصاً من الأمل، جعلتهم بالرغم من وجود تواجد كبير للإسلام السياسي بالمحافظة لا يستجيبون مطلقاً لدعواتهم للنزول، محققين ما يشبه العزل الشعبي، وأن اكتساحهم لمقاعد البرلمان أيام الإخوان ليس مقياساً، لأن الشباب الثوري والعمال كانوا منشغلين بأحداث الثورة وشبه مقاطعين للانتخابات، فأصبحت الساحة خالية لهم وحدهم، ليحققوا انتصاراً زائفاً.

ليس بالاحتجاج وحده يتحقق النضال

وعن السبب الذي أدى لعدم تحول جنازة الشهيدين الشقيقين “محمد وأحمد سعود” لبداية حراك ثوري، يرى ثابت أن الشباب السويسي رأى أن الوقت غير مناسب للاحتجاج، وأن المسيرات أو التجمعات سوف تصب في صالح جماعة الاخوان المسلمين، مع عدم اغفال ضرورة محاسبة المخطيء، وأنه لم يسع أبداً للتخريب، بل يحاول دفع قاطرة الثورة للأمام وتحقيق أهدافها جميعاً، عبر سعيه الذي لا يتوقف في البحث عن وظيفة أو مسكن، وانتظار متحفز لتحقيق وعود من نظام جديد خلصه من كابوس الاخوان ويعده بغد أفضل، ورئيس جديد يؤكد على مطالب الثورة في كل خطاب، ويحظى بالإجماع الشعبي،  دون أن يفقد هذا الشباب للحظة طبيعته المحفورة بجيناته، والتي تحتم عليه الدفاع عن كل ذرة من تراب بلده، حتى وإن كان المقابل حياته.