كان السبيل الوحيد لتقديم الدعم الإنساني أو الطبي لأهالي غزة هو معبر رفح الحدودي، ولكن مصر “الشقيقة الكبرى” كما يسميها الفلسطينيون والكثير من العرب أغلقت المعبر. ورغم إدعاء السلطات المصرية أن المعبر مفتوح للمصابين، إلا أنه لم يكن مفتوحا إلا للمصريين والأجانب، أما المصابون فلم يدخل منهم مصر سوى 270 جريح فقط، بينما منعت السلطات المصرية خلال القصف الإسرائيلي – الذي خلف حتى تاريخ الخامس والعشرين من آب/أغسطس 2130  شهيدا وحوالي 11066 جريحا وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية – كل المحاولات لدخول غزة حتى للأطباء الأجانب، وسمحت فقط بمرور بعض المساعدات الطبية.

كان السبيل الوحيد لتقديم الدعم الإنساني أو الطبي لأهالي غزة هو معبر رفح الحدودي، ولكن مصر “الشقيقة الكبرى” كما يسميها الفلسطينيون والكثير من العرب أغلقت المعبر. ورغم إدعاء السلطات المصرية أن المعبر مفتوح للمصابين، إلا أنه لم يكن مفتوحا إلا للمصريين والأجانب، أما المصابون فلم يدخل منهم مصر سوى 270 جريح فقط، بينما منعت السلطات المصرية خلال القصف الإسرائيلي – الذي خلف حتى تاريخ الخامس والعشرين من آب/أغسطس 2130  شهيدا وحوالي 11066 جريحا وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية – كل المحاولات لدخول غزة حتى للأطباء الأجانب، وسمحت فقط بمرور بعض المساعدات الطبية. ولم يتقرر فتح المعبر بشكل فعلي وكامل إلا وفقا لمبادرة وقف إطلاق النار النهائي في 26 آب/أغسطس أي بعد انتهاء الحرب. 

في المقابل انتشرت في العديد من الصحف والقنوات التليفزيونية  هجمات عدائية ضد الفلسطينيين في غزة باعتبارهم حماس ويستحقون الموت، بل بلغ الحد ببعض الإعلاميين أن شكروا إسرائيل وجيشها في حربهم على ما أسموه “الإرهاب”، ووصل الأمر لنقل التليفزيون الإسرائيلي مقتطفات من أحد البرامج المصرية لتبرير عدوانهم على غزة. 

هذا الموقف المصري ضد الفلسطينيين لم يكن الأول، فمنذ 30 حزيران/يونيو تقريبا تتوالى الحملات ضد الفلسطينيين المقيمين في مصر باعتبارهم إرهابيين. في السطور التالية يحكي مجموعة من الفلسطينيين المقيمين في مصر أو الذين أسعفهم الحظ واستطاعوا الدخول أثناء الحرب، يحكون عن وضعهم هنا في ظل الموقف المصري والعدوان على غزة، ونذكر أن كل المتحدثين تم تجهيل أسمائهم خشية أي رد فعل عقابي قد تتخذه الحكومة المصرية تجاههم.

ماما ينفع أنام؟

“س. محمد” و “ع. محمود” زوجان قدما من غزة أثناء القصف حماية لأطفالهم الثلاثة. “س. محمد” تعمل في واحدة من المؤسسات الدولية في غزة، وزوجها مهندس في واحدة من الوزارات الفلسطينية، ما ساعد الزوجان على العبور هو أن الزوج يحمل الجنسية المصرية.  

بالنسبة لهم هذه الحرب هي الأسوأ. فالابن الأصغر ذو الثلاث سنوات يسأل والدته يوميا قبل أن ينام “هم اليهود ناموا يا ماما؟ ينفع أنام؟”. بعد أسبوع من بداية العدوان وحين اشتد القصف انتقلت الأسرة إلى مأوى تابع للأمم المتحدة، ولكن انعدام الخصوصية وسط مئات من الأهالي في المأوى وأصوات الصواريخ وطيارات ال إف 16 التي لا تتوقف جعلت الزوج يفكر في الدخول إلى مصر لحين انتهاء العدوان، أما الزوجة فترددت في الحضور لمصر بسبب الموقف المصري، فحتى أسرة زوجها في مصر لم تحاول الاطمئنان عليهم كالسابق.  

علموا بفتح المعبر، فتوجهوا إلى هناك في سيارة مؤمنة نسبيا وبعد ساعات من فحص جوازات السفر والتحقيق تمت الموافقة على الدخول. تحكي الزوجة وطفلها ذو التسع سنوات عن ساعات انتظارهم حيث تم رفض عبور الكثيرين، رجال وسيدات مسنين وعائلات كاملة، ومن بينهم ابن سيدة مصرية، صديقتها، تم رفضه لأنه فلسطيني، وحين قالت الأم للضابط المصري أن ابنها سيموت إثر القصف في طريق العودة، قال لها ” وإيه يعني! ما يموت فوق اللي ماتوا”. عند خروجهم من المعبر وجدوا السلطات قد قررت إبعاد سيارات الأجرة عن بوابة المعبر بمسافة حوالي الكيلومتر، ولم يكتفوا بذلك بل ساروا خلف العابرين يصرخون فيهم ويطلقون رصاصات في الهواء كي يسرعوا في السير. انهارت الزوجة وبكت من المعاملة الذليلة التي لاقتها حيث تمنت حينها لو تعود وتقبل تراب غزة وألا تدخل مصر.  

تجربة المعبر لم تكن سهلة أيضا على “أ. محمد” باحث في العلوم السياسية، الذي درس في القاهرة لسنوات، وعاد إلى مصر أثناء العدوان كمرافق لأخيه الجريح، حيث يتواجدان في إحدى المستشفيات الحكومية في محافظة الجيزة. وسط نسبة كبيرة ممن اسماهم “المرجعين”، أي الذين رفضت السلطات المصرية عبورهم، وكان من بينهم مصابين. هؤلاء المصابين منعوا أمنيا من الدخول، فما كان بالسلطة المصرية على المعبر إلا أن عطلت دخول الجميع من بينهم حالات حرجة تحتاج إلى العناية المركزة.

وبعد صراخ الجرحى من ألم الانتظار لساعات وتدخل أحد المسؤولين الفلسطينيين، قامت السلطات بإرجاع المرفوضين وإدخال الباقي. وصلوا المستشفى بعد 13 ساعة كاملة. الوضع في مستشفاهم جيد ربما هم أحسن حالا من وضع جرحى آخرين في مستشفيات أخرى. هناك في غزة استشهد عمهما وأسرته بالكامل أمام منزلهم. ورغم انتقال الأسرة إلى بيت آمن هربا من القصف، إلا أن الأخ الأصغر أصيب حين أعلنت الهدنة فعاد للاطمئنان على المنزل فأصابته قذيفة هشمت ذراعه بالكامل، بالإضافة إلى شظايا في المعدة. تطوع جار له مخاطرا بحياته بنقله على موتوسيكل إلى مستشفى قريب فسيارات الإسعاف مستهدفة. المستشفى كانت تمتلئ بالجرحى بما يفوق طاقة المستشفى لدرجة علاج بعض الجرحى على الأرض، في أجواء من العجز من قطع الكهرباء وعدم وجود أدوية ملائمة، تدهورت الحالة وظهر الدود في الجرح، وكان لازما نقل الأخ الجريح إلى مستشفى خارج غزة، وبالفعل تمت الموافقة بعد 5 أيام على نقله إلى إحدى المستشفيات في مصر.

أن تكون مصابا فلسطينيا

كتبت مارينا سمير (طالبة ومتطوعة في الحملة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية) بعد زيارتها هي وزملائها لبعض المصابين الفلسطينيين في مستشفيات أحمد ماهر والهلال شهادتها عن الوضع هناك على صفحتها على فيسبوك بتاريخ 5 أغسطس الجاري، ومفادها : في مستشفى أحمد ماهر، الغرف متكدسة بالجرحى ومرافقيهم، وغرفة العناية المركزة وضعها سئ بدون تكييف وبدون تمريض، ووضع المرافقين سئ فبصعوبة تمكنت مارينا وزملائها من إحضار كراسي لهم ليجلسوا ويناموا عليها، فقد كانوا سابقا ينامون في طرقات المستشفى، وهم ممنوعون من تأجير أي شقة بالقاهرة بقرار أمني حتى ولو لمدة قصيرة. أما مستشفى الهلال فالرعاية الصحية سيئة الأطباء لا يراعون المرضى جيدا، والعمليات الجراحية تتأخر عن موعدها لأيام. وتعلق مارينا في شهادتها أنها تعلم بأن الوضع الصحي في مصر سئ ولكن هؤلاء مصابون حرب ويحتاجون إلى عناية خاصة، كما أنه هناك تعنت شديد تجاه المرافقين.

“ن. إبراهيم” فلسطيني مقيم في القاهرة للدراسة، وواحد من المتطوعين الذين يتابعون حالة ووضع الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات المصرية في محاولة لتسهيل الإجراءات والحياة عليهم والمساعدة في حل أي مشكلات طارئة. يرجع سبب الوضع السئ بالمستشفيات إلى أن نوع الإصابات أكبر من المستشفيات المصرية وأن القصور في الرعاية هو سمة لقطاع الصحة في مصر حتى للمصريين، بينما يشيد بمستشفى الهرم ومستشفى فلسطين على سبيل المثال. يحكي عن أن الجريح والمرافق هما في إقامة جبرية بالمستشفى، حيث أن إدارات المستشفيات تحتفظ ببطاقة المريض أو جواز سفره وجواز سفر المرافق، وممنوع استلامهم إلا في المعبر عند العودة، كما أنه ممنوع الخروج لأي منهما من المستشفى. يشير أيضا أن حين تكتب المستشفى خروجا للمريض تعيده عبر المعبر إلى رفح أثناء القصف وان هذا قد يعرضه لخطر الإصابة مجددا أو الاستشهاد هذا بالإضافة إلى غياب الفحص الشامل للجرحى، فكثيرون مصابون بمضاعفات مثل فقدان السمع وغيره ولكنها لا تخضع لمتابعة طبية. لكنه يرى قصورا من الجانب الفلسطيني أيضا، فالسلطة الفلسطينية لا تقدم سوى 2000 جنيه للجريح وهي لا تكفي، كما أنها عليها متابعة وضع الجرحى في المستشفيات بشكل أفضل. وهو يتمنى من العرب دعم المستشفيات المصرية ليس فقط مساندة للجرحى الفلسطينيين ولكن للمرضى المصريين أيضا.

التهمة جاهزة: إرهابي

“ت. عبد الله” ناشطة وأكاديمية فلسطينية مقيمة في القاهرة منذ 2011، تستيقظ كل صباح لتتصل بأخوتها على بعد كيلومترات لتطمئن أنهم لا يزالون على قيد الحياة خاصة بعد استشهاد ابن عمها في مجزرة الشجاعية. ترى أن الموقف المصري الذي يتمثل في “شيطنة الفلسطينيين، واختزال القضية الفلسطينية في حماس، والتواطؤ في الحصار بغلق المعبر، وتقديم مبادرة تتفق مع الشروط الإسرائيلية وتساوي بين المقاومة وأكثر الدول تسليحا في العالم ولا تتضمن فتح المعابر، وفك الحصار، وإطلاق سراح الأسرى واعمار غزة”، كل هذا تراه خطاب الثورة المضادة التي تحكم مصر والذي يجعل من النظام المصري “شريك في الجريمة مع الكيان الصهيوني”. تشير إلى المظاهرات الحاشدة في أوروبا وأمريكا اللاتينية للتضامن مع غزة وتعلم أن كل محاولات التضامن السياسي والشعبي من تظاهرات أو قوافل في مصر تقمع، وتضيف “إن كان حجم التضامن المصري المصري تضاءل فكيف بالتضامن المصري الفلسطيني”. تصف شعورها المؤلم أن تعيش وتربي ابنتها في بلد يتهمها هي وأهلها بالإرهاب وهي لطالما ظنت أنها بلدها الثاني، خاصة بعد الثورة التي أملت أن تساهم في تحرير فلسطين، ولكنها تؤكد أن تحرير فلسطين يبدأ من تحرير القاهرة، فالنضال واحد ضد الأنظمة العربية المستبدة التي تعامل شعوبها باعتبارهم أرقاما.