منطلقين من مدينة غات في أقصى جنوب غرب ليبيا، وبعد رحلة متعبة ومحفوفة بالمخاطر، عبر طريق ترابي مليء بالحفر والمنعطفات، وصل فريق “مراسلون” إلى المنطقة الحدودية بين ليبيا والجزائر، وتحديداً إلى بوابة “إيسين” الواقعة على المنفذ الحدودي بين البلدين.

في الطريق مررنا بالنصب التذكاري لمعركة إيسين التي اختلطت فيها دماء الليبيين والجزائريين في صراعهم ضد الاستعمار الفرنسي عام 1957، حيث لا تزال بقايا الآليات الحربية الفرنسية المحترقة في المعركة تقف شاهداً على فترة من تاريخ الجهاد المشترك في البلدين.

مكان منسي

منطلقين من مدينة غات في أقصى جنوب غرب ليبيا، وبعد رحلة متعبة ومحفوفة بالمخاطر، عبر طريق ترابي مليء بالحفر والمنعطفات، وصل فريق “مراسلون” إلى المنطقة الحدودية بين ليبيا والجزائر، وتحديداً إلى بوابة “إيسين” الواقعة على المنفذ الحدودي بين البلدين.

في الطريق مررنا بالنصب التذكاري لمعركة إيسين التي اختلطت فيها دماء الليبيين والجزائريين في صراعهم ضد الاستعمار الفرنسي عام 1957، حيث لا تزال بقايا الآليات الحربية الفرنسية المحترقة في المعركة تقف شاهداً على فترة من تاريخ الجهاد المشترك في البلدين.

مكان منسي

تابعنا مسيرنا حتى وصلنا منطقة “تبيبت”، حيث تنتصب هناك بوابة متهالكة لحقها الإهمال ورسم الزمن خطوطه البائسة على وجوه من يعملون فيها،هي بوابة معبر إيسين الحدودي بين ليبيا والجزائر.

للوهلة الأولى صدمنا حجم الضرر الذي لحق بالمكان، فالمكاتب كانت عبارة عن حاويات يسكنها برد الصحراء القارس، والأبواب مهترئة طغى عليها الصدأ، أما المطبخ فلا يصلح حتى أن يكون مكباً للنفايات، ما جعل العاملين هناك يستبدلونه بالعراء مكاناً يعدون فيه مايأكلون.

وسط ذلك المكان المنسي يعيش موظفو البوابة الذين يؤدون واجباتهم بقدر ما يمكن، وينتظرون وكلهم أمل بأن تتغير الأوضاع السياسية في البلاد بشكل ينعكس على واقعهم اليومي، ويؤهلهم أكثر لأداء وظيفتهم، وضبط المنفذ الذي يعجزون حتى اللحظة عن فرض وجودهم فيه.

تهريب وتهريب معاكس

يعمل الحراس في “ظروف لامنطقية” حسب قول عبد الرحمن الوالي آمر المنفذ، فهم عبارة عن أربعة عشر موظفاً، لايملكون إلا سلاحاً خفيفاً، وسط بحر متلاطم من المهربين المسلحين بكافة أنواع السلاح الثقيل.

“يقومون بعمليات التهريب التي تشمل الحشيش والمخدرات والبشر، الذين يدخلون كمهاجرين غير شرعيين يبحثون عن عمل” حسب آمر المنفذ.

ويضيف “يعبر المهاجرون الحدود الليبية في رحلة تحفها المخاطر، فمن احتمال الضياع في الصحراء والعطش والجوع، إلى خطر قطاع الطرق واللصوص، وليس إنتهاءً بوقوعهم ضحايا الاستغلال بكافة صوره، كل هذه الحالات قد سمعنا بها ومرت علينا”.

حياة بدائية

يعجز ممثلو الدولة في المنفذ عن فرض أي نوع من أنواع السيطرة عليه، فهم بحسب آمرهم لا يملكون أية أجهزة حديثة تسرع عملهم أو تربطهم بإداراتهم، حتى أنهم يسجلون حركة الدخول والخروج في أوراق ومذكرات لعدم توفر أجهزة كمبيوتر لديهم.

وبالنسبة لهؤلاء الموظفين تنعدم أي محفزات على صعيد الحياة اليومية، فهم يعانون من شدة البرد الذي لا ترده عنهم حاويات الصفيح التي يعيشون فيها، وقلة التموين وانعدامه في أحيان كثيرة، وكذلك من انعدام الأمن في محيط البوابة، يقول الوالي.

وذكر الوالي في حديثه لمراسلون أنهم خاطبوا الأجهزة ذات الاختصاص والتي لم تقدم لهم “سوى عشر أغطية وعشرة أسرة”، كما اشتكى من ضعف مرتبات الموظفين الذين يتبعون الكتيبة 401 من الجيش الليبي، وعدم تناسبها مع ما يتعرضون له هم وعائلاتهم من خطر، فيما لا يملكون أي تأمين على حياتهم أو صحتهم أو حتى علاوات خطر أو سفر، حيث لا تتجاوز مرتباتهم 800 دينار (حوالي 630 دولار أمريكي) “مما يجعلهم فريسة سهلة للرشوة والفساد”.

كتائب المغاوير

ويصف عبد الرحمن الوالي آمر المنفذ لمراسلون الظروف المحيطة بالبوابة والتي تزيد من تعقيد الوضع فيقول “تتمركز على مقربة من البوابة إحدى كتائب المغاوير، وهم عبارة عن مسلحين جلهم غير ليبيين (أفارقة)، دخلوا إلى ليبيا في فترة الثورة، واستخدمهم النظام السابق كمرتزقة، وانتشروا بشكل ملحوظ في مناطق أوباري وغات وماحولها”.

ويؤكد أن الأهالي تغاضوا عن وجودهم، “فتكاثروا في المناطق المفتوحة والمشاريع السكنية غير المكتملة، وصارت لهم أحياء ومناطق خاصة بهم، ويعتاش أغلب هولاء على التهريب وقطع الطرق والعمل في بعض المليشيات المسلحة”.

ولا يستطيع آمر المنفذ الحدودي أن يتعامل بحزم مع هذه الكتيبة، رغم علمه أنها تلعب دوراً في عمليات التهريب والتهريب المعاكس، “ومقابل تهريب البشر والحشيش والمخدرات إلى ليبيا، يتم تهريب الوقود والمواد التموينية إلى خارج ليبيا”.

ويؤكد أنه “لهذه الكتيبة امتدادات وأذرع منتشرة داخل وخارج ليبيا، وقد زاد عدد عناصرها بعد أحداث مالي”، ويضيف موضحاً “يراقب المغاوير عن كثب سير العمل في المنفذ، ولا يتدخلون إلا إذا تم تهديد مصالحهم القائمة أساساً على رعاية التهريب!”.

الجانب الجزائري

بعد هذا الحديث مع آمر المنفذ قررنا التوغل في الشريط الحدودي رفقة ضباط البوابة، لتواجهنا مشكلة أخرى يعانيها المنفذ، وهي أنهم لايملكون سوى سيارتين فقط، ما ينفي أية احتمالية وجود دوريات سيارة يتم إرسالها لمراقبة الحدود، وهو ما أكده لنا العاملون هناك.

وصلنا إلى مشارف بوابة شينانكوم الجزائرية، 45 كم جنوب غرب إيسين، جبال شاهقة مساحات شاسعة ومفتوحة، وهدوء يسود المكان لايقطعه إلا صوت سيارة ما أو حيوانات تعيش في المنطقة.

بين الجبال دروب ومسارب كثيرة لايستطيع المنفذ ضبطها، وهناك تحدثنا إلى حمزة أحد موظفي منفذ إيسين الذي كان برفقتنا، وحدثنا بغضب عن ما وصفه “معاملة الجانب الجزائري، الذي يتغاضى عن عمليات التهريب، ويسهل عبور المهاجرين غير الشرعيين إلى الحدود الليبية” بحسب قوله.

كما تحدث عن تعديات الجانب الجزائري على الأراضي الليبية أكثر من مرة، وتطرق إلى صعوبة مراقبة هذه المساحة الشاسعة من الحدود وسط جبال ورمال ممتدة.

دخلوا من المنفذ

في الأفق لاحت أمامنا سيارة تبدو كأنها قديمة وقد أثارت وراءها عاصفة غبار، اتضح فيما بعد أنها كانت سيارة لأحد مهربي البشر، تبعناها حتى دخلت الحدود الليبية.

العجيب في الأمر أنها دخلت من المنفذ، الذي استوقفها وحقق مع من فيها، وتحدثت شخصياً إلى أحد ركابها الذي ذكر أنه من طوارق الصحراء في الجزائر، وأنه لايملك أوراقاً ثبوتية، وأن “الشرطة الجزائرية ألقت القبض علينا ثم أخلت سبيلنا”، وذكر أنه جاء لليبيا لغرض العمل في أوباري.

طبعاً وبناءً على الوضع الذي شهدناه لن يستطيع المنفذ إرجاعهم لعدم توفر سبل ذلك، ولن يستطيع إرسالهم إلى دائرة الهجرة غير الشرعية لأن الأخيرة لم تعد تقبل أحداً في مراكزها الممتلئة، ولن يستطيع إبقاءهم لأنه لايملك مقومات إيوائهم، وعليه دخلوا ليبيا جهاراً نهاراً.

بعد عودتنا من هذه الجولة تواصلنا مع جهاز حرس الحدود في مدينة سبها حول أوضاع منفذ إيسين، فذكروا لنا أنهم بصدد وضع برنامج لدعم المنافذ الحدودية بالجنوب، لكنهم رفضوا إعطاءنا أي تفاصيل عن هذا البرنامج بحجة الدواعي الأمنية.

كانت الرحلة إلى منفذ إيسين قصيرة مقارنة بما يحتاجه هذا المرفق الحيوي من اهتمام ومتابعة، تركنا المنفذ محاطاً بالخوف وفقدان الأمن والإهمال، وكل ما فكرت فيه وأنا أسير بين عروق رمال الصحراء الذهبية، هذا الغياب المفجع للدولة التي ما فتئ ممثلوها يتحدثون عن أهمية الحدود الجنوبية وحمايتها وتركيز الجهود عليها.