كشف أحد رجال الأعمال التونسيين ورئيس حزب سياسي، خلال الاسبوع الماضي أنه كان ضحية احتيال بعض النواب الذين “اشتراهم”، لكنهم أخذوا أمواله وأخلوا بالتزاماتهم كما قال.

لم يدر بخلد أحد ممّن توجّهوا لصناديق الاقتراع يوم 23 تشرين أول/أكتوبر 2011 أن يتم المتاجرة بأصواتهم وعرضها للبيع. المشترون رجال أعمال اقتحموا عالم السّياسة بأموالهم وحوّلوا المجلس التأسيسي (البرلمان) إلى سوق لبيع وشراء مقاعد نوّاب الشعب، ولكن هذا ما حصل.

كشف أحد رجال الأعمال التونسيين ورئيس حزب سياسي، خلال الاسبوع الماضي أنه كان ضحية احتيال بعض النواب الذين “اشتراهم”، لكنهم أخذوا أمواله وأخلوا بالتزاماتهم كما قال.

لم يدر بخلد أحد ممّن توجّهوا لصناديق الاقتراع يوم 23 تشرين أول/أكتوبر 2011 أن يتم المتاجرة بأصواتهم وعرضها للبيع. المشترون رجال أعمال اقتحموا عالم السّياسة بأموالهم وحوّلوا المجلس التأسيسي (البرلمان) إلى سوق لبيع وشراء مقاعد نوّاب الشعب، ولكن هذا ما حصل.

فضيحة هزّت أركان المجلس التأسيسي بتحوّل مجلس عُهدت له مهمّة كتابة دستور الجمهوريّة الثانية، دستور كفيل بضمان حريّات شعب حُرم منها طيلة عقود من الزّمن، إلى وسيلة لكسب المال ولو ببيع مقعد وضعت آلاف الأصوات ثقتها في من سيشغره.

صدمة

الصدمة فجّرها رجل الاعمال التّونسي المثير للجدل البحري الجلاصي عندما أكّد أن عددا من النواب “عرضوا أنفسهم للبيع” على بعض رجال الاعمال الذين يترأسون أحزابا سياسيّة وأنّه قد نال بعد مفاوضات، دامت ثمانية أشهر، نصيبه من المقاعد المعروضة للبيع.

ونشرت مواقع إلكترونيّة محلّيّة عقودا وقّعها نوّاب يتعهّدون بموجبها بانتقالهم لحزب الانفتاح والوفاء الذي يتراّسه البحري الجلاصي مقابل تلقّيهم مبالغ ماليّة وسيّارات، ولكنّهم تراجعوا فيما بعد ممّا دفع رجل الأعمال إلى الإعلان عن تعرّضه للتحيّل متهماً النوّاب بلهف أمواله فيما كذّب النوّاب الذين ذكرهم هذه الاتهامات.

غنيمة

رئيس حزب الانفتاح والوفاء البحري الجلاصي أكّد خلال اتصال هاتفي بـ”مراسلون” أن ثمانية نواب اتصلوا به وبعدد من رجال الاعمال منذ فترة وطرحوا عليه فكرة الانضمام لحزبه بمقابل مادّي وهو ما حصل بعد تفاوضه معهم بخصوص المال.

يقول رجل الاعمال المعروف بدعوته لزواج القاصرات لـ”مراسلون” “سلّمت نوّابا مبالغ ماليّة تتراوح من 17 ألف دينار ( قرابة 8 آلاف يورو) و15 الف دينار (7 آلاف يورو) وسيّارات ومكاتب وفوجئت بعد مدّة قصيرة بانسحابهم دون إعلامي ورفض أغلبهم إعادة ما غنموه منّي”.

عن أسباب كشفه لعمليّة شراء مقاعد داخل المجلس التأسيسي رغم إمكانيّة تعريض نفسه للعقاب بتهمة الرّشوة، يقول الجلاصي إنّ الشعب التونسي يجب أن يعرف حقيقة ومستوى من ينوبهم في كتابة الدّستور ويرتدون قناع المدافعين عن الحرّيات والمحاربين للفساد، على حد تعبيره.

باعوا أنفسهم

المتحدث باسم حزب تيار المحبة (الحزب الأصلي للنوّاب المتّهمين ببيع مقاعدهم) سعيد الخرشوفي أكّد لـ”مراسلون” أنّه طالب رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر بفتح تحقيق عاجل في الخصوص. كما دعا إلى إعفاء النوّاب الذين ذكرهم البحري الجلاصي من مهامّهم في حال ثبتت تهمة الرّشوة.

وخلال لقاء مع “مراسلون” قال سعيد الخرشوفي “صُدمت كغيري بعد سماع تصريحات البحري الجلاصي، فليس من الهيّن استيعاب أن من رفاقي القدامى داخل الحزب باعوا أنفسهم وضمائرهم وخانوا ثقة منتخبيهم من المفقّرين والمهمّشين”.

ويرى المتحدّث باسم حزب تيار المحبة (حزب العريضة الشعبيّة سابقا، قريب من حركة النهضة) في ختام حديثة لـ”مراسلون” أنّه اذا ما ثبتت تهمة الرشوة على هؤلاء النواب فانه يجب إعفاؤهم من مهامهم بالمجلس قائلا: “هؤلاء لم يمثلوا الشعب كما كان مفترضا وإنما يخدمون مصلحتهم الخاصّة ومصلحة من يدفع أكثر بدرجة ثانية”.

إدعاء بالباطل

النوّاب الذين اتهمهم البحري الجلاصي بالتحيّل عليه نفوا جملة وتفصيلا ما ذكره رجل الأعمال وتجاوزا التكذيب ليرفع بعضهم قضيّة ضده في “الثلب والإدعاء بالباطل” وأخرى ضدّ النّاطق الرّسمي لحزبهم الأصلي سعيد الخرشوفي، كما أبدوا عدم تخوّفهم من نتائج التّحقيق الذي فُتح في الموضوع.

جلال فرحات أحد النوّاب الذين اتهمهم البحري الجلاصي بالتحيّل، لم ينف خلال حديثه لـ”مراسلون” انضمامه لحزب رجل الأعمال ومن ثم الانسحاب منه ولكنّه أبدى استغرابه من إدعاء الجلاصي بأنّه “باع مقعده”.

و يقول النّائب لـ”مراسلون” “بعد فترة قصيرة من انضمامنا لحزب الانفتاح والوفاء فوجئنا بتدخّل البحري الجلاصي في كل الأمور كما أن مواقفه مضحكة ولا تشرّفنا كدعوته ومساندته لزواج القاصرات التي شوّهت صورة الحزب”.

واعتبر النّائب بالمجلس التأسيسي أن ما قام به البحري الجلاصي حملة انتقامية للتّشهير بالنوّاب الذين انسحبوا من حزبه ورفضوا أن يكونوا أداة يتصرّف بها كما يريد لتمرير مشاريعه “المجنونة والمشبوهة”، كما اتهمه من خلال إفادته لـ”مراسلون” بـ”تبييض الأموال”، على حد تعبيره.

وختم جلال فرحات قائلا “التحقيقات ستُظهر قريبا من المتحيّل ولن نتخلّى عن حقّنا في تتبّع من ادعى علينا بالباطل عدليّا وأراد تشويه صورة المجلس الوطني التأسيسي وستظهر عديد الحقائق الصّادمة للشعب التّونسي”.

لكن البحري الجلاصي قال أنه أودع شكوى بوكالة الجمهورية بابتدائية تونس ضد 6 نواب بالمجلس التأسيسي وهم طارق بوعزيز (نائب عن نابل 1) ومنصف الشارني (عن نابل2)  ورمضان الدغماني (نائب عن مدينة القيروان) وشكري العرفاوي (نائب عن سليانة) وجلال فرحات (نائب عن المهدية) وحسني بدري (النائب عن ولاية سيدي بوزيد)، بدعوى الاستيلاء على أموال ومكاتب وسيارات حزب الانفتاح والوفاء.

لجنة تحقيق

النّائبة الأولى لرئيس المجلس الوطني التأسيسي محرزيه العبيدي اكتفت بالتّعليق على الموضوع خلال لقاء مع “مراسلون” قائلة: “تم تشكيل لجنة تحقيق في المعلومات والتهم الموجهة لبعض النواب بتلقي رشاوي والانضمام لأحزاب بمقابل مادّي و ستتخذ هذه اللّجنة الإجراءات اللازمة، في حال ثبتت هذه التهم”.

ويُذكر أن عديد الأحزاب لم تشارك في انتخابات 23 تشرين أول/ اكتوبر وهي ممثّلة حاليا في المجلس التأسيسي. من بينها حركة نداء تونس الذي يترأسه الوزير الاول السابق الباجي قائد السبسي، وحزب حركة الجمهوريّة الذي أسسه العربي نصرة صاحب أول قناة تلفزيونية خاصّة في تونس.

كما رفع ما تبقّى من نوّاب حزب تيّار المحبّة (الحزب الاصلي للنوّاب المتّهمين ببيع مقاعدهم) منذ أكثر من سنة قضيّة بعد انشقاق عدد هام من النوّاب اللذين دخلوا المجلس التأسيسي ضمن قوائم حزب تيّار المحبّة الذي يتزعّمه الهاشمي الحامدي.

كما طالب النوّاب المتبّقين في الحزب آنذاك تنقيح النّظام الداخلي للمجلس التأسيسي لمنع النوّاب من الانتقال من حزب لآخر بعد انشقاق أكثر من نصف نوّابه عنه وانضمامهم لأحزاب وكتل أخرى.