في شهر أيلول/ سبتمبر 2012 أخذ العنف ضد النساء والفتيات منحى أكثر خطورة حين تعرضت إحدى الفتيات في شوارع مدينة أسيوط إلى التحرش اللفظي من قبل أحد الشباب، وحين راجعته عن فعلته أطلق عليها النار فأرداها قتيلة. وقامت أسرة شهيدة أسيوط بالتمسك القانوني بحق أبنتهم حتى حُكم على القاتل بالسجن المؤبد.

في شهر أيلول/ سبتمبر 2012 أخذ العنف ضد النساء والفتيات منحى أكثر خطورة حين تعرضت إحدى الفتيات في شوارع مدينة أسيوط إلى التحرش اللفظي من قبل أحد الشباب، وحين راجعته عن فعلته أطلق عليها النار فأرداها قتيلة. وقامت أسرة شهيدة أسيوط بالتمسك القانوني بحق أبنتهم حتى حُكم على القاتل بالسجن المؤبد.

تكرر الحادث في ثالث أيام عيد الفطر في 10 آب/ أغسطس هذا العام 2013 في طنطا بمحافظة الغربية(90 شمال غرب القاهرة)، حيث قُتلت الشابة شروق التربي دهساً عقب تعرضها للتحرش من قبل سائق السيارة التي دهستها، وبعد إعلان وزارة الداخلية القبض عليه مساء نفس اليوم، تم الافراج عنه بسبب “تضارب أقوال الشهود حول الواقعة بين من يؤكد أن السائق قام بمضايقتها والتحرش بها وحين همت لردعه صدمها بسيارته، وبين رواية أخرى تقول أن الفتاة عبرت الشارع دون انتباه فصدمها”. كما كشف بيان للنيابة العامة.

غياب الأمن والفقر التشريعي

حالة شروق الترب تشترك مع حالات تحرش أخرى كثيرة في افلات الجاني من العقاب. وترى الناشطة النسوية والمنسق الميداني لمبادرة “شفت تحرش”، جانيت عبد العليم أن غياب الأمن من أهم أسباب تفاقم الظاهرة، فالمتحرش على علم كاف بأنه سيفلت من العقاب ولا يوجد من يردعه وتابعت أنه بالرغم من استحداث وزارة الداخلية وحده لمكافحة العنف ضد المرأة بناء على طلب المجلس القومي للمرأة الا أنها غير مدربه على التعامل مع حوادث التحرش.

أما السبب الثاني وفقا لعبد العليم فهو “الفقر التشريعي” فيما يخص عقوبة التحرش، إذ ينص قانون العقوبات الحالي على معاقبه “الاعتداء الجنسي” بشكل عام، بالأشغال الشاقة من 3 إلى 7 سنوات وفى الغالب لا يُطبق.

كما تؤكد عبد العليم أن “معدلات العنف ضد المرأة في ازدياد مستمر بالإضافة إلى وقائع الاغتصاب الجماعي، والإرهاب الجنسي تجاه النساء والفتيات، وخاصة بعد تولى الرئيس المعزول محمد مرسى للحكم في محاولة منهم لإرهاب المرأة وابعادها عن المشاركة السياسية”.

صعوبات تواجه المبادرات الشبابية

وتشهد مصر منذ سنوات ارتفاعا مذهلا لمعدلات التحرش الجنسي والعنف ضد النساء، مما دفع العديد من الناشطين والحقوقيين لتشكيل جمعيات ومبادرات أهلية تسعى لمحارية هذه الظاهرة. فقد أشارت دراسة قدمها المركز المصري لحقوق المرأة عام 2008 الى أن ما يزيد على 80 % من المصريات تعرضن لتجربة التحرش الجنسي. لكن عمل هذه الجمعيات يتعرض لكثير من الصعوبات.

أولى تلك الصعوبات من وجهة نظر جانيت عبد العليم هي جهاز الشرطة! حيث كانت تعوق عمل مبادرة “شفت تحرش” كما تقول عبد العليم، وكانت غير متعاونة بالشكل الكافي، وتمثل ذلك في عدم عمل محاضر ضد المتحرشين أثناء تقديم البلاغات والتقليل من حجم القضية والتعامل معها على أنها شيء عابر.

من ناحية أخرى تتهم عبد العليم التيار الإسلامي أيضا بعدم التعاون، قائلة “هاجم تيار الإسلام السياسي الحملات التثقيفية التي كنا نقوم بها من أجل توعيه الشارع والمجتمع بأهمية وقف العنف ضد النساء، واتهمنا بأننا نحرض المرأة على خلع الحجاب وترك الدين، مما كان يشكل عائقا كبيرا لإيصال أفكارنا للعديد من الفتيات”.

فيما تقول المتحدثة الإعلامية باسم جبهة نساء مصر منى عبدالراضى، إن أهم ما كان يعوقهم في الشارع هو ما أسمته “التحرش السياسي” من قبل تيارات الإسلام السياسي بهم أثناء تنظيم فعاليات تطالب بوقف بمحاربة جرائم العنف ضد النساء وتوقيع أقصى العقوبات على مرتكبيها وعدم إقصاء المرأة من الحياه السياسية والمجتمعية. وأكدت ان التحرش بهم أثناء قيامهم بهذه الفعاليات ازداد بشكل كبير خاصة بعد تولى الرئيس المعزول محمد مرسى للحكم.

حاجة إلى خطة قومية

القضاء على ظاهرة التحرش الجنسي بحاجة إلى خطة قومية تتضمن آليات وتدابير مستدامة لتحسين أوضاع المرأة، حسب رأي الكاتبة الصحفية والمدير التنفيذي لمركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية عزة كامل.

هذه الخطة يجب أن تتضمن تمثيل عادل للمرأة في كافة مراكز اتخاذ القرار، واصدار قانون يجرم كافة أشكال العنف الجنسي ضد النساء والفتيات وخاصة جرائم التحرش الجنسي بما يضمن إعادة تأهيل القائمين بهذه الجرائم ودمجهم في المجتمع، على أن يأخذ في الاعتبار مجهودات منظمات المجتمع المدني في صياغة العديد من مشروعات القوانين المناهضة للعنف ضد المرأة.

وطالبت كامل وزارة الداخلية المصرية بأن تتقبل المتغيرات التي تشهدها مصر عقب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، وأن يتم العمل من الآن على وضع جدول زمني لإعادة هيكلة جهاز الشرطة، وفى الوقت نفسه يجب على الوزارة أن تتخذ آليات أكثر فاعلية لاستعادة الأمن في الفترة الراهنة، وأن تعيد تأهيل قواتها النظامية لكي يستطيعوا التعامل مع جرائم العنف الجنسي التي باتت تؤرق المجتمع. وطالبت كامل باستصدار تعليمات مشددة إلى كافة دواوين ومراكز الشرطة المنتشرة في ربوع مصر إلى التعامل باحترام واجب مع المبلغات عن وقائع التحرش والعنف الجنسي، وعدم الاستخفاف بتلك الوقائع، والحفاظ على سرية البيانات وعدم الإفصاح عنها، وكذلك التشديد على عدم اتخاذ أي إجراءات استثنائية من شأنها انتهاك حقوق الإنسان والنيل من كرامة المبلغات مثل كشوف العذرية وما شابه ذلك من إجراءات غير منضبطة.

جهود حكومية بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني

فهل ستغير حادثة شروق التربي من وعي المجتمع لخطورة ظاهرة التحرش؟ أم تبقى حالة فردية؟ تقول الكاتبة الصحفية ومستشارة الرئيس لشؤون المرأة سكينة فؤاد، إنه يجرى الآن تنسيق بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لصياغة قانون يحد من جرائم العنف ضد المرأة وردع كل من يحاول التحرش بالنساء في الشوارع، فضلا عن تفعيل وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة الداخلية لردع كل من يحاول التحرش بفتاة أو ممارسة مثل هذه الأفعال الشنيعة كما وصفتها.

لكن مع دخول البلاد حالة من الفوضى والاضطرابات بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة تتراجع قضية شروق الترب إلى الخلفية. ويتضاءل الأمل في سرعة سن قوانين للحد من العنف ضد المرأة. وحتى يتم تقديم قاتل شروق التربي للعدالة ستظل قضيتها واحدة من أبشع قضايا التحرش الجنسي في مصر الحديثة.