وقف وسط المتظاهرين يهتف بصوته الجهوري “عيش، حرية، شريعة إسلامية”. كان وجهه عبوسا لا يمت بصلة لحماسة صوته وكأنه يداري بصوته المرتفع الرنان ما يخبئه في صدره من امتعاض ويأس على فقدان ما سعت جماعة الإخوان المسلمين اليه طيلة ثمانين عاما خلال عام واحد.
وقف وسط المتظاهرين يهتف بصوته الجهوري “عيش، حرية، شريعة إسلامية”. كان وجهه عبوسا لا يمت بصلة لحماسة صوته وكأنه يداري بصوته المرتفع الرنان ما يخبئه في صدره من امتعاض ويأس على فقدان ما سعت جماعة الإخوان المسلمين اليه طيلة ثمانين عاما خلال عام واحد.
هذا التناقض لم يكن حال أحمد أمين الشاب الثلاثيني المنتمي للتيار السلفي وحده، وإنما مئات الإسلاميين الذين يشاركونه في المسيرة التي تحركت من مسجد صلاح الدين الواقع في قلب المدينة. وهي واحدة من المسيرات التي يسيرها التيار الإسلامي يوميا في مدينة الأقصر السياحية (670 كيلو مترا جنوب القاهرة) منذ عزل الرئيس مرسي في الثالث من تموز/يوليو الماضي.
“نشعر بمرارة شديدة”
وصلت المسيرة لتوها شارع المحطة أحد أشهر شوارع المدينة، وأخذ المشاركون فيها يلوحون بصور الرئيس المعزول بينما يرمقها الواقفون علي حافتي الطريق بنظرات تفاوتت ما بين متعاطفة معهم وأخرى تبدو وكأنها رافضة لمثل هذه المسيرات وثالثة ناقمة.
محمود الحسيني (27 سنة) متظاهر ملتحي آخر يقول “نحن كإسلاميين نشعر بمرارة شديدة إزاء ما حدث في البلاد، وها نحن على وشك الكفر بالديمقراطية. فما أن سلمنا نحن بها حتى أنقض على نتائجها مخالفونا”.
غالبية المشاركين في المسيرة قادمين من مدينة أرمنت نحو 20 كيلو مترا جنوبي الأقصر حيث تنتشر الحركات الإسلامية بشكل كبير، لا سيما الجماعة الإسلامية حيث نشأ في تلك المدينة قادة بارزون على رأسهم رفاعي أحمد طه رئيس مجلس شورى الجماعة في فترة الثمانينات.
وقد لوح طه مؤخرا بالعودة للعنف إن تم اضطهاد الإسلاميين وإقصائهم من المشهد السياسي كما حدث في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك قبل الإطاحة به في يناير/كانون الثاني 2011 عقب انتفاضة شعبية ضده قائلا: “إن عاد الإسلاميون للعنف فذلك سيكون ردا على العنف الذي سيمارس ضدهم”.
“إسلامية … إسلامية”
“لن نستسلم. سنواصل فعالياتنا الرافضة للانقلاب علي الشرعية وإن سقط منا مزيد من القتلى فكلنا مشروع شهيد، وسنحول ميادين مصر جميعها إلى اعتصامات”. العبارة لأحمد أمين قالها تعقيبا على نقاش هامشي كان دائرا حول تهديدات جديدة لوزارة الداخلية بفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في القاهرة بالقوة.
مضى المتظاهرون المشاركون في المسيرة يهتفون بأصوات زاعقة “إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية .. وهي لله هي لله لا للمنصب ولا للجاه .. والشعب يريد عودة الشرعية” .
“لا بديل عن عودة مرسي”
ورغم اعتراف عدد من هؤلاء المشاركين في المسيرة من أن لمرسي أخطاءً كانت سببا رئيسيا في هذه الخسارة التي لحقت بالإسلاميين مؤخرا، إلا أنهم كما غيرهم من مؤيدي مرسي لا يرون بديلا عن عودته لسدة الحكم وهو الأمر الذي يبدو مستحيلا بالنسبة للطرف الآخر.
سارت المسيرة في حماية عدد من الأشخاص المسلحين بالعصي والشوم بينما كان عدد ممن يعرفون بشباب “ألتراس مرساوي” يرددون الأناشيد الحماسية علي غرار الألتراس المشجع للفرق الرياضية المصرية.
استهدفت تلك المسيرات أكثر من ذات مرة مقر القيادة العسكرية الجنوبية والقاعدة الجوية العسكرية بمنطقة منشأة العماري حيث توجهت إلى هناك وقام المشاركون فيها بكتابة عبارات ورسوم مناوئة لوزير الدفاع والرئيس المؤقت عدلي منصور وبعض الرموز السياسية في البلاد مثل محمد البرادعى وحمدين صباحي على أسوارهما.
مرشدون سياحيون ضد الانقلاب
ولم يفت المشاركين في هذه المسيرات وهم يرددون هتافات ضد السيسي وما وصفوه بـ “حكم العسكر” مغازلة جنود الجيش الذين يقفون يؤمنون ثكناتهم تلك عن طريق ترديد هتافات من قبيل “انتم خير جنود الأرض”، ما يراه معارضون لهم محاولة لشق صفوف الجيش والتفريق بين القادة والجنود في هتافاتهم.
أحمد جاد الرب منسق ائتلاف “مرشدين سياحيين ضد الانقلاب” وأحد المتظاهرين المؤيدين لمرسي يرفض الركون للمفاوضات التي تجريها أطراف مختلفة لإنهاء الأزمة الحالية، مشيرا إلى أنه لا ينبغي أن يعول الإسلاميين إلا على حشودهم وتحركاتهم على الأرض.
نقاش سلمي
وبينما الأجواء كذلك واصل اثنين كانا يقفان علي مقربة من مبنى الإدارة المحلية لمحافظة الأقصر المطل على النيل أحدهما مؤيد لما جري في الثالث من يوليو/ تموز من تدخل الجيش ويرى أنه إجراء طبيعي في ظل فشل الإخوان، وآخر معارض يراه انقلابا عسكريا جدلية توصيف المشهد السياسي الراهن في البلاد.
تصريحات السيناتور الأمريكي جون ماكين التي وصفت ما أعقب تظاهرات 30 يونيو/ حزيران الماضي بالانقلاب العسكري كانت حاضرة أيضا بقوة في الأحاديث الجانبية أثناء وقوف المسيرة حيث كان المتناقشين إزاءها مرحبين بما جاء فيها ويرون أنها ستدعم موقف قادتهم في التفاوض وهذا بالطبع علي عكس ما يراه من هم علي الجانب الأخر المؤيد لما جري حيث رفضوا تلك التصريحات واعتبروها بمثابة تدخل خارجي في الشأن المصري الداخلي.
هكذا مضت أيضا المسيرة غير عابئة بنقاشات القابعين علي الطرقات تخترق الشارع تلو الشارع في إيقاع سريع يشبه كثيرا الإيقاع السياسي التي تدور في فلكه مثل تلك المسيرات.