يعيش كيرت ديبوف في القاهرة، حيث يمثل مجموعة تحالف الليبراليين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي. وهو المستشار السابق لرئيس الوزراء البلجيكي. وتعتبر مدونته التي تغطي مصر ما بعد الثورة نافذة على الأحداث في العالم العربي.

في الجزء الأول من هذه المقابلة يكشف ديبوف عن المحادثات السرية التي أفضت إلى الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، وعن الدور الذي لعبه محمود جبريل في اقناع الغرب بتنفيذ منطقة الحظر الجوي فوق ليبيا، الأمر الذي لعب دورا كبيرا في إسقاط نظام القذافي. 

يعيش كيرت ديبوف في القاهرة، حيث يمثل مجموعة تحالف الليبراليين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي. وهو المستشار السابق لرئيس الوزراء البلجيكي. وتعتبر مدونته التي تغطي مصر ما بعد الثورة نافذة على الأحداث في العالم العربي.

في الجزء الأول من هذه المقابلة يكشف ديبوف عن المحادثات السرية التي أفضت إلى الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، وعن الدور الذي لعبه محمود جبريل في اقناع الغرب بتنفيذ منطقة الحظر الجوي فوق ليبيا، الأمر الذي لعب دورا كبيرا في إسقاط نظام القذافي. 

مراسلون: كتبت عن “الجانب المخفي” من منطقة حظر الطيران في ليبيا، لماذا تعتقد أنه كان هناك جانب مخفي؟

كيرت ديبوف: إن أكثر رواية انتشاراً لما حدث هي تلك التي أذاعها برنار هنري ليفي على رؤوس الأشهاد. كيف ذهب إلى ليبيا وعاد إلى باريس وأقنع ساركوزي بالدعوة إلى منطقة حظر الطيران. وهو أيضاً من أقنع محمود جبريل بالقدوم إلى باريس ودفع الرئيس (ساركوزي) إلى الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي. والأرجح أن الملامح الأساسية في قصة هنري ليفي الملحمية صحيحة بالفعل.

وإذا كان ساركوزي أول من دعا لمنطقة حظر جوي في ليبيا، بعد أسبوع واحد فقط من بدء الثورة يوم 17 شباط/ فبراير2011، فإني لا أشك في أن برنار هنري ليفي لعب دوره. بيد أن دور البطولة في بقية الحكاية لم يكن له بل لمحمود جبريل.

كيف حدث ذلك؟

في الأسبوع الأول من آذار/ مارس، اتصل أحد أعضاء المعارضة الليبية في بروكسل مع لويس ميشيل (وزير الخارجية البلجيكي السابق، والعضو الحالي في البرلمان الأوروبي) ليسأله هل يمكنه مقابلة بعض أعضاء المجلس الوطني الانتقالي. وأول شيء فعله ميشيل هو الاتصال مع غي فيرهوفشتات، رئيس الوزراء البلجيكي آنئذ ورئيس تحالف الليبراليين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي. واتفق كلاهما على أن عليهم دعوة هؤلاء الليبيين إلى مجموعة تحالف الليبراليين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ.

وكان اجتماع مجموعة التحالف في 8 آذار/مارس، لكننا لم نتمكن من البدء بإجراءات التأشيرة إلا يوم السبت في الخامس من ذاك الشهر. اتصلت برئيس أركان وزير خارجية بلجيكا. وبصرف النظر عن أنه لم يكن متعاونا جداً (كان يسـأل: من هؤلاء الثوار الليبيين؟)، أوضح لي أن هناك إجراء تأشيرة عاجل، إلا أنها قد تكون صالحة في البلد الذي يصدرها وليس في منطقة شنغن بأسرها.

لذلك، اضطررنا للاتصال بالحكومة الفرنسية. حصل زميلي على إذن وتصريح أمني من وزير الداخلية الفرنسي. وباعتباره مستشار سابق للرئيس ساركوزي، قال إنه نبه الرئيس بالطبع إلى أن اثنين من أعضاء المجلس الوطني الانتقالي سيحضرون إلى فرنسا: الدكتور محمود جبريل والدكتور علي العيساوي.

هل كنت تعرفهما من قبل؟

الشيء الوحيد الذي كنا نعرفه عنهما هو أن العيساوي كان السفير الليبي في الهند وأنه لجأ إلى المعارضة في شباط/ فبراير الماضي في رد فعل على الرد العنيف لمعمر القذافي. ولم نكن نعرف عن محمود جبريل أي شيء تقريباً.

وكان مسؤول الاتصال الذي علينا الاتصال به لضمان ترتيبات سريعة محامياً يعيش في جنيف اسمه علي زيدان. وعلمت قبل بضعة أسابيع فقط أنه في الواقع ليس سوى رئيس مجلس الوزراء الليبي الحالي.

 ماذا حدث في اجتماع تحالف الليبراليين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي في 8 آذار/مارس؟

في الجلسة (التي كانت مفتوحة لأطراف أخرى كذلك)، فاجأ محمود جبريل الجميع. كان هذا الرجل غير المعروف مقتضباً جداً ودقيقاً في وصفه لوضع الثورة الليبية وفي مطالبه من الاتحاد الأوروبي بحيث كان من المستحيل تقريباً ألا يقتنع المستمعون. لقد تحدث جبريل بقوة، والأهم من ذلك كله أنه أوضح للجميع أن هناك بديل جدي إذا سقط القذافي.

طلب جبريل ثلاثة أشياء من المجتمع الدولي:

1-    الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره الممثل الشرعي للشعب الليبي.

2-    ضمان تقديم المساعدة الإنسانية للشعب الليبي لاسيما في ظل نقص الغذاء والدواء وعدم وجود خطوط هاتفية آمنة.

3-    فرض منطقة حظر طيران لمنع مزيد من القتل (إنما بدون تدخل عسكري).

طلب غي فيرهوفشتات مني كتابة هذه المطالب حرفياً في بيان صحفي مع نداء إلى المجتمع الدولي لدعمها جميعاً.

هل دعم الاتحاد الأوروبي تلك المطالب وماذا كان رد فعله؟

حاولنا إقناع المفوضة السامية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون بالاجتماع مع جبريل. ترددت. وكانت قبل أيام قليلة تلقت رسالة مشتركة من جميع السفراء الأوروبيين في طرابلس ذكروا فيها أنه سيكون من الأفضل للاتحاد الأوروبي عدم التحيز في الصراع. ثم ماذا سيفعل الاتحاد الأوروبي إذا انتصر القذافي؟ ولكن بعد بضع ساعات أخبرني المتحدث باسمها في المقهى إنها ستقابله، لكن في لقاء سري. وكان اللقاء ناجحاً على ما يبدو لأنه اتصل بي وأبلغني بأنه لا مانع من إطلاع الصحافة على الاجتماع.

أثناء المناقشة في الجلسة العامة للبرلمان الأوروبي في اليوم التالي، رفضت أشتون إعطاء وعد بإمكانية الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي، على الرغم من أن معظم المتكلمين طلبوا ذلك. حتى أنه كان علي الذهاب إليها باقتراح حل وسط تعد فيه بوضعه على طاولة المجلس الأوروبي، لكن أشتون رفضت حتى الحديث عن ذلك لأنها لا تتحرك أبداً دون التشاور مع وزراء الخارجية الآخرين.

متى اتخذت الحكومة الفرنسية الإجراءات؟

في المقابل لم يتردد الرئيس ساركوزي في الاعتراف. كانت الخطة في الأصل أن يذهب الوفد الليبي إلى جنيف بعد المناقشة العامة في ستراسبورغ، لأن زيدان يعرف كيف سيتصرف هناك وسينظم لقاءات مهمة. لكن الخطة تغيرت لأن الإليزيه دعاهم: رئيس فرنسا يرغب في لقائهم.

كان ساركوزي يدرك بأنه لم يعط انطباعاً جيداً جداً بعدم دعم الثورة في تونس. كما أن وضعه لم يكن على ما يرام في استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية.

وقد عرف من وزير داخليته أيضاً أن المعارضة الليبية كانت في البلاد، وربما قرأ البيان الصحفي لتحالف الليبراليين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي، فعرف أنها فرصته. لذلك دعاهم للقائه وذهبوا يوم 10 مارس/آذار.

كيف سمعت عن اعتراف الرئيس ساركوزي بالمجلس الوطني الانتقالي؟

كنت أقود سيارتي عائداً إلى البيت عندما سمعت في الأخبار أن ساركوزي اعترف بالمجلس الوطني الانتقالي وبالطبع دعم مطلبي جبريل الآخرين، فهو الذي سبق أن دعا إلى منطقة حظر طيران من قبل. ولم يبلغ أحداً في الحكومة الفرنسية، حتى وزير خارجيته آلان جوبيه.

وكان جوبيه ونظيره الألماني، غيدو فيسترفيله، قد أنهيا للتو لقاءهما الثنائي وكانا يسيران باتجاه تجمع الصحفيين. وعلى بعد أمتار منها، قدم أحد مستشاري جوبيه له ورقة صغيرة. ولدهشته قرأ الرسالة بأن رئيسه اعترف لتوه بالمجلس الوطني الانتقالي. لا بد أن ساركوزي، وإن لم يعرف عنه التردد، قد اقتنع جداً بما سمع ورأى من جبريل.

هنا بدأت المعارضة الليبية تحركاتها لإقناع مجلس الأمن، ماذا تعرف عن ذلك؟

على الرغم من أن تأييد فرنسا كان مهماً جداً، فإنه لم يكن كافياً لإقناع مجلس الأمن بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا. بالطبع ساعد كثيراً أن الجامعة العربية طلبت في 12 آذار/مارس، في لحظة حسم وإجماع فريدة إقامة مثل هذه المنطقة. ولكن تمرير القرار كان يتطلب دعم الولايات المتحدة. وكانت هذه مشكلة.

فالولايات المتحدة تفاجأت كثيراً بطلب جامعة الدول العربية، لكن كانت لا تزال بلا شهية على الإطلاق للذهاب إلى حرب عربية أخرى. فقد كتب كولوم لينش (تيرتل باي، 23 تشرين أول/ أكتوبر 2012) أن سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة خاطبت بحدة زميلها الفرنسي الذي طلب الدعم: “لن تجرونا إلى حربكم القذرة”.

متى غير الأميركيون موقفهم؟

في 17 آذار/مارس 2011، وقبل يومين من التصويت على القرار 1973، غيرت سوزان رايس الموقف وبدأت بنشاط كبير بإقناع دول أخرى بتأييد القرار. وفي 15 مارس، قالت رايس: “نحن نناقش بجدية بالغة ونقود الجهد في مجلس الأمن حول مجموعة من الإجراءات نعتقد أنها قد تكون فعالة في حماية المدنيين – وهي تشمل مناقشة منطقة حظر طيران. لكن وجهة النظر الأمريكية هي أننا بحاجة إلى أن نكون على استعداد للتفكير بخطوات تشمل، ولكن ربما تتجاوز، منطقة حظر الطيران.

حدثنا عن اللقاء بين جبريل وكلينتون؟

في 15 آذار/مارس، ذهبت كلينتون بالفعل إلى القاهرة حيث التقت بوزير الخارجية المصري نبيل العربي، وعمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي شرح لها لماذا كانت الدول العربية مقتنعة بالتدخل في ليبيا. فليس سراً أن القذافي لم يكن محبوباً تحديداً من القادة العرب الآخرين.

ومع ذلك، فإن قلة من الناس يعرفون باللقاء الذي أجرته كلينتون قبل يوم واحد في باريس يوم 14 آذار/ مارس. كانت هناك ذلك اليوم من أجل لقاء مجموعة الثماني. ويرجح أن ساركوزي هو الذي أقنعها بلقاء محمود جبريل. وبعد لقائهم مع الرئيس الفرنسي، استقل جبريل والعيساوي وزيدان القطار إلى بروكسل. وكان عليه أن يعود سريعاً إلى باريس من أجل المهمة الأكثر أهمية في حياته ربما: إقناع الولايات المتحدة بدعم قرار الأمم المتحدة الذي يسمح بفرض منطقة حظر طيران في ليبيا.

لقد اجتمعت كلينتون بجبريل مدة 45 دقيقة. ولكن بعد الاجتماع، لم تدلي بأي تصريح ولم تتسرب أي معلومات، ما يعني عادة أن شيئاً مهما قد حدث.

بقية القصة معروفة. اعتمد مجلس الأمن القرار 1973، بعد ضغوط مكثفة من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وفي بداية الاجتماع مع تلك الدول التي وافقت على المشاركة في منطقة حظر الطيران، أرسلت فرنسا على الفور طائرات مقاتلة إلى بنغازي.

يعتقد معظم الليبيين أن فرنسا كانت أول دولة ساندت الثورة الليبية في حين تقول شيئاً مختلفاً في مقالك. كيف تعلق على ذلك بتفصيل أكبر؟

كانت فرنسا أول دولة تطلب منطقة حظر طيران وبالتالي أول دولة تساند الثورة الليبية. أنا لا أشكك في ذلك. ما أقوله هو أن الانفراج الحقيقي أتى عندما جاء جبريل وزيدان والعيساوي إلى أوروبا بوصفهم ممثلي المعارضة المنظمة، أي المجلس الوطني الانتقالي. جاؤوا بمطالب محددة جداً: منطقة حظر طيران والاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي بوصفه الممثل الوحيد للشعب الليبي ومساعدة وإغاثة الشعب الليبي. أتوا بناء على دعوة من مجموعة تحالف الليبراليين والديمقراطيين إلى البرلمان الأوروبي. لكن الحكومة الفرنسية كانت مرة أخرى أول حكومة تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي.

الجزء الثاني من المقابلة يتبع في الأسبوع القادم