لم يكن من السهل الوصول إلى “ولد الكانز”، فهو كما يقول، لا يريد “تشويشا إعلاميا” على محاكمته. فمغني الراب علاء الدين اليعقوبي المتهم بشتم رجال الشرطة كان يغير مكانه وأرقام هاتفه باستمرار حفاظا على أمنه الشخصي بعد أن صدر بحقه في آذار/ مارس الماضي حكم بالسجن لمدة سنتين مع النفاذ.
وبعد عناء التقته “مراسلون” في أحد الأحياء الشعبية بعيدا عن أعين الأمن قبل يوم واحد من تسليم نفسه، في 11 حزيران/ جوان الجاري، على أمل أن تراه حرا.

لم يكن من السهل الوصول إلى “ولد الكانز”، فهو كما يقول، لا يريد “تشويشا إعلاميا” على محاكمته. فمغني الراب علاء الدين اليعقوبي المتهم بشتم رجال الشرطة كان يغير مكانه وأرقام هاتفه باستمرار حفاظا على أمنه الشخصي بعد أن صدر بحقه في آذار/ مارس الماضي حكم بالسجن لمدة سنتين مع النفاذ.
وبعد عناء التقته “مراسلون” في أحد الأحياء الشعبية بعيدا عن أعين الأمن قبل يوم واحد من تسليم نفسه، في 11 حزيران/ جوان الجاري، على أمل أن تراه حرا.

لحظة كتابة هذه الأسطر، يقبع “ولد الكانز” في السجن، بعد محاكمة اعتدى فيها الأمن بالعنف على صحفيين وناشطين ومساندين له.

وفي ما يلي نص الحوار:

مراسلون: في البداية، هلا ذكرتنا بمراحل قضيتك؟

علاء الدين اليعقوبي: قضيتي بسيطة، أغنية راب بعنوان “البوليسية (رجال الامن) كلاب”، نشرتها يوم 2 آذار/مارس على الأنترنت. في العاشر من نفس الشهر أصبحت أحد أكثر المطلوبين للعدالة خطورة. من المضحك أنه تم توجيه تهم بالغة الخطورة وإلقاء القبض على بعض الذين ظهرت أسماءهم في نهاية الفيديو لشكرهم على مساعدتي في إنتاج الكليب الغنائي. (يردف ساخرا) أصبحت الآن أعرف كيف أتخلص من الأشخاص الذين أكن لهم حبا خاصا، سأتوجه لهم بالشكر في الأغاني القادمة.

لم أبتكر شيئا عندما أنتجت أغنيتي، ببساطة أنا عبارة عن مصور فوتوغرافي التقط صورة للواقع، وأنشرها دون استعمال تقنيات تجميل الصور.

قضيت أشهر في حالة فرار، ما الذي يدفعك غدا لتسليم نفسك وحضور المحاكمة؟

في الحقيقة وجدت متعاطفين كثر مع قضيتي. لقد تشكلت لجنة مساندة لقضيتي وهي تقوم بعمل رائع. كما أن فريق الدفاع أقنعني بأنه في حال توفر محاكمة عادلة فانه سيطلق سراحي، لذلك قررت حضور الجلسة وتحمل كل تبعات هذا القرار. وسأعرف من خلال نتيجة المحاكمة إلى أي حد تمكنا من ضمان حرية التعبير. وهل قمنا فعلا بثورة أم لا.

قلت إنك تعرضت لتهديدات، فما مدى جديتها؟

نعم، مجمل التهديدات وردتني من رجال أمن، هددت بالقتل وأشياء أخرى كثيرة. أظن أن تهديدات القتل ليست جدية، وانما لإرباكي فقط، وهي مجرد ردة فعل عنيفة من جهاز أمن لم يتخلص بعد من أمراضه المزمنة.

عون أمن رد عليك بأغنية راب، هل تعتقد أنه مؤشر لتغيير في التعاطي معك؟

أنا سعيد بذلك، بل أني قد أكون مغرورا إن قلت أني أسهمت في ثورة ثقافية داخل جهاز الأمن المتصلب والمفرط في نظامه. من الجيد أن ينزع عنصر الأمن قبعته الوظيفية بكل ما ترمز له في أذهاننا من قمع ودكتاتورية، ويختار أن يدخل معي في “حوار غنائي” نتواجه فيه الند للند.

لقد عشت تجارب سيئة مع جهاز الأمن جعلتني أحمل كما كبيرا من الحقد والغضب تجاهه، عندما يعامل الناس كحيوانات داخل مراكز الإيقاف وخلال التحقيق، فمن الطبيعي أن يشعروا بالكراهية ضدهم.

كان من المفترض أن يكون جهاز الأمن سعيدا، لأني استطعت أن أحول غضبي إلي عمل فني. لم أرم في حياتي حجرا على مركز أمنى أو أفكر في حرقه. لكني أعاقب الآن بشدة عوضا من تشجيع اختياري بعدم الجنوح للعنف.

خلال فترة فرارك، أصدرت أغنيتين، واصلت فيهما توجيه سهامك لرجال الأمن والسياسيين، ألا تخشى أن يؤثر ذلك على سير المحاكمة سلبا؟

ذلك أمر طبيعي في نظري، لا أحد يتمتع بالحصانة، في إحدى هذه الأغاني طالبت القضاء أن يبدأ بمحاسبة رجال الأمن الفاسدين قبل أن يحاكم فنانا، قلت أيضا أن تونس ليست دولة قانون وهذه بديهيات بالنسبة لي.

لم أعد أخشى أن تسيس قضيتي، فذلك قد حصل ولم يعد ممكنا تفاديه. سأقول لك شيئا أصرح به لأول مرة، أغنيتي لم تكن لتلقى كل هذا الرواج لولا تسييسها وجعلي هدفا للعدالة. لقد وصل عدد مشاهدي الكليب الغنائي على اليوتيوب أكثر من مليون.

باعتقادي أن هناك إرادة متعمدة للنفخ في قضيتي وقضايا أخرى مشابهة، آخرها قضية أمينة، والهدف هو إلهاء الرأي العام عن أمور أخرى شديدة الخطورة لا تريد السلطة السياسية أن تصل للرأي العام.

فهناك المئات من أغاني الراب التونسي التي تشتم الأمنيين بشكل أكثر حدة مما فعلت، وقد مرت دون أية ضجة.

كيف تفاعل المجتمع المدني والحقوقي مع قضيتك؟

لقد وجدت كل الدعم، فقضيتي متعلقة بحرية التعبير. وهناك أعضاء في لجنة المساندة، يختلفون معي في أشياء كثيرة منها أسلوب تعبيري. إن الاختلاف أمر طبيعي، لكننا جميعا نعتقد أن ما يجمعنا هو أننا نحارب من أجل حرية الرأي والتعبير .

لم أطلب من أحد مساندتي أو دعمي، أطلب فقط أن يدافع المجتمع عن نفسه، إن تم إسكاتي سيحكم على الجميع بالصمت لاحقا.

هل تعني اذا أن أغانيك لا تحمل رسائل سياسية؟

 لا أدعي أنني فنان ملتزم، ولا أملك أي رسائل أصلا. كل ما أقوم به هو نقل مجرد للواقع كما أعيشه ويعيشه جل الشباب. ولا أملك أية توصيات أو نصائح لأحد. ولا أريد أن أكون قدوة.

أنا أعطي لفني فرصة ليرى العالم من وجهة نظري. وفيما بعد لكل شخص حريته في اختيار طريقة تفاعله، بالسلب أم الايجاب.

توفرت لك فرصة مغادرة البلاد والحصول على لجوء سياسي، لما قررت البقاء؟ 

أريد أن أكمل ما بدأته، لست جبانا كي أهرب من وطني، لقد قرروا بالنيابة عني توريطي في الصراع السياسي وسأواجه مصيري.

هل من رسالة لمتابعيك والسياسيين؟

 أدعو الجميع للتشبث بحقوقهم. هناك تهديدات حقيقية لمكتسبات ثورة “14 كانون الثاني /جانفي”. وهناك مساع لإرجاع الجميع لبيت الطاعة. حيث لا يمكن الحديث إلا عن جمال الطقس وزقزقة العصافير.

بالنسبة للحكومة والأمن أعتقد أن رسالتي لهم قد وصلت، لكن فلينتظروا مني رسائل أخرى. لن أخضع لأي ضغوط. أنا شخص متمرد، وخاصة على القوانين التي أرى أنها تحرمني من فرصة أن أعيش كما أريد.

أعلم أنهم يعدون لنا دستورا جديدا، لكن بصراحة، الأشخاص الذين يكتبونه لا يبعثون على التفاؤل بأن يكون دستورا ضامنا للحريات. وحركة النهضة، ذات الاغلبية في المجلس التأسيسي حركة تسويقية، تسوق الأوهام وتختفي وراء الدين.