منذ اليوم الأول لنزول المصريين للشارع لإسقاط الحكومة في 30حزيران/ جوان، انقسم التونسيون بين مؤيد متحمس لإسقاط “دكتاتورية الإخوان المسلمين”، وبين معارض لـ “لانقلاب على الشرعية”.

وفي الوقت الذي يصف فيه بعض السياسيين التونسيين ما حصل في مصر بأنه تدخل للجيش لفرض إرادة شعبية درءا لانزلاق البلاد نحو الفوضى، رأى آخرون أنه صراع بين العسكر والإخوان رجحت الجماهير كفته وحسمته مواقف الدول العظمى.   فيما يذهب البعض الآخر إلى اعتبار ما حصل انقلابا عسكريا مكتمل الأركان.

منذ اليوم الأول لنزول المصريين للشارع لإسقاط الحكومة في 30حزيران/ جوان، انقسم التونسيون بين مؤيد متحمس لإسقاط “دكتاتورية الإخوان المسلمين”، وبين معارض لـ “لانقلاب على الشرعية”.

وفي الوقت الذي يصف فيه بعض السياسيين التونسيين ما حصل في مصر بأنه تدخل للجيش لفرض إرادة شعبية درءا لانزلاق البلاد نحو الفوضى، رأى آخرون أنه صراع بين العسكر والإخوان رجحت الجماهير كفته وحسمته مواقف الدول العظمى.   فيما يذهب البعض الآخر إلى اعتبار ما حصل انقلابا عسكريا مكتمل الأركان.

ويبدو طبيعيا أكثر أن يلقي زخم الساحة السياسية المصرية بظلاله على نظيرته التونسية، فالبلدان مرتبطان ارتباطا وثيقا بافتتاح عهد ما سمي بالربيع العربي. ولطالما اقتفى الشعبين خطى بعضهما البعض.

ولم يستغرق الأمر طويلا، حتى أعلنت مجموعة شبابية، ميلاد حركة “تمرد تونس” في ندوة صحفية عقدت في 3 تموز/جويليه بالعاصمة تونس ، وقال  الناطق الرسمي باسم الحركة محمد بالنور أن اطلاق “حركة تمرد تونس” يهدف لجمع مليوني توقيع لإسقاط المجلس التأسيسي والحكومة.

الطبقة السياسية فشلت

تعرف حركة تمرد تونس نفسها على أنها مجموعة شبابية مستقلة، تسعى عبر جمع التوقيعات إلي إسقاط المجلس التأسيسي كخطوة أولى، بل  أن المجموعة تلقت عروض دعم من شباب ذوي توجهات إسلامية غير راضين على أداء الحكومة كما أفاد محمد بن النور ناطقها الرسمي.

وقال بن النور لـ “مراسلون” إن المجلس التأسيسي خذل تطلعات الشعب في كتابة دستور توافقي وحرف اتجاه الثورة نحو متاهات متعلقة بالهوية وبعيدة عن متطلبات المرحلة اجتماعيا واقتصاديا فيما تواصل الإهدار المكلف للمال العام.

وأضاف بالنور “لدينا فريق من الخبراء والقانونيين لصياغة دستور متوازن يمثل الجميع، المجلس التأسيسي أنتج دستورا مفخخا يؤسس لدولة ثيوقراطية وغير مدنية ويقضى على الحقوق والحريات، لذلك سنقدم مشروع دستور بديل”.

وعن علاقة المجموعة بالأحزاب يقول بن النور أن الطبقة السياسية بمجملها فشلت وأن الوقت حان ليتحمل الشارع مسؤوليته. لكنه لا يخفي ترحيبه بأي دعم من المعارضة “يحترم خصوصية الحركة ولا يسعى للركوب عليها وتوظيفها” على حد قوله.

ويختم موجها كلامه لمن راهنوا مبكرا على فشل الحملة: “عدد التوقيعات التي جمعناها سيفاجئ الجميع، وعلى ضوئها سنتحرك في قادم الأيام”.

الجبهة تساند التغيير في مصر

مشاورات سياسية انطلقت بالتوازي مع تسارع التطورات في مصر وحركية غير معهودة شهدتها أقطاب المعارضة  في تونس لتتجدد دعوات الإطاحة بالحكومة وحل المجلس التأسيسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني.

ويقول زياد الأخضر  القيادي في الجبهة الشعبية (وهي تجمع لقوى يسارية معارضة)، إن “الجبهة الشعبية تساند دون تحفظ الحراك الشعبي المصري”، ويؤكد على سلمية  التحركات وإحباط كل محاولات توجيه الصراع نحو سيناريوهات  الحرب الأهلية والتقسيم.

ويضيف الاخضر “ما عايناه لحد اللحظة لا يرقي لمستوى الانقلاب، نتوق فقط لأن لا يتواصل دور الجيش وأن تسلم السلطة للمدنيين في أقرب فرصة”.

وحول تبعات تطورات الوضع المصري علي تونس يصرح الأخضر أن المنطقة العربية منطقة متفاعلة رغم استمرار وجود الحدود التي رسمها الاستعمار ، وأن سقوط مرسي وتصحيح الشعب المصري لمسار ثورته دفع المعارضة في تونس لتكثيف مجهوداتها لبلورة مواقف أكثر تقاربا.

وأضاف أن “الجبهة الشعبية دعت للقاء تشاوري واسع لدراسة إمكانية الانسحاب من المجلس التأسيسي باعتباره أصبح بؤرة للتآمر على مستقبل شعب تونس ومكتسباته، في حين أن نوابنا سوف يفضحون لاشرعية هذا المجلس وتآمره من داخل قبة البرلمان”.

وفي تعليقه على موقف حركة النهضة مما حدث في مصر قال أن “(زعيم الحركة) راشد الغنوشي يدافع عن تنظيمه الدولي للإخوان المسلمين، وعن حضور تنظيمه في مصر، وقد بدأ في التلويح بإطلاق ذراع روابط حماية الثورة لقمع الشعب التونسي في حالة تمرده. نحن أيضا لنا حلفاءنا في مصر والوطن العربي الذين يقاسموننا الرؤية والذين ساندونا عند اغتيال أميننا العام شكري بلعيد”.

وعن حركة “تمرد تونس” يقول الأخضر أن الجبهة تراقب هذا الحراك عن كثب وأنها متمسكة بموقفها المبدئي في دعم كل التحركات الاحتجاجية المدنية والسلمية.

“انتكاسة للثورة المصرية”

واتصلت “مراسلون” بالسيد عماد الدايمي الأمين العام للمؤتمر من أجل الجمهورية، الحليف الاستراتيجي لحركة النهضة، لتوضيح موقف حزبه من الأحداث الأخيرة. لكنه طلب وقتا للتفكير لم يعد بعده.

لكن سمير بن عمر عضو المكتب السياسي للحزب، ونائب المجلس التأسيسي قال إن ما حصل هو انقلاب عسكري على الشرعية الدستورية.

وفي تصريحه لـ “مراسلون” ندد بن عمر بما اعتبره “عمل جبان” واصفا ما حصل بأنه “انتكاسة للثورة المصرية والتفافا علي إرادة الشعب المصري أو قفزة للمجهول”.

وأضاف بن عمر “تقتضي الديمقراطية أن لا يخرج من أتت به صناديق الاقتراع إلا عبر نفس هذه الصناديق”.

وزاد بأن المقارنة بين ما حصل في تونس ومصر سنة 2011، مقارنة غير موفقة باعتبار أنه آنداك عند تدخل الجيش، لم تكن هناك سلطة سياسية منتخبة ومؤسسات دستورية أفرزها الصندوق، وأن “وظيفة الجيش كانت تقتضي تطبيق قانون الطوارئ، وإيقاف المتظاهرين المعتدين على مقرات الإخوان”، يعقب عضو الترويكا الحاكمة.

وحسب بن عمر فإن الجيش كان من المفروض أن يتدخل لوقف الاعتداء على مقرات الإخوان وقتل المؤيدين لمرسي، ويرى أن عدد الذين نزلوا لدعم الشرعية أكثر بكثير من الذين نادوا بالإطاحة بمرسي.

وحول احتمال تكرار السيناريو المصري في تونس يقول بن عمر إن مجموعة “تمرد  تونس ولدت ميتة، ولا حضور لها في الشارع”.

واعتبر أن الوضع في تونس مختلف وأن تونس تحكم في إطار توافق وطني، ولا وجود لحزب منفرد بالحكم بل لإئتلاف لمجموعة من الأحزاب المتنوعة بين ما هو إسلامي وما هو علماني.

وجاء موقف حركة النهضة من الحراك المصري متناسقا مع مواقف حلفائها في الحكم ولو أنه اتسم ببعض التشنج.

ففي رسالة مفتوحة للشعب المصري، طلب زعيم الحركة راشد الغنوشي من المصريين ملازمة الشوارع لإعادة مرسي للحكم.

وقال الغنوشي في الموقع الرسمي لحركة النهضة على الانترنت، متوجها للمصريين “أناشدكم أن تثبتوا كما عهدناكم ولا تعودوا لبيوتكم حتى تنجزوا ما وعدتم، حتى تعيدوا الحق الى نصابه، وتعيدوا قطار الحرية و الديمقراطية إلى السكة وتُرجعوا الشرعية الى أصلها فيستمر الرئيس المنتخب الرئيس مرسي إلى ما انتدبه له الشعب المصري”.

ما حدث ليس انقلابا

محسن مرزوق، القيادي في حركة نداء تونس (وهي ائتلاف حزبي بزعامة الباجي قايد السبسي)، انتقد بشدة موقف الترويكا الحاكمة من أحداث مصر.

وقال مرزوق لـ “مراسلون” أنه “من المفترض أن تتخذ المواقف الرسمية بناءً على مصلحة تونس، لا على مصلحة الاحزاب”.

وبالنسبة لمرزوق، فإن من المعيب أن تغلب الترويكا مواقفها الإيديولوجية على مصلحة البلاد، “فالدولة ليست جمعية ثقافية”، يضيف ساخرا، و”نحن دولة صغيرة تقوم سياستها الخارجية علي الحياد”.

ويضيف مرزوق أن نداء تونس يعتبر الشأن المصري شأنا داخليا، وأن الأولوية هي الحفاظ على علاقات جوار طيبة مع المصريين “لكن حركة النهضة العضو في التنظيم العالمي للإخوان تدعم حركة الإخوان المصرية علي حساب مصالح البلد وعلاقاته الخارجية”.

الغنوشي فقد صوابه

ويعتبر القيادي في نداء تونس أن ما حدث في مصر كان “انتفاضة شعبية” اما تدخل العسكر “فجاء لحسم أزمة سياسية خانقة”، متمنيا أن يسرع الجيش إلى إعادة السلطة للمدنيين من خلال انتخابات مبكرة.

ويوضح مرزوق أن ما حصل في مصر لا يمكن توصيفه بالانقلاب، ويبرهن على قوله بأن حسني مبارك الرئيس الأسبق لمصر خلع بتخل عسكري لفرض إرادة شعبية، كما وأرغم الرئيس السابق بن علي على الفرار في 14 كانون الثان/ جانفي 2011 بعد تدخل العسكريين الذين نفذوا التغيير وعينوا فؤاد المبزع على رأس السلطة في تونس، “فهل يمكن  اعتبار ما حصل في تونس انقلابا”، يستنكر الرجل.

ويعلق مرزوق علي الرسالة المفتوحة التي وجهها الشيخ راشد الغنوشي  للشعب المصري قائلا “الغنوشي يتدخل بفجاجة في شأن داخلي لدولة ذات سيادة. رسالته تحمل دعوة واضحة للاقتتال الداخلي بين طرفي الصراع في مصر، أعتقد أن الرجل فقط صوابه”.

وفي إجابته حول سؤال الانعكاسات المحتملة علي تونس يقول مرزوق أن الشرعية في تونس “مغتصبة” من قبل حركة النهضة التي تجاوزت الاتفاقات المبرمة حول مدة عمل المجلس التأسيسي، “نحن في وضع لا قانوني منذ 23 تشرين أول/أكتوبر 2012، هذه حكومة خارجين عن القانون، أردنا التفاعل معها لتعويض الشرعية المجلسية المنتهية بأخرى توافقية، لكن النهضة تعنتت وانقلبت على إتفاقاتها، لذلك لا بد من تعبئة شعبية واسعة لتصحيح المسار مدنيا”.

ويضيف “المجلس التأسيسي فقد شرعيته، بالإضافة لعدم قيامه بدوره و تمريره لقوانين فئوية على غرار قانون العزل السياسي، لذلك ليس من المستبعد أن نسحب نوابنا منه، هناك مشورات مع الكتلة الديمقراطية قد تفضي إلى انسحاب جماعي من  المجلس”.

ويعتبر أن حركة تمرد تونس “ظاهرة صحية” تعيد الشباب للعمل السياسي، وأن مطالبهم شرعية “ونحن ندعمها”، يختم حديثه إلى “مراسلون”.