يوم الثالث عشر من حزيران/جوان الجاري، الساعة التاسعة صباحا، تجمع عشرات من مغني الراب والنشطاء الحقوقيين أمام المحكمة الابتدائية ببن عروس (في أحواز العاصمة تونس). الحضور الأمني الكثيف كان يطوق المكان. ارتفاع عدد الوافدين من مساندي ولد الكانز (ولد الـ 15)، رفع من حدة تشنج أعوان الأمن. فهم على الأغلب ليسوا سعداء لقدوم ضيوف من نوع خاص، فنانو الراب، لمواكبة جلسة الحكم.

يبدو المشهد برمته، خارج سياق التاريخ. تظن نفسك للوهلة الأولى قد عدت سنوات للوراء، لحضور محاكمة سياسية لأحد الذين كانوا يقلقون راحة نظام بن علي.

يوم الثالث عشر من حزيران/جوان الجاري، الساعة التاسعة صباحا، تجمع عشرات من مغني الراب والنشطاء الحقوقيين أمام المحكمة الابتدائية ببن عروس (في أحواز العاصمة تونس). الحضور الأمني الكثيف كان يطوق المكان. ارتفاع عدد الوافدين من مساندي ولد الكانز (ولد الـ 15)، رفع من حدة تشنج أعوان الأمن. فهم على الأغلب ليسوا سعداء لقدوم ضيوف من نوع خاص، فنانو الراب، لمواكبة جلسة الحكم.

يبدو المشهد برمته، خارج سياق التاريخ. تظن نفسك للوهلة الأولى قد عدت سنوات للوراء، لحضور محاكمة سياسية لأحد الذين كانوا يقلقون راحة نظام بن علي.

لا يملك هذا الشعور إلا أن يتعزز وأنت تشاهد بعض الوجوه تجوب محيط المحكمة وتتجول داخل ردهاتها بحرية تامة. وجوه تشبه إلى حد التطابق وجوه أعوان جهاز “البوليس السياسي” المنحل.

غير بعيد عن قاعة المحكمة، يرابط “ولد الكانز”، صاحب أغنية ‘البوليسية كلاب”، هذه الأغنية التي قادته إلى هنا، داخل أحد المقاهي القريبة محاطا بعدد كبير من أصدقائه وأفراد عائلته؛ مغنو راب، فنانون، أعضاء في لجنة المساندة وبعض محاميه.

بعضهم لم يكن يخفي خشيته من أن يختطف علاء قبل المحاكمة، فمغنى الراب الشاب قضى أكثر من ثلاثة أشهر متخفيا عن أعين الأمن خصوصا بعد أن صدر بحقه حكم بعامي سجن مع النفاذ العاجل.

الساعة تجاوزت الواحدة ظهرا، يتقدم ولد الكانز مغادرا المقهى وسط محاميه وحشد من أصدقائه متجهين نحو قاعة المحكمة.

تعليمات صارمة بتشديد إجراءات الدخول كانت قد سبقتهم إلى قاعة المحكمة. يمر ولد الكانز ومحاموه دون صعوبة تذكر إلى داخل القاعة فيما يرفض أعوان الأمن السماح لأغلب مرافقيه بالدخول. بعد جهد، سمح لبعض الصحفيين والفنانين بالدخول فيما استمر البقية في الاحتجاج على ما اعتبروه إخلالا بعلنية المحاكمة.

كان ولد الكانز مع هيئة الدفاع  ينتظر أن يطلب منه القاضي المثول أمامه. لم يكن هو نفس القاضي الذى أشرف على هذه القضية منذ بدايتها، ولم يكن القاضي الذى أفرج في نيسان/ افريل الماضي عن الممثّلة الّتي شاركت في تصوير فيديو “البوليسية كلاب” صابرين القليبي، ومصوّر الفيديو الهادي بلقايد حسن.

تبدأ المحاكمة بالاستماع لولد الكانز ثم يتداول محاموه على الكلمة لأكثر من ساعة مستندين في مرافعاتهم على الفراغ التشريعي الذى يحيط بالقضية وعلى عدم توجه المغني الشاب بكلماته لشخص بعينه.

يبدو جليا أن المحاكمة قد أشرفت على نهايتها. عدد من رجال الأمن كانوا قد بدؤوا في التسلل بحذر إلى داخل القاعة للتوزع بين الحاضرين، استعدادا للنطق بالحكم، عامين سجن نافذتين.

يتصاعد التوتر داخل أرجاء المحكمة، ويندفع رجال الأمن نحو علاء لاعتقاله قبل أن يتوارى عن الأنظار.

في الأثناء كانت طقوس احتفالية من نوع خاص لرجال الأمن قد بدأت، لم يكن خافيا على أحد سعادتهم بهذا الحكم وسط احتجاج عدد من الحاضرين داخل المحكمة.

بضع دقائق كانت كافية بالنسبة لهم للتعبير عن فرحهم، غاز مشل للحركة، اعتداءات  بالعنف طالت المحامين والصحفيين، وعدد من الاعتقالات. حصل كل ذلك على عجل، لإخلاء قاعة المحكمة ومحيطها من أي حضور قد يحمل نية الاحتجاج على الحكم.

الحكم كان جاهزا 

يقول ثامر المكي أحد أعضاء  لجنة مساندة ولد الكانز لـ “مراسلون” إنه فوجئ بالمنع غير المبرر لعدد كبير من المساندين من دخول قاعة المحكمة، ويضيف أن هذا المنع كان متعمدا بغاية رفع حالة التوتر.

بالنسبة لثامر عدة أسئلة تطرح حول التوقيت القياسي للنطق بالحكم، فهو يعتبر عدم رجوع القاضي لملف القضية ومستندات الدفاع المكتوبة والمتكونة من أكثر من 200 صفحة مؤشرا سيئا، يجعله يشعر بأن الحكم كان جاهزا وأن شروط المحاكمة العادلة غير متوفرة.

باستياء كبير يعبر المكي عن انزعاجه من الاعتداء الذي طاله وطال عددا من الحضور، “اعتقلوا الصحفية هند المدب التي كانت تحتج على الحكم، ثم شاهدتهم يعنفون صحفي داخل قاعة الحكمة”.

يردف المكي بشيء من السخرية، “المحامية كوثر الغربي أخذت نصيبها من الاعتداء الجسدي واللفظي عند احتجاجها على أسلوب تعامل الأمن معنا، بعض الكلمات القوية التي استعملها ولد الكانز في أغنيته تعتبر في غاية الأدب إذ قورنت بسيل الشتائم القذرة التي وجهها إليها الأعوان”.

خروقات قانونية بالجملة  

تقول الأستاذة كوثر الغربي عضو فريق الدفاع لـ “مراسلون” إن الأفعال موضوع التتبع في قضية الحال لا يشملها نص قانوني جزائي إلى حد اليوم ولا تقع تحت طائلة أي جريمة وهذا لا يتحمل مسؤوليته لا المتقاضي ولا الدفاع.

“بالنسبة لنا هناك فراغ تشريعي ولا يمكن محاكمة منوبي دون نص قانوني سابق الوضع يحدد الجريمة والعقوبة المستوجبة لها”.

تردف الغربي أن الفراغ التشريعي المذكور تقر به الجهات الأمنية نفسها، وهو الذي برر مطالبة النقابات الأمنية بقانون يوفر لهم الحماية على غرار المؤسسة العسكرية.

لا تخفي المحامية تخوفها من طريقة  سير المحاكمة التي قد تؤشر لوجود حكم جاهز قبل انطلاق القضية.

وذكرت هيئة الدفاع في بيان مشترك لها أنها “تحذر وبكل جدية جميع الفاعلين في المجال الحقوقي و تدعوهم إلى الانتباه إلى الإخلالات القانونية التي صاحبت مراحل التتبع”. والتي ترمي وفقها إلى “ردع حرية التعبير تحت غطاء أخلاقي يطوع النصوص الجزائية لتجريم أفعال لا تتناولها المنظومة الجزائية أصلا”.

احتمال تعرض القاضي لضغوط 

يقول عبد الستار بن موسي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لـ “مراسلون” إنهم يطالبون بالإفراج عن علاء في أسرع وقت ممكن. ويعتبر أنه “من غير المقبول الحكم بأحكام سالبة للحرية في قضايا تتعلق بحرية الإبداع والفن”.

ورغم تحفظه على أسلوب ولد الكانز في التعبير عن رأيه، وتشديده علي أن لحرية الإبداع ضوابط، يقول بن موسى إن “تواتر الأحكام بالسجن في مثل هذا النوع من القضايا قد يكون مؤشرا على عودة ممارسات نظام بن علي في تسليط عصا القضاء على المخالفين”.

ويرى بن موسى أن خروقات شكلية قد شابت المحاكمة، كمنع البعض من مواكبتها، إضافة لاعتداء أعوان الأمن على عدد من الحضور داخل قاعة المحكمة وخارجها.

ومن ناحية مضمون الحكم يري بن موسي أنه “حكم مفاجئ وقاس” مع تشديده على إنه لا يريد  من خلال تقييمه هذا التدخل في عمل القضاء.

ويردف “القضاء لا يزال غير مستقل، من المحتمل أن يكون القاضي قد تعرض لضغوط من جهة أو أخرى، لا أتهم جهة بعينها”.

وكانت نقابة المهن الموسيقية والدرامية المنضوية تحت الإتحاد العام التونسي للشغل، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” وجمعيات أخرى قد أصدرت بيانات نددت فيها بحكم السجن.

كما أصدرت وزارة الثقافة بيانا في الغرض، وأكدت فيه تمسّكها المبدئي بالدفاع عن حرية الفن والإبداع، وقالت الوزارة انها رغم حرصها على استقلالية القضاء فإنها “ترجو ان تتسع رحابة العدالة الى ما يحتوي حق الاختلاف استجابة لاستحقاقات الثورة”.

الأمنيون طبقوا القانون

مصدر مسؤول في نقابة الأمن (رفض التصريح باسمه) صرح لـ “مراسلون” أن قوات الأمن طبقت القانون داخل وخارج قاعة المحكمة.

ويقول مصدرنا أن قاعة المحكمة تخضع لإشراف وكيل الجمهورية، وأن أي تدخل أمني داخلها لا يمكن أن يكون خارج إطار تعليماته، ويضيف “أحد المحتجين على الحكم استعمل قنبلة غاز يدوية، وهو ما فرض تدخل الأمن”.

وفي تعليقه على الحكم  يقول أن رجال الأمن يحترمون حرية التعبير لكنهم يرفضون أن  يصل الامر حدّ الثلب والتشهير والاهانة وهتك الأعراض والتحريض على القتل كما هو الحال في أغنية ولد الكانز.

وكانت هيئة الدفاع قد تقدمت بمطلب استئناف للحكم، وسط تخوف من أن يتم تسويف القضية وتعطيل عودتها لأروقة المحاكم. في الآن ذاته استأنفت النيابة العمومية حكم الإفراج عن مشاركين في إنتاج الأغنية الصادر منذ أكثر من شهر.