تستعد نابل (جهة الوطن القبلي، 60 كلم شمال شرق العاصمة) سنويا مع حلول بشائر الربيع لاستقبال موسم جني زهر النارنج وتقطيره. هي عادة  توارثها اهالي هذه المنطقة،  إذ تكاد لاتخلو حديقة من هذه الشجرة ولا يخلو اي مطبخ من قوارير زهر النارنج.

تمتد حقول وبساتين الزهر في هذه الجهة على مساحة 350 هكتار مزروعة بنحو 120 ألف شجرة نارنج يتراوح انتاجها سنويا بين ألف وألف ومئتي طن من الزهور. في حين تتوزع أشجار نارنج مزروعة على طول الارصفة في نابل تقوم السلطات المحلية سنويا بإعلان مزاد علني يفوز بمقتضاه بعض الفلاحين بصفقة استغلال مردودها.

تستعد نابل (جهة الوطن القبلي، 60 كلم شمال شرق العاصمة) سنويا مع حلول بشائر الربيع لاستقبال موسم جني زهر النارنج وتقطيره. هي عادة  توارثها اهالي هذه المنطقة،  إذ تكاد لاتخلو حديقة من هذه الشجرة ولا يخلو اي مطبخ من قوارير زهر النارنج.

تمتد حقول وبساتين الزهر في هذه الجهة على مساحة 350 هكتار مزروعة بنحو 120 ألف شجرة نارنج يتراوح انتاجها سنويا بين ألف وألف ومئتي طن من الزهور. في حين تتوزع أشجار نارنج مزروعة على طول الارصفة في نابل تقوم السلطات المحلية سنويا بإعلان مزاد علني يفوز بمقتضاه بعض الفلاحين بصفقة استغلال مردودها.

سلعة للتصدير

التسمية الاصلية لشجرة الزهر هي شجرة النارنج. وهي شجرة من فصيلة الليمونيات أو ما يسمى بالقوارص، ثمرتها تشبه شكل البرتقالة ولكنها لا تؤكل وإنما تستعمل للتقطير.

ووجدت نبتة النارنج في الصين وبعدها في الهند ومن ثمة انتقلت إلى أوروبا وتحديدا اسبانيا. أما دخلولها إلى تونس فكان عن طريق شمال افريقيا لتصل إلى ولاية نابل المشهورة بالقوارص نظرا لتربتها الجيدة ومناخها الملائم لزراعة مثل هذه النوعية من الغراس.

وتتوفر مدن نابل ودار شعبان وبني خيار المحاذيتان لها على نحو 65 بالمائة من هذه الاشجار. مما يجعل الجهة أحد أهم أقطاب تصدير زيت النيرولي الرفيع الذي يستعمل في صناعة العطور ومواد التجميل. وحسب الاحصائيات المتوفرة، تصدر نابل سنويا ما بين 500 و700 كغ من النيرولي ذي الجودة العالية نحو الاسواق الفرنسية.

من الجني إلى التقطير

يمثل موسم تقطير الزهر بالنسبة الى نحو ثلاثة آلاف عائلة في الجهة، مورد رزق وفير للبعض، ومتواضع للبعض الاخر كل حسب ما هو متوفر لديه من أشجار بين الحدائق والحقول.

ويستعمل ورد الزهر للحصول على ماء الزهر وكذلك تستعمل أوراق الشجرة للحصول على ماء ورق الزهر ولكل منهما منافع خاصة سواء للتداوي او للإضافة عند طبخ بعض الأكلات أو كعطر.

عم سالم فلاح ولد وترعرع بين اشجار زهرة النارنج . يتحدث عن تقطير الزهر فيقول إن زهرة النارنج تمر بمراحل عدة قبل الحصول على ماء الزهر. إذ تشرع النساء في قطف البراعم المزهرة بمجرد تفتح الأزهار، وتحرص النساء العاملات في مجال الجني على ترك البراعم الصغيرة حتى اكتمال نموها لانخفاض جودة خلاصة عطرها.

ويقول العم سالم إن من المستحسن أن تكون عملية الجني في طقس صحو كي لا تؤثر الحرارة المرتفعة أو المنخفضة على عطر الزهرة.

و ينصح اهل المهنة ان يتم التقطير في “قطّار تقليدي” وهو وعاء يكون جزؤه السفلي من النحاس والعلوي من الفخار.

ويردف العم سالم “الآنية المصنوعة من الفخار والطريقة التقليدية في التقطير لا تضاهيها الالات العصرية التي لا توفر نفس الجودة”.

ويصف طريقة التقطير فيقول “يجب أن يوضع في الإناء السفلي كمية محددة من الماء والزهر وفي الغطاء الفخاري الذي يوضع فوقة ماء بارد يتم مراقبته اثناء عملية التقطير ويقع تغييره بماء اخر بارد فور وصوله الى درجة حرارة مرتفعة و عند انتهاء التقطير يحفظ السائل في قوارير”.

وتسمى قارورة الزهر التي تتخذ شكلا غير عادي ”الفاشكة”، وقد اتخذتها بعض المدن رمزا لها، مثل تمثال الفاشكة الذي يتوسط مدينة بني خيار المحاذية لنابل والمعروفة بغابات الزهر أو شجر النارنج.

عرس في كل بيت

جميلة هي إحدى القاطنات بمدينة نابل تعتبر من صغار الفلاحيين تقول في حديث مع “مراسلون” إن زراعة شجرة النارنج تميز ” الدار النابلية”، وإنه من المستحيل أن تلجأ سيدة في نابل لشراء ماء الزهر إلا إذا كانت غريبة عن المنطقة.

وتتحدث جميلة عن أهمية موسم جني الزهر لديها ”أنا وبناتي وعائلتي الموسعة ننتظر بفارغ الصبر حلول فصل الربيع وتفتح أزهار النارنج”.

وتقول إن عائلتها وجيرانها يخصصون بعض الايام للاجتماع في حقول الزهر ويستهلون أول أيام الجني بالزغاريد والغناء واعداد ما لذ وطاب من المأكولات استبشارا بحلول الموسم. وتضيف بكل ارتياح “ان انطلاق موسم جني الزهر يدخل البهجة إلى قلوبنا ونجني خلاله أرباحا جيدة”.

جميلة لا تقتصر على تحقيق اكتفائها العائلي من ماء الزهر بل تمتهن عادة تقطير الزهر التي ورثتها عن جدتها وأمها و تقوم بعرضه  في محل لها . كما تشارك في بعض المعارض، وخاصة معرض نابل الدولي، أين تتولى تقطير الزهر على عين المكان ليعرف الزائر من غير المقيمين بنابل مراحل تقطير الزهر على الطريقة التقليدية.

وتقول في هذا الصدد “انا لا زلت محافظة على القطّار التقليدي لأنه يعطينا نوعية عالية الجودة أفضل من الطريقة العصرية، فهي عادة أجدادي و لن أتخلى عنها ما حييت”.

الزهر عطر وعلاج

السيد أحمد، أحد الأخصائيين في تقطير زهر النارنج، أكد لـ “مراسلون” أن لماء الزهر استعمالات عدة وفوائد جمة، فهو يوظف في مجالات الصيدلة و تحضير عديد الاكلات التقليدية التي عرفت وتميزت بها المنطقة، وهو مكون رئيسي لبعض الحلويات المعروفة التي تميزت بنكهتها الخاصة والمختلفة عن الحلويات في باقي الجهات.

ومن المنافع الصحية لماء الزهر استعماله كعلاج للبشرة وخاصة لحب الشباب، وهو كذلك يساعد على النوم الهادئ و يخفض حرارة الجسم ويساعد على التوقي من ضربة الشمس إذا ما خضبت فروة الرأس به قبل التعرض لأشعة الشمس، كما يصنع ايضا في البلدان الأجنبية و خاصة منها فرنسا عطرا يباع  بباهظ الأثمان لدى أشهر دور العطر.

معرض الزهر

شجرة الزهر أو النارنج جلبت لها الانظار و نالت اعجاب القاصي و الداني حتى أنه خصص لها معرض سنوي بنابل يبلغ هذا العام دورته الحادية  والخمسين.

وبالإضافة الى المهرجان الذي تنظمه سنويا جمعية صيانة المدينة بنابل والذي يتضمن عرض كيفية تقطير الزهر على الطريقة التقليدية وصولا الى أحدث الطرق، تم خلال السنة الحالية أيضا تخصيص تظاهرة تحمل عنوان “عيد زهر النارنج”، وهو ما يؤكد المكانة التي تحظى بها زهرة النارنج في مختلف ربوع جهة نابل.