فوق تلة صغيرة يقع قصر موسيليني في منطقة حي حشاد التابعة لعمادة بوعرقوب المحاذية لمدينة الحمامات الساحلية شمالي تونس. تم تصميمه في شكل دائري بارتفاع أربعة طوابق وتمسح رقعته حوالي خمسمائة متر مربع.

يقول مؤرخون إن مهندسين إيطاليين بنوه في عام 1940 استعدادا لتقديمه كهدية للزعيم الإيطالي موسيليني ولهذا السبب استخدموا أحلى فنون وتقنيات المعمار القديمة والحديثة.

فوق تلة صغيرة يقع قصر موسيليني في منطقة حي حشاد التابعة لعمادة بوعرقوب المحاذية لمدينة الحمامات الساحلية شمالي تونس. تم تصميمه في شكل دائري بارتفاع أربعة طوابق وتمسح رقعته حوالي خمسمائة متر مربع.

يقول مؤرخون إن مهندسين إيطاليين بنوه في عام 1940 استعدادا لتقديمه كهدية للزعيم الإيطالي موسيليني ولهذا السبب استخدموا أحلى فنون وتقنيات المعمار القديمة والحديثة.

لكن مع مرور الزمن أصبح هذا المعلم مهددا بالانهيار في أية لحظة، فقد تشقق جزء كبير من جدرانه ومسح طلائه لدرجة أنك لم تعد ترى سوى لون الطوب البني المائل الى السواد بفعل الزمن والأمطار والإهمال.

نسيته الدولة

ما أن تطأ قدم الزائر حي حشاد حتى يتراءى له شكل القصر من بعيد. لكن كلما اقترب تظهر له شبابيكه المتشققة نشر عليها ثياب بالية في علامة على أنه مسكون.

هذا القصر تقطنه خمس عائلات فقيرة مشردة كانت تقيم في السابق بسبب ظروفها المزرية في منازل صفيح لم تكن تحميها لا من برد الشتاء ولا من حر الصيف فوجدت بقصر موسوليني ملجأها الأخير.

تحولت تلك العائلات منذ التسعينات للإقامة في القصر وأنجبت فيه أطفالا بعدما وجدته مهملا من الدولة.

نحن أولى به

بسمة أحد السكان الأوائل لهذا القصر انتقلت مع زوجها المعطل عن العمل وثلاثة من أبنائها وبعض العائلات الأخرى منذ التسعينات للإقامة في القصر.

تتحدث هذه المرأة لـ “مراسلون” عن الظروف التعيسة التي عانت منها دون أن تفارق الابتسامة وجهها قائلة “نحن عائلات فقيرة لا نقدر على دفع معاليم الايجار لذلك لجأنا لتقاسم غرف هذا القصر”.

وتضيف “الدولة لم تولي أي اهتماما بالقصر فبقي مهملا حتى تحول لمرتع للمجرمين والمنحرفين الذين حولوه إلى وكر لشرب الخمر واستهلاك المخدرات ومن هنا جاءتنا فكرة التحول إلى القصر لأننا أولى به”.

لا يمكن للغريب أن يدخل لقصر موسوليني بسهولة وهذا ليس لكثرة حراسه وإنما بسبب بابه الرئيسي الذي أصبح جراء الصدأ صعب الفتح والإغلاق. لكن أهل القصر تعودوا عليه بل على العكس اعتبروا أن المكان بات أكثر أمانا.

زريبة في القصر

عندما تطأ قدم الزائر محيط القصر يفاجئ بسياج من القصدير اهترأ من الصدأ شد بأسلاك حديدية مال لونها إلى الصفرة الشديدة. وقد أصبحت هذه المنطقة المسيجة مصبا للفضلات للعائلات الخمس ولأهالي حي حشاد أيضا.

والشكل الخارجي للقصر لا يهم العائلات المقيمة فيه بقدر ما يهمها حماية أغنامها التي تربيها فيه لذلك أقامت بمدخل القصر الرئيسي زريبة كبيرة تعج بالكلاب السائبة لحراسة مواشيها خوفا عليها من قطاع الطرق.

تنظر بسمة للمشهد المتبعثر من حولها ثم تقول ”نحن نعيش مع الثعابين والحيوانات ولا نهنأ بحياة كريمة ففي الشتاء نعاني من تسرب الأمطار وفي الصيف نعاني من الحر والروائح النتنة، هذا فضلا عن انعدام مياه الشرب”.

عند التجول في القصر يشعر الزائر بضيق كبير بسبب الفوضى العارمة التي أصبحت تتحكم في المكان فسكان القصر لم يكتفوا بتركيز زريبة لمواشيهم وسياج من القصدير وإنما قسموا القاعة الكبرى للقصر إلى قاعتين صغيرتين بحائط مائل بالآجر بقي على حاله دون طلاء فيما أغلقت بعض الشبابيك الكبيرة بالآجر بطريقة غير مرتبة.

وتنتشر الحفر الصغيرة التي عوضت حجر الرخام ولوحات الفسيفساء النفيسة في أرجاء قاعات القصر شبه المظلمة أما سطح القصر الذي كسته بعض الأعشاب الطفيلية وملئ بالخردة فأصبح مكانا تعشش فيه الطيور.

لا نريد إخراجهم

وعن سبب إهمال هذا القصر التاريخي يقول سامي كروف معتمد بوعرقوب إن ممثلين عن وزارة أملاك الدولة والمعهد الوطني للمحافظة على التراث قاموا بزيارة القصر بعد الثورة في عام 2011 للاطلاع على وضعه في مسعى لإعادة تصنيفه كمعلم تاريخي.

لكنه يقول إن الحكومات المتعاقبة خيرت عدم اتخاذ قرارات بطرد العائلات المشردة التي تقيم في القصر لأن أوضاعها صعبة للغاية، قائلا “على العكس نحن نقدم مساعدات بصفة دورية لهذه العائلات وليست لنا نية لإخراجهم بالقوة من القصر في الفترة الحالية لأننا نعلم جيدا أنه سيقع مطالبتنا بتقديم البديل”.

لكن أكد في المقابل بأن “هناك مساعي لتوزيع مقاسم على العائلات المعوزة حالما يتم تغيير صبغة بعض الأرضي العقارية من أجل حل مشكلة السكن واسترجاع القصر وترميمه لأنه لا أحد يمكن أن ينكر قيمته التاريخية”.